(الصفحة 133)
فليس عليه يمين ، فإن لم يقم البيّنة ، فردّ الذي ادّعي عليه اليمين ، فإن أبى أن يحلف ، فلا حقّ له(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ، الدالّة على أنّ للمدّعى عليه إذا لم يرد الحلف ردّ اليمين إلى المدّعي ، فلا شبهة في هذه الجهة أصلا .
الثاني : لا يجوز للمدّعي الذي ردّ المدّعى عليه اليمين عليه ردّها ثانياً إلى المنكر ، بل هو إمّا أن يحلف وإمّا أن لا يحلف ، ففي الأوّل تثبت دعواه ، وفي الثاني تسقط; لعدم دلالة شيء من الروايات عليه ، مع لزوم التسلسل في بعض الموارد ، كما لايخفى .
الثالث : يترتّب على سقوط دعوى المدّعي بمجرّد عدم الحلف والحكم عليه أنّه لا يجوز له طرح هذه الدعوى ولو في مجلس آخر ، أو عند حاكم آخر من دون فرق بين أن تكون له بيّنة عادلة أم لا; لارتفاع المخاصمة بعد حكم الحاكم بالإضافة إلى هذه الدعوى ، فلا يجوز له طرحها ثانياً .
الرابع : قد عرفت أنّ ظاهر الروايات وإن كان ترتّب الأثر على حلف المنكر ، أو عدم حلف المدّعي بعد الردّ عليه ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الأثر بعد إنشاء الحكم من الحاكم لا قبله .
الخامس : لو ادّعى المدّعي ـ بعد ردّ المنكر الحلف عليه ، وقبل حكم الحاكم ـ أنّ له بيّنة على مدّعاه ، يسمع منه الحاكم; لعدم صدور الحكم من قبله وعدم تحقّق الحلف من المنكر ، فالأمر يدور بين حلف المدّعي والحكم بنفعه ، وعدم حلفه وسقوط دعواه ، بل يمكن أن يقال : بتقديم بيّنته على حلفه خصوصاً مع ملاحظة
- (1) التهذيب : 6 / 231 ح563 ، الكافي : 7 / 417 ح2 ، الوسائل : 27 / 243 ، أبواب كيفيّة الحكم ب8 ح2 .
(الصفحة 134)مسألة 7 : لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ ، فهل يحكم عليه بمجرّد النكول ، أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبتت دعواه وإلاّ سقطت؟ قولان ، والأشبه الثاني1.
قوله (صلى الله عليه وآله) : «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» . وكذا لو استمهل في الحلف لا تسقط دعواه بمجرّد الاستمهال ، كما أنّه إذا استمهل المنكر في الحلف يجوز ، إذا لا يكون منافياً لحقّ المدّعي ، وفي صورة استمهال المدّعي لا يكون هذا القيد أيضاً موجوداً ، كما لايخفى .
السادس : لكلٍّ من المدّعى عليه والمدّعي أن يرجع عن استحلاف الآخر أو ردّ الحلف قبل تحقّق الحلف ، فللمدّعى عليه أن يرجع عن ردّه قبل حلف المدّعي ، وللمدّعي أن يرجع عن استحلاف المدّعى عليه قبل تحقّق الحلف . أمّا على تقدير كون ذلك حقّاً من الطرفين ، فلعدم الدليل على اللزوم بعد الإعمال وقبل تحقّق الحلف . وأمّا على تقدير عدم كونه حقّاً بل حكماً شرعيّاً; فلعدم الدليل على عدم الجواز أي جواز الرجوع بعد الردّ ، نعم بعد تحقّق الحلف لا مجال للعدم ، كما لايخفى .
1 ـ في المسألة قولان : ذهب إلى كلٍّ منهما جماعة من الفقهاء القدماء والمتأخّرين ، ونسب القول الثاني إلى الأكثر(1) ، بل ادّعي الإجماع عليه(2) ، واستظهر القول الأوّل المحقّق في الشرائع ، وقال : وهو المرويّ(3) ، لكنّ الماتن جعل
- (1) المبسوط : 8 / 209 ، المهذّب : 2 / 585 ، السرائر : 2 / 165 و180 ، الوسيلة : 229 ، رياض المسائل : 9/311 ، ونقل عن الإسكافي في المختلف : 8 / 397 .
- (2) الخلاف : 6 / 290 ـ 292 مسألة : 38 ، الغنية : 442 ـ 443 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 874 .
(الصفحة 135)
الأشبه الثاني كصاحب ملحقات العروة(1) .
