(الصفحة 270)يده غصباً ، واعترف بأنّه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه1.
1 ـ قد مرّ(1) أنّه لو وقع التنازع والتخاصم بين المستولي على الدار الذي يدّعي كونه مستأجراً للدار ، وبين المؤجر المالك للعين المنكر للاستيجار يكون القول قول المستأجر ، لاستيلائه على المنفعة ، وهي أمارة على ملكيته لها ، وإن كان الطرف مالك العين ، ومنها يكون المفروض تنازع من يراه مالكاً مع شخص ثالث في أصل ملكية العين مع ثبوت الاستيجار منه والاستيلاء للمستأجر. فهنا أشخاص ثلاثة: أحدها المستولي على الدار المستأجر من قبل أحدهما . ثانيها من يراه المستولي مالكاً للعين ويدّعي الاستيجار منه . والثالث الأجنبي الذي لا يكون بمستول ولا من استأجرها المستولي منه ، ففي هذه الصورة ومثلها تكون يد المستأجر يد الأجير ، وحاكية عن ملكيته للعين في قبال الثالث الأجنبي; لأنّ يد المستأجر يد الموجر .
ويمكن أن يكون المراد صورة عدم التنازع أصلا ، وكان المراد أنّ يد الوكيل المحرز يد الموكِّل ، وكذا الأمين والمستأجر المحرزين ، وإن كان تفريع صورة التنازع على ما إذا كانت اليد غصبية وكان الغاصب معترفاً بالغصبية من شخص خاصّ ، يؤيّد أنّ المراد من فرض المسألة ما يشمل صورة التنازع أيضا كما لا يخفى ، كما أنّ قوله في الذيل: «نعم الظاهر فيما لم يعترف بالغصبية» قرينة على العدم .
هذا ، ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ يد المستأجر إنّما تكون حجّة بالإضافة إلى نفسه ; لفرض استيلائه على العين المستأجرة ، فهي أمارة على ملكيّته وكاشفة عنها ، وأمّا مع الاعتراف بأنّه استأجرها من زيد مثلا ، فغاية الدليل على اعتبار
(الصفحة 271)
إقراره هي قاعدة: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» وقد عرفت غير مرّة أنّ هذه القاعدة إنّما تفيد في خصوص الجهة السلبية ، وهي عدم كون المال للمقرّ ، وأمّا بالإضافة إلى الجهة الإيجابيّة ، وهو كون زيد مثلا مالكاً فلا تجدي القاعدة .
هذا بالإضافة إلى غير الغاصب ، وأمّا بالنسبة إلى الغاصب ، فإذا اعترف بأنّ العين المغصوبة إنّما كانت مغصوبة من زيد وهو المالك ، فإذا ادّعى عمرو مثلا ملكيّته لها ، وأكذب الغاصب في اعترافه بكونها مغصوبةً من الأوّل ، فهل يصير هذا الاعتراف بمنزلة كونها في يد المغصوب منه الذي اعترف به ، أو أنّ المورد من الموارد التي لا تكون يد لأحد من المتداعيين عليه ، فقد استشكل الماتن (قدس سره)وتأمّل في المسألة ، وإن نفى بعده خلوّ الأوّل عن القوّة .
أقول: مقتضى ما وقع التسالم عليه من أنّ إقرار ذي اليد يقبل بالإضافة إلى أحد المتداعيين قبول إقرار الغاصب ، ومجرّد كونه غاصباً لا يقتضي نفي استيلائه ، لما عرفت من أنّ الاعتبار المفقود في الغاصب هو اعتبار الملكية لا اعتبار الاستيلاء وكونه ذا اليد ، وإن وقع الإشكال في وجه هذا التسالم ، وأنّ العلّة فيه هل هي قاعدة الإقرار أو قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، أو ما أفاده المحقّق العراقي ـ قدّس سرّه الشريف ـ فيما حكي عنه من أنّ اليد أمارة على الملكية بالإضافة إلى ذي اليد بالدلالة المطابقية ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزامية(1) ؟ وهاتان الأمارتان تسقطان عن الحجّية بسبب الإقرار للغير ، وأمّا بالإضافة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي ملكيته عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له .
- (1) حكاه عن المحقّق العراقي (قدس سره) السيّد البجنوردي في القواعد الفقهيّة: 1 / 137 .
(الصفحة 272)مسألة 3: لو كان شيء تحت يد اثنين فيد كلّ منهما على نصفه ، فهو محكوم بمملوكيّته لهما . وقيل: يمكن أن تكون يد كلّ منهما على تمامه ، بل يمكن أن يكون شيء واحد لمالكين على نحو الاستقلال ، وهو ضعيف1.
ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك ، وقد ناقشنا في «القواعد الفقهية» في جميع الوجوه الثلاثة(1) ، إلاّ أن يكون هناك إجماع على الأمر الذي وقع التسالم عليه ، ومعلوم أنّ الإجماع لو كان فإنّما هو في غير الغاصب الذي يعترف بغصبيّته; لأنّ القدر المتيقّن من الإجماع غيره ، والإجماع من الأدلّة اللبيّة التي لا إطلاق لها ، وكذا لو فرض كون الوجه في التسالم المزبور هو بناء العقلاء على الأخذ بإقرار ذي اليد إذا أقرّ أنّ ما في يده لشخص خاصّ ، فإنّ هذا البناء على فرض ثبوته وجريانه في الشريعة لا إطلاق له يشمل إقرار الغاصب ، كما لايخفى ، وإن استحسنه المحقّق البجنوردي (قدس سره)(2) .
