(الصفحة 239)مسألة 11: يجب أن يكون الحلف على البتّ ، سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره ، وسواء كان في نفي أو إثبات ، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف ، ومع عدم علمه لا يجوز إلاّ على عدم العلم1.
وذكر السيّد في الملحقات: أنّه لا دليل لهم على شيء من الأمرين إلاّ دعوى أنّ الأصل عدم ترتّب آثار الحلف عليه ، وهو مقطوع بالإطلاقات ، أو دعوى أنّ المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف ذلك وهي ممنوعة، أو دعوى أنّ الظاهر ممّا في الأخبار «وأضفهم إلى اسمي» المباشرة ، وهي أيضاً ممنوعة(1) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّه لا يجوز التمسّك بالإطلاقات بعد عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، ما عرفت من كون النيابة مطلقاً على خلاف القاعدة ، لا يكاد يصار إليها مع عدم قيام الدليل عليها ، فاللاّزم نهوض الدليل ومع عدمه الحكم بعدم الجواز كما لا يخفى . كما أنّ أصالة عدم ترتّب الأثر على الحلف عند غير الحاكم مع عدم العذر جارية بلا إشكال .
1 ـ ذكروا أنّه يجب أن يكون الحلف على البتّ، سواء كان في فعل نفسه مطلقاً أو في فعل غيره إثباتاً ، وأمّا بالإضافة إلى فعل الغير نفياً فلا يلزم أن يكون الحلف على البتّ ، والوجه فيه ظاهراً عدم اطلاع الانسان على نفي فعل الغير نوعاً بخلاف إثباته ، الذي يكفي في العلم به مجرّد الاطلاع على حصول الطبيعة منه في الخارج ، ولكن أفاد في المتن أنّه مع العلم بالواقعة يجوز الحلف بل يجب بتّاً وإن كان في نفي فعل الغير، ومع عدم علمه بها لا يجوز إلاّ على عدم العلم .
نعم لو كان المدّعي يدّعي علم المنكر مثلا بالواقعة والمنكر ينكر العلم ، يجوز له
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 203 .
(الصفحة 240)مسألة 12: لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه إثباتاً أو إسقاطاً إذا كان أجنبيّاً عن الدعوى ، كما لو حلف زيد على براءة عمرو ، وفي مثل الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد . والأشبه عدم الجواز1.
الحلف على عدم العلم ، ولكن الحلف حينئذ إنّما يكون على البتّ ، فإنّ حلفه على عدم العلم مع عدم علمه يكون بتّياً . وقد تقدّم في بعض المسائل السابقة أنّ المدّعى عليه قد يكون جوابه بلا أدري ولا أعلم ، وفي هذه الصورة قد يكون المدّعي مصدّقاً له في دعوى عدم العلم وقد يكون مكذّباً له ، ومرّ الحكم في الصورتين فراجع(1) .
1 ـ لا إشكال في أنّ الحلف على مال الغير أو حقّه إثباتاً أو إسقاطاً إذا كان الحالف أجنبيّاً عن الدعوى غير جائز ، أي لا يترتّب عليه الأثر; لأنّ اليمين وظيفة المنكر والمدّعى عليه ، والمفروض كونه أجنبيّاً عن الدعوى ، وأنّه في حلفه لا يكون حتى وكيلا عن الغير أو نائباً عنه ، فالحلف الاستقلالي لا أثر له أصلا ، وأصل هذا المطلب ممّا لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ، بل هو من الوضوح بمكان .
إنّما الكلام والإشكال في الموارد المستثناة ، مثل ما ذكر في المتن ، كالوليّ والقيم ومتولّي الوقف ، فقد تردّد فيه في المتن ثمّ جعل الأشبه عدم الجواز ، ولكن ذكر السيّد (قدس سره) في الملحقات: أنّ طرف الدعوى إذا كان هو الوليّ أو المتولّي يصدق عليه أنّه منكر ، فيكون عليه الحلف . وظهور الروايات في اعتبار كون الحلف على مال نفسه ممنوع ، ثمّ حكى عن النراقي في المستند أنّه استدلّ على المنع ـ مضافاً إلى دعوى الإجماع والأصل وظهور الروايات ـ بأنّ الحلف إنّما يكون فيما إذا نكل من
(الصفحة 241)مسألة 13: تثبت اليمين في الدعاوي الماليّة وغيرها ، كالنكاح والطلاق والقتل ، ولا تثبت في الحدود ، فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها ، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ الله محضاً كالزنا ، أو مشتركاً بينه وبين حق الناس كالقذف ، فإذا ادّعى عليه أنّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت حدّ القذف ، نعم لو كانت الدعوى مركبةً من حقّ الله وحقّ الناس كالسرقة ، فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين ، دون القطع الذي هو حقّ الله تعالى1.
