(الصفحة 162)مسألة 21 : يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة ، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ ، ولا الاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب ، وكذا في الشهادة بالجرح لابدّ من العلم بفسقه ، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب ، نعم يكفي الثبوت التعبّدي كالثبوت بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر لترتيب الآثار ، فيجوز للحاكم الحكم
أو ما هو بمنزلة له العلم من الاطمئنان الذي يعامل معه بين العقلاء معاملة العلم يجوز للحاكم أن يجري الاستصحاب ، وإن لا تكون الحالة السابقة متيقّنة له بوجه ، كما قد حقّق في محلّه من كفاية هذا المقدار في جريان الاستصحاب ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) ألحق صورة الاطلاق في الجرح والتعديل بصورة عدم التعارض بين البيّنتين وإمكان الجمع بينهما; نظراً إلى انصراف التعديل بحكم الغلبة إلى حسن ظاهره مع عدم علمه بصدور الفسق منه ، وانصراف الجرح إلى رؤية صدوره عنه(1) .
وأنت خبير ببطلان دعوى الانصراف المذكور بعد كون الملاك فيه هو غلبة الاستعمال لا غلبة الوجود الخارجي ، كما لايخفى . ومنه يظهر بطلان ما أفاده الشيخ في رسالة القضاء من كون التعارض بين البيّنتين في الصورة المذكورة من التعارض بين النصّ والظاهر; لأجل الوجه المذكور ، وأنّ النصّ وهي بيّنة الجارح مقدّم على الظاهر وهي بيّنة التعديل(2); لبطلان الوجه المذكور .
- (1) جواهر الكلام : 40 / 120 ـ 121 .
- (2) القضاء والشهادات (تراث الشيخ الأنصاري) : 22 / 137 ـ 139 .
(الصفحة 163)اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب ، أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة1.
1 ـ في الشهادة بالعدالة ومثلها يعتبر العلم أو الاطمئنان المتاخّم للعلم . إمّا من ناحية الشياع المفيد لذلك ، أو من ناحية معاشرة باطنيّة متقادمة ، وفي هذه الصورة تصحّ الشهادة بالعدالة وإن كانت أمراً غير محسوس; لأنّها الملكة النفسانيّة الباعثة على رعاية الوظائف الوجوبيّة والتحريميّة ، مضافة إلى ما يكون محسوساً من الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، لكنّها قريبة إلى الحسّ كالشجاعة والسخاوة ونحوهما ، ولا يكفي للشهادة بالعدالة الاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر ، الذي جعله الشارع كاشفاً عن العدالة وأمارة عليها تعبّداً ، على ما في الصحيحة الواردة في تعريف العدالة وبيان الأمارة عليها(1) .
وكذا لابدّ في الشهادة بالجرح من العلم بفسق المجروح كرؤية صدور معصية كبيرة منه ، مع العلم بأنّها صدرت بعنوان المعصية ، من دون أن يكون هناك عذر كالاضطرار مثلا ، ولا يجوز للشاهد بالجرح الاعتماد أيضاً على البيّنة أو الاستصحاب . نعم يكفي للحاكم الاعتماد في ثبوت عدالة إحدى البيّنتين الاعتماد على الاستصحاب أو حسن الظاهر أو البيّنة لكفاية الثبوت التعبّدي; ولأجله كان له الاعتماد في ثبوت عدالة شاهد الأصل على الاُمور المذكورة لأجل ما ذكرنا ، ومنه يظهر أنّه لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره ، فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعدما عرفت من كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة .
- (1) الفقيه : 3 / 24 ح65 ، التهذيب : 6 / 241 ح596 ، الإستبصار : 3 / 12 ح33 ، الوسائل : 27/ 391 ـ 392 ، كتاب الشهادات ب1 ح1 و2 ، ويراجع نفس الوسائل ص396 ح15 و 16 .
(الصفحة 164)مسألة 22 : لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره ، فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة1.
مسألة 23 : لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرّد مشاهدة ارتكاب كبيرة ما لم يعلم أنّه على وجه المعصية ولا يكون له عذر ، فلو احتمل أنّ ارتكابه لعذر لا يجوز جرحه ، ولو حصل له ظنّ بذلك بقرائن مفيدة له2.
مسألة 24 : لو رضي المدّعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدل واحد لا يجوز
كما أنّ الشاهدين لو شهدا بعدالة بيّنة المدّعي في السابق يجوز للحاكم الاعتماد بعد إحراز الحالة السابقة وجريان الاستصحاب; لعدم لزوم كون الحالة السابقة محرزة باليقين الوجداني ، كما قرّر في محلّه من الاُصول .
1 و 2 ـ ظهر الحكم في هاتين المسألتين ممّا ذكرنا في المسألة السابقة ، ولا حاجة إلى الإعادة بوجه ، فراجع .
