(الصفحة 355)جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاص بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقة ولا محذور1.
1 ـ قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز المقاصة من مال الغير; لعدم حلّية التصرّف في مال الغير بغير إذنه(1) ، ولكنّ الأدلّة المتقدّمة يستفاد منها المشروعية والجواز ، واللاّزم فيما إذا لم يكن هناك إطلاق الأخذ بالقدر المتيقّن ، وعليه فما نفى عنه البعد في المتن من جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغير في غاية البعد; لأنّ المفروض إمكان التقاص له من الحنطة التي هي مطلوبة ، فلا مجال له لأخذ العدس مكانها بمقدار القيمة فضلا عن قيمي يماثل الحنطة في مقدار القيمة .
ولا إطلاق في شيء من روايات مشروعية المقاصة ، بل موردها القيمي أو مثل الدراهم ، كما يظهر بالمراجعة إليها ، ولكن يؤيّده أنّه لو فرض كون المطلوب مثلياً ووقع عنده قيميّ يعادله من حيث المالية ، فهل لا يجوز له التقاص إلاّ بعد بيع القيمي أو يجوز له التقاص به؟ الظاهر هو الثاني كما لايخفى . اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الكلام في خصوص صورة الإمكان .
نعم في صورة المشقّة والعسر والحرج يجوز له الأخذ من العدس ، ولا يتعيّن في أخذ الحنطة ، كما ذكرنا نظيره بالنسبة إلى الترافع عند الحاكم والتقاص من دون الترافع ، من أنّه مع العسر والحرج يتخيّر بين الأمرين: الترافع والتقاص ، وسيأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى أنّه لو أمكن أخذ ماله يعني عينه الشخصية
(الصفحة 356)مسألة 4: لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاص ، ولو أمكن ذلك مع محذور كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك ففي جواز المقاصّة إشكال ، هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولو أضرّ ذلك بالغاصب ، وأمّا مع عدم جوازه كما لو كان المطلوب منه غير غاصب وأنكر المال بعذر ، فالظاهر جواز التقاص من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر1.
بمشقّة فالظاهر جواز التقاص .
وممّا ذكرنا ظهر وجه الأقوائية في صورة استلزام البيع ، فإنّ الحكم بصحة البيع في هذه الصورة ـ مع عدم انحصار التوصل إلى الحقّ به ـ في غاية الضعف ، خصوصاً مع أنّه «لا بيع إلاّ في ملك» ، ومع أنّ خصوصيات الأجناس ربما تكون مقصورة لمالكها ، كما لايخفى .
1 ـ أمّا جواز التقاص فيما لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فلما عرفت(1) في بعض المسائل السابقة من جواز المقاصّة في صورة العسر والحرج ، وإن كان يمكن له الترافع إلى غير حكّام الجور مع عدم سهولة ، خصوصاً مع أنّ تعلّق الغرض بخصوصيات العين غير قليل . وأمّا في صورة إمكان الأخذ مع محذور فالظاهر أنّ المراد من المحذور الشرعي هي الحرمة التكليفية أو الوضعية كالضمان ، مع أنّه ليس هناك محذور بالإضافة إلى الغاصب لأخذ العين المغصوبة منه .
وعليه فكما أنّه يجوز الدخول في داره أو كسر قفله لأخذ عينه ، كذلك تجوز المقاصّة كماعرفت سابقاً(2)، لا لماورد في الكتب الفقهية من أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ
(الصفحة 357)
الأحوال; لأنّه لا مستند له على ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) ، بل لأنّ جحد الغاصب يكون نوعاً مع عدم النسيان ورؤية نفسه غير محقّة ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ الجمع بين جعل الموضوع الإمكان مع محذور ، وبين تقسيم المحذور إلى صورة الجواز وعدمه ممّا لا يستقيم ، فإنّه إن كان المراد بالمحذور الشرعي فلا معنى لفرض جوازه ، وإن كان المحذور العرفي الذي هو عبارة أخرى عن المشقة والعسر ، فلا يلائم مع المقابلة مع الفرض الأوّل ، كما لايخفى .
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ المراد بالمحذور ما كان بعنوانه الأوّلي كذلك ، وبالجواز ما كان جائزاً بعنوانه الثانوي ، كما إذا توقّف حفظ نفس محترمة على دخول دار الغير بغير إذنه ، حيث إنّ دخول دار الغير بغير إذنه حرام بعنوانه الأوّلي ، وواجب بعنوان المقدّمة المنحصرة لحفظ النفس ، وهكذا المقام ، فإنّ مثل دخول دار الغير بغير إذنه حرام بالعنوان الأوّلي وجائز بعنوان توقّف التوصل إلى الحقّ عليه .
