(الصفحة 127)
قبله ممّا قد استحلفه عليه .
وفي رواية الصدوق زيادة : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من حلف لكم على حقّ فصدّقوه ، ومن سألكم بالله فاعطوه ، ذهبت اليمين بدعوى المدّعي ، ولا دعوى له(1) .
ويستفاد من هذه الرواية الصحيحة بالصراحة نفي قول من يدّعي سماع البيّنة بعد الحلف بنحو الاطلاق ، وكذا يستفاد منها بنحو الاطلاق أنّه لا فرق بين صورة عدم اشتراط المنكر سقوط الحقّ باليمين وبين صورة الاشتراط ، وكذا صورة الجهل بالبيّنة أو نسيانها أو العلم بها والتذكّر والالتفات ، ويؤيّده بعض الروايات الاُخر مثل :
رواية خضر النخعي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً ، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقّه(2) .
ورواية عبدالله بن وضاح قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة ، فخانني بألف درهم ، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنّه حلف يميناً فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة ، فأردت أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده ، وأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال ، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم
- (1) الكافي 7 : 417 ح1 ، التهذيب : 6 / 231 ح565 ، الفقيه : 3 / 37 ح126 ، الوسائل : 27/ 245 ، أبواب كيفيّة الحكم ب9 ح1 و2 .
- (2) الكافي : 7 / 418 ح2 ، التهذيب : 6 / 231 ح566 ، الفقيه : 3 / 113 ح481 ، الوسائل : 27 / 246 ، أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح1 .
(الصفحة 128)مسألة 4 : لو تبيّن للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذباً يجوز بل يجب عليه نقض حكمه ، فحينئذ يجوز للمدّعي المطالبة والمقاصّة ، وسائر ما هو آثار كونه محقّاً ، ولو أقرّ المدّعى عليه بأنّ المال للمدّعي ، جاز له التصرّف والمقاصّة ونحوهما ، سواء تاب وأقرّ أم لا1.
التي حلف عليها فعلت . فكتب : لا تأخذ منه شيئاً ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا أنّك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنّك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئاً ، وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (عليه السلام)(1) .
هذا ، والروايات واردة في الدين ، وإن كان العرف يحكم بإلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى العين ، وإن كان الحكم بذلك في غيرهما محلّ إشكال . ثم إنّ الرواية الأخيرة محلّ إشكال من حيث الدلالة من جهة اُخرى ، وهي ظهورها في كون الحلف عند الوالي لا الحاكم .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
الأمر الأوّل : إذا تبيّن للحاكم بعد حكمه بنفع المدّعى عليه لأجل حلفه كونه كذباً مخالفاً للواقع ، يجوز بل يجب نقض حكمه لثبوت بطلان مستند الحكم . والظاهر أنّ المراد من التبيّن هو حصول العلم له ، أو ما يلحقه من الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم عند العرف والعقلاء .
وأمّا مثل شهادة البيّنة ، فلا يوجب حصول التبيّن بعد عدم قدحها في الحكم بنفع المدّعى عليه بعد حلفه وقبل حكم الحاكم ، وبعد النقض يصير الحكم كالعدم ،
- (1) الكافي : 7 / 430 ح14 ، التهذيب : 6 / 289 ح802 ، الوسائل : 27 / 246 ، أبواب كيفيّة الحكم ب10 ح2 .
(الصفحة 129)مسألة 5 : هل الحلف بمجرّده موجب لسقوط حقّ المدّعي مطلقاً ، أو بعد إذن الحاكم ، أو إذا تعقّبه حكم الحاكم ، أو حكمه موجب له إذا استند إلى الحلف؟الظاهر أنّ الحلف بنفسه لا يوجبه ، ولو كان بإذن الحاكم ، بل بعد حكم الحاكم يسقط الحقّ ، بمعنى أنّ الحلف بشرط حصول الحكم موجب للسقوط
فيجوز للمدّعي ما يجوز قبل الحكم وطرح الدعوى من المطالبة والمقاصّة وسائر آثار ما هو كونه محقّاً ، كما لا يخفى .
الأمر الثاني: مالوأقرّالمدّعى عليه الذي حكم بنفعه لأجل حلفه بأنّ المال للمدّعي، وفي الحقيقة أكذب نفسه بالإقرار ، سواء كان الإقرار في حضور الحاكم بناءً على اختصاص الجواز بهذه الصورة كما ربّما يقال ، أو كان في غير حضوره بناءً على عدم الاختصاص ، وقد حققنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهيّة المشتملة على قاعدة الإقرار(1) ، فقد ذكر في المتن أنّه يجوز للمدّعي التصرّف والمقاصّة ونحوهما سواء تاب وأقرّ أم لا ، لكنّا ذكرنا في بحث جواب المدّعى عليه بالإقرار : إنّ قاعدة الإقرار لا دلالة لها على كون المقرّ له مالكاً ، بل الحيثية الثابتة بها إنّما هي حيثيّة سلبيّة راجعة إلى عدم كون المال للمقرّ، وإن كان ذلك مدلولا التزاميّاً لمقتضى إقراره.