الحلف أو أقرّ بالحق يثبت ، ولا يتحقّق شيء منهما في حقّ الغير(1) . وأورد عليه بمنع الاختصاص بذلك(2) ، ويؤيّده أنّ الوليّ والقيم والمتولي لا يكون أجنبيّاً محضاً ، وإن لم يكن له فائدة وضرر في ثبوت الدعوى وسقوطها ، ففرق بينهم وبين الأجنبي المحض الذي لا يترتّب أثر على حلفه، كما لايخفى ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لا إشكال في جريان اليمين في الدعاوي المالية وسائر حقوق الناس ، كالنكاح والطلاق والرجعة والقتل وغيرها ، وفي عدم جريانها في الحدود فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار والبيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها. وقد ورد في روايات كثيرة ما يرجع إلى أنّه لا يمين في حدّ ، ففي مرسلة الصدوق المعتبرة: ادرأوا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ، ولا كفالة ، ولا يمين في حدّ(3) .
هذا ، مضافاً إلى أنّ من شرائط سماع الدعوى أن تكون مرتبطة بالمدّعي ، وله
- (1) مستند الشيعة: 2 / 606 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 204 مسألة 14 .
- (3) الفقيه: 4 / 53 ح90 ، الوسائل: 28 / 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .
(الصفحة 242)
فيها نفع يتوجه إليه كما مرّ سابقاً ، والحدود إنّما هي من حقوق الله المحضة ، وليس لها أيّ ارتباط بالمدّعي ، ولا يكون المدّعي مأذوناً من قبل صاحب الحقّ ، بل هو الذي حكم بدرأ الحدود بالشبهات كما عرفت في المرسلة ، ويؤيّده خصوصية البيّنة في مثل الزنا واللواط ، ومرجع البيّنة فيها إلى موتها من دون ارتباط بالمدّعي ، بل ولو لم يكن هناك مدّع أصلا .
وفي رواية عامية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أنّه قد قال لمن حمل رجلا على الإقرار عنده بالزنا: لو كنت سترته بثوبك كان خيراً لك(1) .
والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك(2) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه(3) إذا كان من حقّ الله المحض . بقي في المقام أمران آخران:
أحدهما: ما إذا كان مشتركاً بين حقّ الله وحقّ الناس كالقذف ، فالأكثر كما في المتن تغليب حقّ الله فلا تثبت فيه اليمين ، وعن المبسوط والدروس تغليب حقّ الناس فتجري فيه اليمين(4) ، وفرّع عليه في المتن ما إذا كان المدّعي يدّعي أنّه قذفه بالزنا وأنكر ، وأنّه لا يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت حدّ القذف ، ولكن هنا فرع آخر لعلّه أنسب وأقرب إلى كلامهما ، وكلام المحقّق في الشرائع حكاية عن المبسوط ، وهو ما إذا قال له: يا زاني، ثمّ لما اُريد قيام حدّ القذف عليه ادّعى الزّنا على المقذوف ، ولكن لا بيّنة له على ذلك ، فيجوز على قولهما أن يحلف
- (1) سنن البيهقي: 12 / 452، كتاب الحدود باب المعترف بالزنا يرجع عن إقراره ح17474 وج13/ 154، كتاب الأشربة باب ما جاء في الستر على أهل الحدود ح18097.
- (2) كفاية الأحكام: 271 مسألة 10 .
- (3) مفتاح الكرامة: 10 / 107 .
- (4) المبسوط: 8 / 215 ـ 216 ، الدروس الشرعيّة: 2 / 93 .
(الصفحة 243)مسألة 14: يستحب للقاضي وعظ الحالف قبله ، وترغيبه في ترك اليمين إجلالا لله تعالى ولو كان صادقاً ، واخافه من عذاب الله تعالى إن حلف كاذباً ، وقد روي أنّه: «من حلف بالله كاذباً كفر»، وفي بعض الروايات: «من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله»، و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الدّيار بلاقع من أهلها»1.
المقذوف على عدم الزنا; ليثبت الحدّ على القاذف ، وإذا لم يحلف المقذوف بل ردّ اليمين على القاذف فحلف ، لم يثبت حدّ الزنا في حقّه .
هذا ، ولكن الأقوى ما عليه الأكثر; لأنّه مضافاً إلى أنّ المستفاد من مذاق الشرع في باب الحدود تغليب حقّ الله ، كما يستفاد من مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «ادرأوا الحدود بالشبهات» الخ يكون مقتضى قوله (عليه السلام): «لا يمين في حدّ»(1) الوارد في روايات كثيرة الشمول للمقام ، وعدم الاختصاص بحدّ الله المحض ، فالأقوى ما في المتن تبعاً للأكثر .
ثانيهما: ما إذا كان مركّباً من حقّ الله وحقّ الناس ، كالسّرقة التي يجتمع فيها الحدّ الذي هو القطع مع شرائط مخصوصة ، وغرامة المال عيناً أو مثلا أو قيمة التي هي حقّ الناس . فبالنسبة إلى الأوّل لا يجزي فيه اليمين بخلاف الثاني ، ولا مانع من التبعيض كما لايخفى .
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى:
{وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرضَةً لاَِيْمَانِكُم}(2) وقد وقع
- (1) وسائل الشيعة: 28 / 46، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح1 و4 وج29 / 136، أبواب القصاص في النفس ب70 ح1 وص186، أبواب قصاص الطرف ب24 ح2.
- (2) سورة البقرة: 2 / 224 .