نعم ينبغي أن يعلم أنّ مطلق الإكراه على المعصية لا يجوِّز مطلق المعصية ، فإذا اكره أحد بالزنا بذات البعل ، هل يمكن أن يقال : بصيرورته جائزاً ولو كان الضرر المتوعّد به ضرراً ماليّاً يتضرّر المكرَه بالفتح بسببه ، نظراً إلى قوله (صلى الله عليه وآله) في مثل حديث الرفع : «رفع ما اُكرهوا عليه»(1) ، بل لابدّ من ملاحظة الضرر المتوعّد به مع المحرّم الذي اُكره عليه ، وأنّه أيّهما يكون أهمّ من الاُخرى عند الشارع ، فإذا اُكره على شرب الخمر مثلا وتوعّد بالقتل ، فحيث يكون القتل أهمّ من شرب الخمر يصير جائزاً بمجرّد الإكراه ، وعلى هذا القياس . فتدبّر جيّداً .
- (1) الوسائل : 15 / 369 ـ 370 ، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 .
(الصفحة 165)للحاكم الحكم ، ولو حكم لا يترتّب عليه الأثر1.
مسألة 25 : لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده ، ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما ، لكن أخطأهما في الشهادة2·
مسألة 26 : لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا ، وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة ، من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً أو اثنان بالتعديل ، ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به ، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل3.
1 ـ فإنّه مخالف للحصر المستفاد من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) على ما في رواية أو روايات صحيحة ، وإن كان الحصر إضافيّاً كما تقدّم ، فإنّه يعتبر في البيّنة التعدّد والعدالة ، ورضا المدّعى عليه لا يوجب تغيير الحكم ، والمفروض في هذه المسائل إنكاره لادّعاء المدّعي .
2 ـ من الواضح أنّ الحكم وفصل الخصومة فعل الحاكم ، واللاّزم أن تكون عدالة الشاهدين محرزة عنده ، وبعبارة اُخرى اللاّزم أن يكون الشاهدان منطبقاً عليهما عنوان البيّنة ، ولا يكون كذلك إلاّ بإحراز عدالتهما . غاية الأمر أنّك عرفت أنّ الثبوت التعبّدي بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر كاف في ذلك(2) .
3 ـ قد عرفت(3) أنّ مقتضى التحقيق التساقط عند تعارض الجارح والمعدّل ،
- (1) الكافي : 7 / 414 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح552 ، الوسائل : 27 / 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
- (2) في ص156 ـ 157 و 161 .
- (3) في ص163 .
(الصفحة 166)مسألة 27 : لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما ونسبهما بعد إحراز مقبوليّة شهادتهما ، كما أنّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم ، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما1.
مسألة 28 : لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي ، نعم يستثنى منه الدعوى على الميّت ، فيعتبر قيام البيّنة الشرعيّة مع اليمين الاستظهاري ، فإن أقام
فليعلم أنّه لا فرق في ذلك بين زيادة شهود الجرح على التعديل أو العكس وبين عدم الزيادة; لعدم كون الأكثريّة مرجّحة في باب تعارض الأمارتين بوجه ، كما أنّه لا فرق في باب الخبرين المتعارضين الموضوع للاخبار العلاجيّة من هذه الجهة . نعم إذا بلغ الأمر إلى حدّ الشهرة الفتوائيّة يكون ذلك أوّل المرجّحات ، كما قرّرناه في محلّه ، كما أنّه لا ينبغي أن يتوهّم أنّه إذا شهد اثنان بالجرح وشهد اثنان آخران بالعدالة ، ثمّ بعد مدّة مثلا شهد اثنان بالعدالة يقع التساقط بين الأوّلين ويبقى المعدّل الأخير بلا معارض ، فإنّه لا فرق في التعارض وحصول التساقط بين الصورتين أصلا ، فتدبّر جيّداً .
ومنه يعلم أنّه لا فرق في التساقط بين تقدّم بيّنة الجارح أوالعكس أوالشهادة معاً.
1 ـ وجه عدم الاشتراط بالإضافة إلى الاسم والنسب أنّ المعتبر هو إحراز مقبوليّة شهادتهما واقعاً أو تعبّداً لمثل البيّنة المعدّلة أو الشاهدة بحسن الظاهر أو الاستصحاب كما عرفت . وأمّا العلم بالاسم والنسب فلا دخالة له فيه بعد الإحراز المذكور ، كما أنّه لا فائدة فيه بعد عدم الإحراز . وأمّا وجه الكفاية في صورة العلم الإجمالي فهو ثبوت الملاك مع العلم المذكور ، وإن كان تشخيصهما بعينهما غير معلوم ، كما لايخفى .