(الصفحة 320)
بينها(1) ، وعن الديلمي اعتبار المرجّح مطلقاً غير مبيّن له أصلا(2) ، (3) .
ثمّ ذكر صاحب الجواهر: ولم أعرف نقل هذه الأقوال على الوجه المزبور فيما نحن فيه لغيره ، ثمّ حكى ما عثر عليه في المقنعة ، وما عثر عليه في النهاية ، وما ذكره ابن حمزة ، ثمّ قال: وعلى كلّ حال لا أعرف دليلا يعتدّ به على شيء منها على وجه يصلح لمعارضة ما عرفت(4) .
أقول: التحقيق في المسألة ما ذكرنا من تطابق القاعدة والنصّ والشهرة على التنصيف ، وأنّه لا دليل يعتدّ به على الإحلاف .
الصورة الثالثة: ما إذا لم تكن العين المتنازع فيها في يد أحد أصلا ، أو كانت في يد ثالث ، والمراد ما إذا لم يدّع الثالث لنفسه ولم يقرّ لأحدهما بالخصوص ، وفي هذا الفرض قال المحقّق في الشرائع: ولو كانت في يد ثالث قضي بأرجح البيّنتين عدالةً ، فإن تساويا قضي لأكثرهما شهوداً ، ومع التساوي عدداً وعدالةً يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه اُحلف وقضي له ، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له ، وإن نكلا قضي به بينهما بالسويّة(5) . وفي محكي الرياض نسبته إلى الأشهر بل عامّة متأخّري أصحابنا(6) ، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الشهرة(7) بل عن محكيّ الغنية
- (1) الوسيلة: 218 .
- (2) المراسم: 234 .
- (3) رياض المسائل: 9 / 413 .
- (4) جواهر الكلام: 40 / 414 ـ 415 .
- (5) شرائع الإسلام: 4 / 898 .
- (6) رياض المسائل: 9 / 417 ، إرشاد الأذهان: 2 / 150 ، اللمعة: 52 ، المقتصر: 383 ـ 384 .
- (7) مسالك الأفهام: 87 ، كفاية الأحكام: 276 ، مستند الشيعة: 2 / 591 ، رياض المسائل: 9 / 420 ، وقد نسب هذا القول صاحب الرياض وغيره إلى جماعة كثيرة من المتقدّمين .
(الصفحة 321)
الإجماع عليه(1) ، لكنّ صاحب الجواهر (قدس سره) بعد نقل أقوال متعدّدة متكثّرة قال: وعلى كلّ حال فلا ريب في عدم الوثوق بالإجماع المزبور بعدما عرفت(2) .
وكيف كان فالكلام يقع في مقامين:
المقام الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة ، فنقول:
مقتضى القاعدة في هذه الصورة تساقط البيّنتين من دون فرق بين فرض تساويهما عدداً وعدالةً ، أو اختلافهما في هذه الجهة ; لما عرفت من أنّ البيّنة تكون حجّة من باب الأمارية والطريقية ، وأنّ تعارض البيّنتين موجب لسقوطهما مطلقا من دون فرق بين فرض وجود المرجّح وعدمه بعد عمومية دليل حجّية البيّنة ، وعدم قيام دليل خاصّ على اختصاص إحدى البيّنتين بالحجّية ، كما في صورة وجود اليد لخصوص أحدهما على ما عرفت من أنّ مقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»(3) تقدّم بيّنة المدّعي على غيرها .
ومع حصول التساقط بسبب التعارض مطلقا تصل النوبة إلى أدلّة القرعة الدالّة على أنّها لكلّ أمر مشكل أو مشتبه(4) ، بعد ثبوت الإشكال والاشتباه هنا بلحاظ عدم الدليل على تقدّم إحداهما على الاُخرى ، بخلاف الصورتين الأوليين ، حيث إنّه قام الدليل فيهما على تقدم بيّنة المدّعي كما عرفت ، واللاّزم بعد إصابة القرعة إلى واحد منهما جعله صاحب المال من دون افتقار إلى يمين ، كما هو الحال في سائر موارد القرعة ، كما لا يخفى .
- (1) غنية النزوع: 443 ـ 444 .
- (2) جواهر الكلام: 40 / 425 .
- (3) وسائل الشيعة: 27 / 233 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة: 27 / 257 ، أبواب كيفيّة الحكم ب13 .
