(الصفحة 374)جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا لا يمكن أخذها منه، وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين؟ وجهان ، وعلى الجواز لو رجع عن الجحود أو المماطلة فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقى ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ الأقوى هو الأوّل، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في جواز مقاصة الفقراء من مال مَن عليه الزكاة أو في ماله ، والسّادة من مال مَن عليه الخمس أو في ماله أي سهم السادة أو مستحقّي سهم الإمام (عليه السلام)من مال من عليه السهم أو في ماله ، فإنّ المقتص منه لو كان جاحداً أو مماطلا يجوز ذلك لهم بإذن الحاكم الشرعي ، كما أنّه مع عدم الجحود أو المماطلة كان جواز الأخذ متوقّفاً على إذن الحاكم خصوصاً في سهم الإمام (عليه السلام) . وكذا للحاكم نفسه المقاصّة من المذكورين الجاحدين أو المماطلين .
والسرّ في ذلك أنّ جواز أخذ المذكورات للمذكورين يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي على الأقوى أو على الاحتياط الوجوبي ، كما ذكرنا الأخير في التعليقة على العروة الوثقى(1) بالإضافة إلى سهم السّادة ، وإن كان ظاهر الآية الشريفة(2)بالإضافة إلى الزكاة والخمس ثبوتهما بنحو الشركة ، كما هو أحد الأقوال والاحتمالات فيهما; للتعبير باللاّم الظاهرة في الملكيّة التي لا تكاد تنطبق فيهما إلاّ
- (1) الحواشي على العروة الوثقى: 195 .
- (2) سورة الأنفال 8: 41، سورة التوبة 9: 60 و 103.
(الصفحة 375)
على الكسر المشاع ، إلاّ أنّه حيث تكون العناوين المأخوذة في آيتي الزكاة والخمس ثابتة بنحو المصرف ، بحيث يكفي الصرف في أحدها ولا يلزم الصرف في الجميع .
ومن ناحية اُخرى بما أنّه يكون تعداد مصاديقها كثيراً وغير قابل للإحصاء ظاهراً لابدّ وأن يكون الحاكم أو إذنه معتبراً ولو احتياطاً .
وممّا ذكرنا ظهر الجواز لنفس الحاكم مع رعاية شرائط المقاصّة التي تكون عمدتها الجحود أو المماطلة ، كما لايخفى .
المقام الثاني: في جواز المقاصة بالإضافة إلى العين الموقوفة على الجهات العامة والعناوين الكلّية كالفقراء والعلماء مثلا ، فإن لم يكن له متولٍّ خاصّ وكان أمره إلى الحاكم ، فإن أمكن له أخذ العين وردّها إلى ما قبل وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين فاللاّزم ذلك ، وإن لم يمكن مع فرض جحود الغاصب أو مماطلته ، فإن أمكن له التقاص من منافع العين الموقوفة وصرفه في تلك العناوين فاللاّزم ذلك .
وهل تجوز المقاصّة بمقدار العين إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا؟ قد احتمل فيه وجهين ناشئين من أنّ الحاكم هنا بمنزلة المقتصّ صاحب العين أو الدين في سائر الموارد ، فلِمَ لا تجوز المقاصة من الحاكم؟ ومن أنّ جعل الحاكم المأخوذ وقفاً على تلك العناوين مع عدم كونه مالكاً أو شبهه على خلاف القاعدة جدّاً ، خصوصاً في مثل المقام ممّا لم يكن المال المأخوذ ملكاً لواحد منهم ، بل الغرض وصول منافعه إليهم . وقد فرض جواز التقاص من منافع العين الموقوفة بخلاف التقاص في سائر الموارد ، حيث يكون جواز التصرّف للمقتصّ مطلقا متوقّفاً على الملكيّة ، ولذا التزم صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه المتقدّم
(الصفحة 376)مسألة 17: لا تتحقق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم ، نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما في يد
بالمعاوضة القهرية(1) وإن ناقشنا فيه، فراجع لا يبعد اختيار الاحتمال الثاني لما ذكرنا .