وأمّا الحيثيّة الإيجابيّة الراجعة إلى ثبوت المال للمقرّ فلا دلالة لها على إثباتها ، وإن كان ذلك مدلولا مطابقيّاً لمقتضى إقراره; لعدم ثبوت الملكيّة للغير بمجرّد الإقرار من واحد ، خصوصاً إذا لم يكن المقرّ عادلا ، لفرض عدم كون إقراره ناشئاً عن توبته على فرض العدالة . وقد ذكرنا سابقاً أنّه يمكن أن يكون المالك شخصاً ثالثاً غير المدّعي والمدّعى عليه ، وقد وقع بينهما التباني على ذلك ، فتدبّر .
- (1) القواعد الفقهية : 1 / 81 .
(الصفحة 130)بنحو الشرط المقارن1.
1 ـ قد ذكر أنّ في الحلف الذي يكون مستنداً إلى استحلاف المدّعي ورضاه ، وتعقّبه حكم الحاكم مستنداً إليه وجوهاً واحتمالات أربعة :
أحدها : أن يكون الحلف بمجرّده موجباً لسقوط حقّ المدّعي عيناً أو ديناً مطلقاً ، ولو لم يكن هناك إذن الحاكم أصلا .
ثانيها : الاحتمال الأوّل ، لكن بشرط أن يكون الحلف بعد إذن الحاكم ، كما يكون عقيب استحلاف المدّعي ورضاه .
ثالثها : أن يكون الحلف موجباً للسقوط مشروطاً بما إذا تعقّبه حكم الحاكم ، نظير ما أفاده البعض في البيع الفضولي(1) : من أنّ الشرط لا يكون نفس الإجازة بل تعقّبها وتأخّرها ، فإذا تحقّقت الإجازة يؤثِّر البيع من حين وقوعه ، لا من حين تحقّق الإجازة .
رابعها : أن يكون المؤثِّر في السقوط هو حكم الحاكم المستند إلى الحلف ، فلو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الحلف لا يترتّب على الحلف أثر أصلا ، فالحلف وإن كان موجباً للسقوط ، لكنّه مشروط بالحكم بنحو الشرط المقارن ، الذي لا يحصل المشروط ولا يؤثّر قبل تحقّق الشرط أصلا ، كما لايخفى .
أقول : ظاهر الكلمات والفتاوى هو الوجه الأخير الذي استظهره الماتن (قدس سره) ، ولذا قال في الجواهر : ثمّ إنّه قد يتوهّم من ظاهر النصوص سقوط الدعوى بمجرّد حصول اليمين من المنكر ، من غير حاجة إلى إنشاء حكم من الحاكم بذلك ، لكنّ التحقيق خلافه ، ضرورة كون المراد من هذه النصوص وما شابهها تعليم ما
- (1) مصباح الفقاهة : 4 / 153 ـ 154 .
(الصفحة 131)مسألة 6 : للمنكر أن يردّ اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت دعواه وإلاّ سقطت ، والكلام في السقوط بمجرّد عدم الحلف والنكول أو بحكم الحاكم كالمسألة السابقة ، وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في مجلس آخر ، كانت له بيّنة أو لا . ولو ادّعى بعد الردّ عليه بأنّ لي بيّنة يسمع منه الحاكم ، وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقّه ، وليس للمدّعي بعد الردّ عليه أن يردّ على المنكر ، بل عليه إمّا الحلف أو النكول ، وللمنكر أن يرجع عن ردّه قبل أن يحلف المدّعي ، وكذا للمدّعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه1.
يحكم به الحاكم ، وإلاّ فلابدّ من القضاء والفصل بعد ذلك ، كما أومأ إليه بقوله (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) . بل لو أخذ بظاهر هذه النصوص وشبهها لم يحتجّ إلى إنشاء الحكومة من الحاكم مطلقاً ، ضرورة ظهورها في سقوط دعوى المدّعي وثبوت الحقّ بالبيّنة ونحوها(2) ، انتهى .
أقول : ويؤيّده أنّه بناءً على ما هو ظاهر الروايات تلزم لغويّة الحكم بمعنى إنشائه ، ويلزم أن يكون شأن القاضي هو استماع البيّنة مع شرائطها ، والإذن في الحلف وأمثالها ، وهو كما ترى بعيد عمّا هو المرتكز في أذهان المتشرّعة من القاضي والحاكم كما لايخفى ، فالإنصاف أنّ الظاهر هو الوجه الأخير كما هو المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله) : «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» ، فتدبّر .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في اُمور :
- (1) الكافي : 7 / 414 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح552 ، معاني الأخبار : 279 ، الوسائل : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 40 / 175 .