وقبل الخوض في المسألة لابدّ من التعرّض للروايات; لأنّه مع وجود الروايات فيها لاتصل النوبة إلى الأصول العمليّة مطلقاً، سواءكانت مخالفة لها أو موافقة; لعدم المجال لها معها ، كما حقّق في علم الاُصول مثل : أصالة عدم مشروعيّة ردّ اليمين من الحاكم،وأصالة عدم ثبوت الحلف على المدّعي،وأصالة براءة ذمّة الحاكم من التكليف بالردّ ، وأصالة براءة المدّعي من التكليف باليمين ، كما أنّه لابدّ من التّوجه إلى أنّه ليس ولو في رواية واحدة التصريح بردّ الحاكم اليمين إلى المدّعي في الجملة ، وإلى أنّ قوله (صلى الله عليه وآله) : «اليمين على من ادّعي عليه» لا إطلاق له أصلا ، بل الغرض بيان الوظيفة الأوّلية; ولذا لا دلالة له على عدم جواز ردّ المنكر اليمين إلى المدّعي ، كما ذكرناه سابقاً ، وإلى أنّ هنا بعض الروايات الصحيحة التي أعرض عنها المشهور ، مثل :
ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم الطويلة الواردة في كيفيّة حلف الأخرس الدالّة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) : كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربه فامتنع فألزمه الدين(2) . ولا مجال للاستدلال بها لأجل تفريع الإلزام بالدين على الامتناع من شرب الماء المغسول به اليمين ، بعد عدم العمل من المشهور بهذه الكيفيّة في حلف الأخرس إلاّ أن يقال : إنّ إعراض المشهور عن هذه الجهة من الرّواية لا يلزم الإعراض عن الجهة الاُخرى المرتبطة بالمقام ، كما هو ظاهر المحقّق العراقي (قدس سره)(3) . وكيف كان فلابدّ من ملاحظة سائر الروايات فنقول :
منها : صحيحة هشام المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «تردّ اليمين على
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 66 .
- (2) التهذيب : 6/319 ح879 ، الفقيه : 3/65 ح218 ، وسائل الشيعة : 27/302 ، أبواب كيفيّة الحكم ب33 ح1 .
- (3) كتاب القضاء للمحقّق العراقي : 85 .
(الصفحة 136)
المدّعي» . وهي وإن لم تدلّ على أنّ رادّ اليمين هو المنكر فقط; لأنّ كلمة «تردّ» إنّما هي بصيغة البناء على المفعول ، ومع تاء التأنيث المجازي ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الرواية إنّما هي بصدد بيان أنّ وظيفة المدّعي لا تكون إقامة البيّنة دائماً ، بل قد تردّ اليمين التي هي وظيفة المنكر على المدّعي ، فلا مجال للتمسّك بالإطلاق كما لايخفى .
ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة المتقدّمة أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يدّعى عليه الحقّ ولا بيّنة للمدّعي ، قال : يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ ، فإن لم يفعل فلا حقّ له . والظاهر أنّ المراد من الجملة الأخيرة : أنّه إذا لم يحلف المدّعي بعد ردّ المدّعى عليه اليمين عليه فلا حقّ للمدّعي ، ولا دلالة لها على حكم المقام ، نعم في بعض النسخ «فلا حقّ عليه» ، ولكن في الوسائل المطبوعة أخيراً المصحّحة ما ذكرنا .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال : قلت للشيخ (عليه السلام) : خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ ، فلم تكن له بيّنة بماله ، قال : فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف ، فلا حقّ له وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات ، فاُقيمت عليه البيّنة فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد مات فلان ، وإنّ حقّه لعليه ، فإن حلف ، وإلاّ فلا حقّ له; لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غيّر بيّنة قبل الموت ، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له ، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّاً لأُلزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه ، فمن ثمَّ لم يثبت الحقّ(1) .
- (1) الكافي : 7 / 415 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح555 ، الفقيه : 3 / 38 ح128 ، الوسائل : 27 / 236 ، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1 .
(الصفحة 137)
وموضع التمسّك بهذه الرواية فقرتان :
إحداهما : قوله (عليه السلام) : «وإن لم يحلف فعليه» لأنّه ظاهر في أنّه إذا لم يتحقّق الحلف من المنكر ، ولم يرد اليمين على المدّعي ، يثبت عليه الحقّ ويحكم الحاكم بضرره .
ويرد عليه عدم ثبوت هذه الفقرة في رواية الصدوق في الفقيه ، فلا مجال للتمسّك بها .
ثانيتهما : قوله (عليه السلام) في الذيل : «ولو كان حيّاً لألزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه» لظهوره في أنّ المنكر مع عدم حلفه ، ومع عدم ردّ اليمين على المدّعي ، يلزم بالحقّ بعد حكم الحاكم . وكلمة يردّ إنّما هي بصيغة المبني للفاعل وبصورة المذكر ، فلا إطلاق لها يشمل غير المنكر .
والتحقيق في المقام أن يقال بعد ملاحظة عدم دلالة شيء من الروايات على أنّ الحاكم يردّ اليمين إلى المدّعي ، بخلاف ردّ المنكر الذي فيه روايات متعدّدة ومتكثّرة كما عرفت ، وبعد ملاحظة أنّ ردّ الحاكم يفتقر إلى أن يقوم الدليل عليه ، ويحتاج إلى البيان خصوصاً بعد الالتفات إلى أنّه ربّما يترتّب على ردّه عدم حلف المدّعي ، وبه يثبت إنكار المدّعى عليه ، وتسقط دعواه في الواقعة بالمرّة ، وحينئذ يسئل عن الدليل على هذا السقوط ، ومجرّد كون الحاكم وليّ الممتنع لا يكفي في هذه الجهة بعد عدم ثبوت حقّ على المدّعى عليه ، خصوصاً بعد جواز الحكم عليه بمجرّد النكول ، مع أنّه لا يعلم مقدار سعة هذا الأمر وضيقه على فرض صحّة صدوره بترجيح القول الأوّل ، الذي استظهره المحقّق في الشرائع ونسبه إلى الرّواية(1) ، وهو
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 874 .