ثمّ إنّ قوله: «وجعل المأخوذ وقفاً» إنّما يكون عطفاً على قوله: «المقاصّة» لا أنّه عطف على المنفيّ ، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا يحتاج إلى الوقف ثانياً ـ قوله: «وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه» الظاهر في أنّه وقف ثانوي صادر من الحاكم ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير الجواز لو رجع المقتصّ منه عن الجحود أو المماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ فيه وجهان ، جعل في المتن الأقوى الأول ، والوجه فيه أنّ العين الموقوفة المغصوبة لا تخرج عن الوقفية ولو بالغصب ، والجحود أو المماطلة لا دخل لهما في الخروج عن ذلك سيّما المماطلة ، كما أنّه لا دخل لهما في زوال ملكية المالك ، وإلاّ لا يبقى مجال للمقاصة أصلا ، كما لايخفى ، ولا مجال لدعوى بقاء العين على الوقفية وصيرورتها مع ذلك ملكاً للغاصب .
ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) استظهر بعد ذلك أنّ الوقف الصادر من الحاكم من منقطع الآخر الصحيح في مقابل منقطع الأوّل أو الوسط الباطلين، فيصح إلى زمان الرجوع أي الرجوع عن الجحود ، والوجه فيه واضح لا يخفى .
(الصفحة 377)الغير منه بعنوان التقاص من الغريم1.
مسألة 18: الظاهر أنّ التقاص لا يتوقف على إذن الحاكم ، وكذا لو توقف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم2.
1 ـ قد عرفت أنّ المقاصّة متقوّمة بالأخذ والقصد(1) ، فلا تتحقّق بمجرّد النّية ، لأنّها عبارة عن مثل فعله كالقصاص الذي هو عبارة عن قتل القاتل عمداً ، فلو كان مال الغريم في يد نفسه أو في يد غيره الأجنبي ، فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما في يد الغير منه أو من غيره بهذا العنوان ، فاللاّزم الأخذ وقصد المقاصّة ، ولا يكفي مجرّد الأخذ أيضاً; لأنّه ربّما لا يكون الغارم بصدد التقاص; لأنّه ليس من شأنه ذلك; لأجل كونه خيانة ظاهراً وإن لا يكون كذلك واقعاً أو لغير هذه الجهة .
نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً ، بل كما ذكرنا سابقاً يقع التهاتر القهر ى احتمالا من دون الاحتساب الذي لا يقع إلاّ بالنيّة .
2 ـ وجه الظهور إطلاق أدلّة المشروعيّة الدالّة على أنّ الشارع أذن في ذلك مطلقاً من غير اعتبار المراجعة إلى الحاكم والاستئذان منه . نعم قد عرفت(2) أنّه مع سهولة المرافعة إلى الحاكم وإقامة البيّنة على حقّه لا تجوز المقاصّة ، بل يتعيّن الترافع حينئذ وأخذ الحقّ من طريق القضاء .
وإن شئت قلت: في صورة جواز المقاصة قد أذن الشارع في ذلك ، ولا حاجة إلى
- (1) في ص370 ـ 373.
- (2) في ص351 .
(الصفحة 378)مسألة 19: لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع ، ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف1.
إذن الحاكم خصوصاً مع أنّ التقاص كما عرفت مراراً يكون على خلاف القاعدة المقتضية لعدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وخصوصاً مع أنّه بعد الرجوع إلى الحاكم والاستئذان منه إمّا أن يكون ملتزماً بالإذن بالإضافة إلى الجميع ، فيلزم لغوية لزوم الاستئذان ، وأمّا أن لا يكون ، فيلزم التبعيض من غير وجه مضافاً إلى أنّ الجهة الموجبة لعدم الاذن كاثارة الفتنة ونحوها لا ربط لها بالتقاصّ كما مرّ .
هذا فيما إذا لم يتوقّف على البيع أو الإفراز ، وأمّا لو توقّف على شيء من ذلك فالظاهر أيضاً عدم التوقّف على الإذن; لعدم الدليل عليه خصوصاً مع أنّ البيع أو الافراز غير مصرّح بجوازه في شيء من الروايات المتقدّمة(1) ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّك عرفت(2) مراراً أنّ قاعدة نفي الضرر أجنبيّة عن مثل المقام ، فلا يجوز التمسّك بها كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة صورتان:
الاُولى: ما إذا تبيّن بعد المقاصّة خطأ المقتص النادم فيما يعتقده ويدّعيه من ثبوت
- (1) في ص347 ـ 349.
- (2) في ص354 .