(الصفحة 158)
وإن لم نقل بذلك بل بلزوم ترتيب الأثر عليها يلزم الحكم على طبق البيّنة غير العادلة بنظره .
ثالثتها : صورة العلم بالاختلاف ، وفي هذه الصورة لا يكفي الإطلاق لا بالإضافة إلى التعديل ولا بالنّسبة إلى الجرح ، بل اللاّزم التفسير ليلاحظ ثبوت العدالة بنظر الحاكم وعدمه ، ووجهه واضح .
بقي في المسألة اُمور لابدّ من التنبيه عليها :
الأوّل : أنّه يكفي في الشهادة بالعدالة أو الفسق كلّ لفظ دالّ عليها ، ولا يجب أن يكون مشتملا على عنوان الشهادة مثل قوله : أشهد ، وإن أوهمته عبارة العلاّمة في القواعد(1) ، لكنّ الظاهر أنّ مراده ما ذكرنا ولو في باب التزكية ، لكنّ اللاّزم أن يكون في مقام الشهادة ولو بدلالة قرائن الأحوال ، فإنّ الشهادة وإن كانت من مقولة الإخبار لا الإنشاء ، إلاّ أنّها نوع خاصّ ومقام مخصوص ، ولا ينطبق عنوان الشاهد إلاّ على من كان في هذا المقام ، وعليه فلا يكفي مجرّد الإخبار بالعدالة ، بل يجب الشهادة عليها بخلاف التفسيق ، فتدبّر .
الثاني : هل يجب ضمّ أنّه مقبول الشهادة إلى قوله عدل أم لا؟ قال في محكيّ القواعد : لابدّ فيها أيضاً من ضمّ مقبول الشهادة إلى قوله عدل ، إذ ربّ عدل لا تقبل شهادته; لغلبة الغفلة عليه ، ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الكلام في ثبوت وصف العدالة وعدمه لا في جهات اُخرى ، وإلاّ يلزم ذكر جميع الخصوصيّات المعتبرة في الشاهد ـ أنّه لا دليل على هذه اللابدّية بعد تحقّق الشهادة بالعدالة ، كما لايخفى .
- (1 و 2) قواعد الأحكام : 2 / 206 .
(الصفحة 159)مسألة 20 : لو تعارضت بيّنة الجرح والتعديل بأن قالت إحداهما : «إنّه عادل» ، وقالت الاُخرى : «إنّه فاسق» ، أو قالت إحداهما : «كان يوم كذا
الثالث : عن المختصر الأحمدي(1) لابدّ أن يقول : عدل مقبول الشهادة عليّ ولي(2) ، وعن التحرير يجب على المزكّي أن يقول : أشهد أنّه عدل مقبول أو هو عدل لي وعليّ(3) ، بمعنى الاكتفاء بأحدهما; لأنّه لا تتعلّق الصلتان بالعدل إلاّ بتضمين معنى الشهادة ، فيتّحد حينئذ مؤدّاهما ويكفي أحدهما ، ونسبه في المسالك إلى أكثر المتأخّرين(4) .
ويرد على هذا القول : أنّه لا يعلم المراد من قوله : «لي وعليّ» فإن كان الغرض منه أن يبيّن أنّه ليس بولد بناءً على أنّ شهادة الولد على والده غير مقبولة ، فيرد عليه ما أورده في الجواهر ممّا يرجع إلى أنّه على تقدير تسليم عدم قبول الشهادة المذكورة ، لايدلّ قوله : «عدل لي وعليّ» على أنّه ليس بولد; لأنّ العدل عدل على أبيه وله ، غاية الأمر عدم قبول شهادته عليه ، وعلى تقدير أن يراد به نفي البنوّة فالمعتبر عدمها ، لا التعرّض إلى نفيه لفظاً ، مع أنّه يحصل بقوله : «عليّ» ولا حاجة إلى إضافة قوله : «لي»(5) ، وإن كان المراد تأكيد ثبوت العدالة ووصفها كما ربّما يتراءى في النظر ، فيرد عليه عدم الدليل على لزوم هذا التأكيد ووجوبه .
وكيف كان فالتحقيق ما أفاده في المتن .
- (1) هو لابن الجنيد كما في المسالك : 13 / 408 .
- (2) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 441 مسألة 42 .
- (3) تحرير الأحكام : 2 / 184 .
- (4) مسالك الأفهام : 13 / 408 ـ 409 ، الدروس الشرعيّة 2 : 80 .
- (5) جواهر الكلام : 40 / 118 .
(الصفحة 160)يشرب الخمر في مكان كذا» ، وقالت الاُخرى : «إنّه كان في يوم كذا في غير هذا المكان» سقطتا ، فعلى المنكر اليمين ، نعم لو كان له حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها ، فإن كانت عدالة حكم على طبق الشهادة ، وإن كانت فسقاً تطرح ، وعلى المنكر اليمين1.
1 ـ التعارض بين البيّنتين بيّنة الجرح والتعديل ، قد يكون بنحو التخالف بحيث يمكن اجتماعهما; لعدم التضادّ المانع عن صدقهما .