(الصفحة 322)
المقام الثاني : في الرّوايات(1) التي يمكن أن يستفاد منها حكم هذه الصورة ، وهي مختلفة ، فمن بعضها يستفاد الترجيح بالأكثريّة عدداً مثل صحيحة أبي بصير المتقدّمة الدالّة على قول الصادق (عليه السلام): «أكثرهم بيّنة يستحلف وتدفع إليه» . والحاكية لعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنّه «قضى بها لأكثرهم بيّنة واستحلفهم» .
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)المشتملة على قوله: «كان عليّ (عليه السلام)إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم» الخ .
فإنّ تعليق الإقراع على التساوي في العدالة والعدد في كلام الإمام (عليه السلام) يشعر بأرجحيّة العدد والعدالة ، بخلاف ما إذا كان التساوي مفروضاً في غير كلام الإمام (عليه السلام) ، لكنّه لا يتجاوز عن حدّ الإشعار ولا يبلغ مرتبة الدلالة ، كما لا يخفى ، خصوصاً مع التعبير به كان الدالّ على الاستمرار .
ومرسلة داود بن يزيد العطار المتقدّمة أيضاً ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «فاعتدل الشهود وعدلوا» بناءً على أن يكون المراد بالاعتدال هو التساوي في العدد ، وعلى أن يكون المراد بقوله: «عدلوا» هو التساوي في مرتبة العدالة .
ورواية سماعة المتقدّمة أيضاً المشتملة على توصيف البيّنة بأنّها سواء في العدد والكميّة . ومن بعضها الترجيح بالأعدلية كبعض الروايات المتقدّمة ، لكنه لا يكون فيها ما فيه الدلالة على ذلك ، بل غايته الإشعار كما عرفت .
- (1) تقدّمت في ص306 ـ 310 .
(الصفحة 323)
وهنا مشكلات اُخرى ، وهي أنّه ما الدليل على تقدّم الترجيح بالأعدلية على الأكثريّة، مع أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على الترجيح بالأكثرية الشمول لما إذا كانت هناك أعدلية؟ وما الوجه في أنّه بعد التساوي يجب الرجوع إلى القرعة ، مع أنّ رواية إسحاق بن عمار المتقدّمة دالّة على لزوم الإحلاف فيما إذا لم يكن المال في يد أحدهما ، وأنّه مع حلفهما يجعل المال نصفين(1) ، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة الرجوع إلى القرعة مطلقا؟ وما الوجه في أنّه بعد إصابة القرعة وعدم الحلف في اعتبار حلف الآخر ، مع أنّه لم يصب إليه القرعة إلاّ أن يستند إلى الأولوية؟ وهكذا إشكالات اُخرى مثل أنّ القرعة هل هي لاستخراج صاحب الحقّ كما يدلّ عليه بعض النصوص المشتمل على دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو لاستخراج من يصير عليه اليمين كما في خبر عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّم؟
والإنصاف أنّ المسألة خصوصاً بهذا الشق في غاية الإشكال والصعوبة; لاضطراب الأقوال واختلاف الروايات ، مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّه لا ريب في أنّ الترجيح للأعدلية; لإجماع ابن زهرة ـ يعني في الغنية(2) ـ المعتضد بالشهرة المحقّقة بين الأصحاب ، ووجود ذلك في رسالة عليّ بن بابويه(3) ، التي قيل فيها: كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها ، وفي النهاية(4) التي هي متون الأخبار وغير ذلك(5) .
- (1) تقدّمت في ص307.
- (2) غنية النزوع: 443 ـ 444 .
- (3) مختلف الشيعة: 8 / 386 عنه .
- (4) النهاية: 343 .
- (5) جواهر الكلام: 40 / 428 .
(الصفحة 324)
أقول: وكان سيدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) يقول في شأن النهاية والكتب الفقهية المؤلَّفة قبل مبسوط الشيخ (قدس سره): إنّه كان البناء على ذكر متون الروايات بعين الألفاظ الصادرة عنهم(عليهم السلام) ، وصار ذلك سبباً للطعن على فقهاء الشيعة وفقههم بعدم اطّلاعهم على التفريع وإخراج الفروع من الاُصول الصادرة; ولذا أقدم الشيخ على تأليف المبسوط وبيان الفروع وأحكامها ، كما أفاده في مقدّمة المبسوط .
وكيف كان ، فالمسألة بهذا النحو المذكور في الشرائع ممّا لا يمكن إقامة الدليل عليها ممّا بأيدينا من النصوص والروايات ، ولا يمكن الاحتياط فيها ، فاللاّزم ردّ علمها إلى أهلها كما لا يخفى . وهناك بحوث اُخر فيما يرتبط بالتأمّل والدقّة في الروايات لعلّها تظهر للمتأمّل ، فتأمّل .