فانقدح من جميع ما ذكرنا الخلل فيما أفاده في المتن ، فتدبّر جيّداً ، وأنّ الظاهر كون المورد من الموارد التي لا يكون لأحد المتداعيين يد عليه ، وسيجيء حكمه في المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى .
1 ـ لو اشترك أزيد من واحد في الاستيلاء على عين ، فهل يكون استيلاء كلّ واحد على المجموع ، أو على النصف المشاع أو الموارد مختلفة بنظر العرف؟ وعلى التقديرين الأوّلين ، فهل تكون يد كلّ منهما مستقلّة تامّة أو لا تكون إلاّ ناقصة؟ وجوه واحتمالات بحسب بادئ النظر وفي التصوّر الابتدائي.
- (1) القواعد الفقهيّة: 1 / 399 ـ 400 .
- (2) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 138 ـ 139 .
(الصفحة 273)
ذكر السيّد في ملحقات العروة ما هذا لفظه: إنّه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلّتين على مال واحد ، بل الأقوى جواز اجتماع المالكين المستقلّين لمال واحد ، كما إذا كان ملكاً للنوع كالزكاة والخمس والوقف على العلماء والفقراء على نحو بيان المصرف ، فإنّ كلّ فرد من النوع مالك لذلك المال ، بل لا مانع من اجتماع المالكين الشخصين أيضاً ، كما إذا وقف على زيد وعمرو ، أو أوصى لهما على نحو بيان المصرف ، فإنّه يجوز صرفه على كلّ واحد منهما .
فدعوى عدم معقولية اجتماع المالكين على مال واحد لا وجه له ، مع أنّه لا إشكال عندهم في جواز كون حقّ واحد لكلّ من الشخصين مستقلاًّ ، كخيار الفسخ وكولاية الأب والجدّ على مال الصغير . ومن المعلوم عدم الفرق بين الحقّ والملك ، فكما أنّ لكلّ من الأب والجدّ حقّ التصرّف في مال المولّى عليه ، وأيّهما سبق لا يبقى مجال لتصرّف الآخر ، وكذا لكلّ من الشخصين حقّ الفسخ ، وأيّهما سبق بالفسخ لا يبقى محلّ لفسخ الآخر ، فكذا في المالكين الكذائيين .
ودعوى أنّ مقتضى الملكية المستقلّة أن يكون للمالك منع الغير ، وإذا لم يكن له منع الغير فلا يكون مستقلاًّ ، مدفوعة فإنّ هذا أيضاً نحو من الملكية المستقلّة ، ونظيره الوجوب الكفائي والتخييري في كونهما نحواً من الوجوب مع كونه جائز الترك(1) . انتهى .
أقول: أمّا كون الاستيلاء على عين استيلاءً على المجموع أو على النصف المشاع ، فمع التوجّه إلى اعتبار الاستيلاء ـ الذي عرفت أنّه ليس المراد به الأمر الخارجي والسيطرة التكوينية ، بل هو أمر اعتباري موجود حتى بالإضافة إلى الغاصب
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 123 مسألة 4 .
(الصفحة 274)
بالإضافة إلى اثنين ـ تكون اليد الثابتة لكلّ واحد منهما مثلا يداً على النصف المشاع ، وإن كان بلحاظ السيطرة الخارجيّة ربما تكون يداً على المجموع ، كما إذا وقع تقسيم البيت بلحاظ الأزمنة فقط ، ففي كلّ زمان لا يكون المستولي إلاّ واحداً ، والاستيلاء إنّما هو بالإضافة إلى المجموع ، ولكن مع الالتفات إلى ما ذكر لا يكون الاستيلاء الاعتباري إلاّ بالإضافة إلى النصف المشاع، ولو في مثل المثال المزبور .
وأمّا ما أفاده السيّد (قدس سره) من جواز اجتماع المالكين المستقلّين لمال واحد ، فإن اُريد بالجواز هو الإمكان العقلي فالبحث لا يكون فيه ، ضرورة أنّ التضادّ وأشباهه إنّما يلاحظ بالإضافة إلى الاُمور التكوينية ، كالسواد والبياض; ولذا ذكرنا في الاُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي أنّ عمدة مقدّمات امتناع الاجتماع هو تضادّ الأحكام الخمسة التكليفيّة ، كما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفاية(1) ، مع أنّ التضاد بين الأحكام ممنوع ; لعدم كون الأحكام الخمسة من الاُمور التكوينية الخارجية ، ولذا يمكن في الموالي العرفية أن يقع شيء مورداً لأمر بعض الموالي ومورداً لنهي الآخر ، ولا يتصوّر ذلك في مثل السواد والبياض ، وإن اُريد الإمكان العرفي والعقلائي فالظاهر أنّه ممنوع .
توضيحه: أنّ الملكية المستقلّة عند العقلاء عبارة عن النسبة الخاصّة الحاصلة بين المالك والمملوك ، وهذا الاعتبار مستتبع للاختصاص الذي هو لازم أعم للملكية ، ضرورة أنّه قد يوجد بدونها ، ولكنّه لا يمكن تحقّقها بدونه . ومن الواضح أنّ الاختصاص مغاير للاشتراك تغاير الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، وحينئذ نقول: إنّ فرض جواز اجتماع المالكين المستقلّين على مال واحد مرجعه إلى فرض وجود
- (1) كفاية الاُصول: 193 مقدّمة 1 .