ويرد على هذا القول: إنّه خلاف ظاهر العبارة ، خصوصاً مع أنّ مبناه جواز اجتماع الأمر والنهي ، وكفاية تعدّد العنوانين في صحّة اجتماع الحكمين ، كما قرّره في الأصول .
وأمّا لو كان المطلوب منه غير غاصب وأنكر المال لعذر ، فقد عرفت في المسألة الاُولى أنّ الأشبه عدم جواز المقاصّة فيما إذا كان معتقداً بأحقّية نفسه ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، وعلّلناه بأنّ المقاصة حيث تكون على خلاف القاعدة يقتصر فيها على القدر المتيقّن ، خصوصاً مع ملاحظة مورد كثير من الروايات السابقة(2) ،
- (1) المكاسب: 7 / 331 .
- (2) في ص348 ـ 349 .
(الصفحة 358)مسألة 5: لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلا ، جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم1.
حيث إنّه صورة الجحد والإنكار من غير من يعتقد أحقّية نفسه ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، وعليه فالحكم بالجواز واستظهاره في هذه المسألة يغاير ما تقدّم منه في المسألة الاُولى من أنّ الأشبه عدم الجواز ، وإن كان استظهاره معلّقاً على القول بالجواز في هذه الصورة، فتدبّر .
1 ـ أمّا عدم الفرق في جواز المقاصّة بين العين والدين ، فلدلالة الروايات المتقدّمة(1) الدالّة على مشروعية المقاصّة، كصحاح أبي بكر الحضرمي وأبي العباس البقباق وغيرهما على ذلك ، وعليه فلا يكون فرق بينهما من هذه الجهة .
وأمّاجوازالمقاصّة في صورة إمكان الأخذ ولوبالرجوع إلى الحاكم، فقد عرفت(2)أنّ الإمكان إن كان بسهولة كوجود الحاكم العادل والقاضي غير الجور وسهولة إقامة البيّنة الشاهدة عنده فالظاهر عدم جواز المقاصّة ، وإن كان مقروناً بالعسر والمشقة فقد عرفت(3) ثبوت التخيير في هذه الصورة بين الأمرين: المقاصة والترافع.
قال المحقّق في الشرائع: ولو كان المدين جاحداً وللغريم بيّنة تثبت عند الحاكم والوصول إليه ممكن ، ففي جواز الأخذ تردّد أشبهه الجواز ، وهو الّذي ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط(4) ، وعليه دلّ عموم الإذن في الاقتصاص(5) . انتهى .
- (1) في ص348 ـ 349 .
- (2) في ص351 ـ 352.
- (3) في ص355.
- (4) الخلاف: 6 / 355 ، المبسوط: 8 / 311 .
- (5) شرائع الإسلام: 4 / 895 .
(الصفحة 359)مسألة 6: لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط ولا تفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن1.
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد قوله: «أشبهه»: وفاقاً للأكثر كما في كشف اللثام(1)وغيره(2) .
وذكر في ذيل كلامه أنّه لم نر للقائل بالمنع من شيء يعتدّ به(3) .
أقول: المتفاهم عند العرف من أخبار المقاصة(4) مع إطلاقها ظاهراً عدم الجواز مع إمكان أخذ الحقّ بسهولة من طريق الترافع والقضاء; لأنّ لازم الجواز انحصار موارد القضاء بصورة عدم الإمكان أو تعسّره ، وهو بعيد كما لايخفى .
1 ـ لو فرض توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد ، كما لو كان عنده فرش زائد قيمته على الدين أو قيمة العين ، فالظاهر جواز التصرّف في الأزيد ، لكن لابدّ أن يردّ الزائد إلى المقتص منه; لأنّه يعتبر في جواز المقاصة التساوي في القيمة ، وقد عرفت التصريح بذلك في جملة من الروايات المتقدّمة(5) ، وفي الدعاء الوارد في بعضها، حيث يصرّح بأنّي لم أزدد عليه شيئاً(6) ، ولا يترتّب على تلف الزائد مع عدم التعدّي والتفريط ضمان; لأنّه أمانة شرعية ، والترخيص إنّما وقع من الشارع .
- (1) كشف اللثام: 2 / 343 .
- (2) مسالك الافهام: 14 / 70 ـ 71 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 388 ـ 390 .
- (4) وسائل الشيعة: 17 / 272 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 .
- (5) وسائل الشيعة : 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح9 و ص272 ح1 وص276 ح13 .
- (6) وسائل الشيعة : 17 / 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح4 .