وقد يكون بنحو التعارض الحقيقي المانع عن ذلك ، فالأوّل مثل ما إذا قالت بيّنة التعديل : إنّه يكون ذا ملكة ، ولا أعلم بصدور معصية كبيرة منه ، وقالت بيّنة الجرح : إنّه صدر منه معصية كبيرة ، ولم تتحقّق التوبة عنها ، أو قالت بيّنة التعديل : إنّه قد صدر منه التوبة عن المعصية الكبيرة التي ارتكبها يوم فلان ، وقالت بيّنة الجرح : قد صدرت منه المعصية في ذلك اليوم . والثاني مثل المثالين المذكورين في المتن ، ويجري في هذه الصورة احتمالات :
الأوّل : سقوط كلتيهما كما هو الأصل المقرّر في محلّه في تعارض الأمارتين ، غاية الأمر ثبوت الأخبار العلاجيّة مثل : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة وغيرها بالإضافة إلى الخبرين المتعارضين(1) ، فيبقى غيرهما على وفق القاعدة الأصليّة من السقوط عند التعارض .
الثاني : الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل أو مشتبه خصوصاً مع كون الموردين حقوق الناس ، وهي القدر المتيقّن من موارد القرعة .
- (1) الكافي : 1 / 67 ح10 وج7 / 412 ح5 ، التهذيب : 6 / 218 ح514 وص308 ح845 ، الوسائل : 27 / 136 ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
(الصفحة 161)
الثالث : ما حكي عن الشيخ في الخلاف(1) من أنّ الحاكم وقف عن الحكم ، بناءً على أن يكون المراد هو الوقف عن الحكم رأساً ، وأمّا بناءً على أن يكون المراد هو الوقف عن الحكم على طبق بيّنة التعديل ، وإن كان لا ينافي الرجوع إلى اليمين بعد ذلك ، كما هو لازم الاحتمال الأوّل وهو سقوط كلتا البيّنتين ، فلا يكون هذا القول في مقابل الاحتمال الأوّل .
الرابع : ترجيح بيّنة الجارح لاعتضادها بأصالة عدم حصول سبب الحكم ، والغالب في التعديل الاعتماد على عدم صدور معصية كبيرة منه .
والتحقيق يقتضي الاحتمال الأوّل; لأنّه بعد كون المفروض هو ثبوت التعارض الحقيقي ، وبعد كون مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين مطلقاً هو السقوط ، وبعد أنّ الحاكم إنّما يكون موضوعاً لرفع الخصومة ، ولا معنى للتوقّف عن الحكم رأساً ، بمعنى أنّه لم يمكن له فصل الخصومة . يظهر أنّ أقوى الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل ، فبعد السقوط يصير المدّعي بلا بيّنة موجبة لثبوت ادّعائه ، فتصل النوبة إلى الاستحلاف ويمين المنكر ، مثل ما إذا لم يكن هناك بيّنة أصلا .
هذا كلّه فيما إذا لم يكن هناك حالة سابقة من العدالة أو الفسق وإلاّ فيؤخذ بها; لما عرفت من أنّه يجوز للحاكم الاعتماد على الاستصحاب ، فإن كانت الحالة السابقة هي العدالة يأخذ ببيّنة التعديل ويحكم على طبق الشهادة ، وإن كانت الحالة السابقة هي الفسق تطرح الشهادة ويرجع إلى يمين المنكر ، كما لايخفى .
نعم لا ملزم أن تكون الحالة السابقة متيقّنة باليقين الوجداني ، بل لو قامت البيّنة على أنّه كان في سابق الزمان عادلا ، بحيث كان المشهود به هو العلم بعدالته كذلك ،
- (1) الخلاف : 6 / 219 ـ 220 مسألة 12 .
(الصفحة 162)مسألة 21 : يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة ، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ ، ولا الاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب ، وكذا في الشهادة بالجرح لابدّ من العلم بفسقه ، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب ، نعم يكفي الثبوت التعبّدي كالثبوت بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر لترتيب الآثار ، فيجوز للحاكم الحكم
أو ما هو بمنزلة له العلم من الاطمئنان الذي يعامل معه بين العقلاء معاملة العلم يجوز للحاكم أن يجري الاستصحاب ، وإن لا تكون الحالة السابقة متيقّنة له بوجه ، كما قد حقّق في محلّه من كفاية هذا المقدار في جريان الاستصحاب ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) ألحق صورة الاطلاق في الجرح والتعديل بصورة عدم التعارض بين البيّنتين وإمكان الجمع بينهما; نظراً إلى انصراف التعديل بحكم الغلبة إلى حسن ظاهره مع عدم علمه بصدور الفسق منه ، وانصراف الجرح إلى رؤية صدوره عنه(1) .
وأنت خبير ببطلان دعوى الانصراف المذكور بعد كون الملاك فيه هو غلبة الاستعمال لا غلبة الوجود الخارجي ، كما لايخفى . ومنه يظهر بطلان ما أفاده الشيخ في رسالة القضاء من كون التعارض بين البيّنتين في الصورة المذكورة من التعارض بين النصّ والظاهر; لأجل الوجه المذكور ، وأنّ النصّ وهي بيّنة الجارح مقدّم على الظاهر وهي بيّنة التعديل(2); لبطلان الوجه المذكور .
- (1) جواهر الكلام : 40 / 120 ـ 121 .
- (2) القضاء والشهادات (تراث الشيخ الأنصاري) : 22 / 137 ـ 139 .