(الصفحة 175)
حينئذ : إنّ الدعوى على الغاصب لكون يد المشتري مترتّبة على يده ، نعم يجوز له أن يوجّه الدعوى على الغاصب أيضاً ففي المقام أيضاً كذلك ، فإن وجّه الدعوى على الميت احتاج إلى ضم اليمين ، وأمّا إن وجّه على الوارث فلا . وكيف كان فالمسألة مشكلة ، والأحوط ضمّ اليمين لكن برضا المدّعي(1) .
أقول : حاصل ما أفاده احتمال عدم كون الدعوى في العين دعوى على الميت; لاحتمال كونها متوجّهة إلى الحيّ ، مع أنّ المفروض في المقام هو لحوق العين بالدين فيما إذا كانت الدعوى على الميت ، فإمكان توجّهها إلى غير الميت غير المقام .
والتحقيق بملاحظة جميع ما ذكرنا ، خصوصاً فيما يتعلّق بمحلّ النزاع ومورد البحث أن يقال : حيث إنّ بين الدين والعين فرقاً ، وهو عدم ثبوت ذي اليد بالإضافة إلى الدين ووجودها بالنسبة إلى العين ، فإنّها بعد الحياة تكون في يد الوارث غالباً .
وقد قلنا : إنّ محلّ البحث في الدين من جهة لزوم انضمام اليمين إلى البيّنة إنّما هو فيما إذا شهدت البيّنة على أصل الحقّ والاشتغال . وأمّا إذا شهدت ببقائه إلى حين الموت فلا حاجة إلى ضمّ اليمين ، انّه إذا شهدت البيّنة بعد الموت بأنّ العين الباقية التي هي في يد الوارث مثلا ملك للمدّعي ، ولم يخرج عن ملكه أصلا ، فلا إشكال في لزوم الأخذ بها ، كما هو الحال بالإضافة إلى الدين على ما ذكرنا .
وأمّا إذا شهدت بأنّ الميت إنّما أخذها من المدّعي في حال الحياة أمانةً أو سرقةً فهنا أمور ثلاثة : شهادة البيّنة بكيفيّة اليد ، وتحقّق اليد التي هي أمارة شرعية وعقلائية على الملكية واستصحاب بقاء الكيفية ، وعدم تحقّق أمر جديد من البيع
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 80 ـ 81 .
(الصفحة 176)
أو المصالحة أو الهبة أو نحوها ممّا يوجب حصول الملكيّة الشرعيّة للميّت مع احتمال التحقّق بحسب الواقع ، والقدر المسلّم هو تقدّم البيّنة على اليد مع تعارضهما لا فيما هو المفروض .
وأمّا ما أفاده السيّد الطباطبائي من أنّ الاستصحاب في هذه الصّورة مقدّم على اليد الفعلية على الأقوى; لكونه موضوعيّاً ، فيكون حال العين في هذه الصورة حال الدين في الحاجة إلى اليمين; لدفع احتمال تجدّد اليد والنقل الجديد(1) ، فمدفوع بعدم التقدّم لحجّية مثبتات الأمارة ، مضافاً إلى لزوم عدم جواز التمسّك باليد في موارد كثيرة كما لايخفى ، ومنه يظهر أنّه لا يجوز للقاضي القضاء بنفع المدّعي حينئذ ، لا باستناد البيّنة ، لأنّها قائمة على كيفيّة اليد ، ولا باستناد الاستصحاب في مقابل يد المدّعى عليه كما لايخفى .
ثمّ إنّه نفى الإشكال في المتن عن لحوق العين بالدين فيما إذا تلفت قبل موته مضمونة عليه على فرض صدق المدّعي في دعواه . والظاهر أنّ منشأه هو الانتقال إلى القيمة في هذه الحالة لفرض التلف ، مع أنّه يرد عليه :
أوّلا : ما حقّق في محلّه من أنّ ظاهر دليل ضمان اليد وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(2) هو كون ما على اليد نفس العين المأخوذة حتى بعد التلف; ولذا يكون أحد الأقوال في ذلك الباب ، بل لعلّه يكون قولا قويّاً هو ثبوت قيمة يوم الدفع والأداء ، لا يوم التلف ولا يوم الغصب ولا أعلى القيم ، والتحقيق في موضعه .
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 80 .
- (2) عوالي اللآلي : 1 / 224 ح106 ، مستدرك الوسائل : 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .
(الصفحة 177)
وثانياً : أنّ العين يمكن أن لا تكون قيميّة بل مثليّة ، وفي هذه الصورة لا يتحقّق الانتقال إلى القيمة بوجه .
وثالثاً : أنّ حديث لحوق العين بالدين وعدم لحوقها به لا يكون له ارتباط بمسألة الانتقال إلى القيمة وعدمه; ولذا يكون الفرد الظاهر المفروض فيه صورة بقاء العين في يد الوارث مثلا ، فمع ثبوت الاختلاف في اللحوق وعدمه لا وجه لنفي الإشكال عن اللحوق في الصورة المفروضة . هذا ما إذا تلفت قبل موته .
وأمّا إذا تحقّق التلف بعد الموت في يد الوارث ، فتارة يبحث فيه من جهة أنّ له الدعوى على الحيّ الوارث أو على الميت أيضاً ، أو على كلّ واحد منهما بنحو التخيير ، كما يظهر من السيّد في الملحقات(1) ، واُخرى من جهة لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة أم لا ، ففي الجواهر : أما إذا فرض تلفها بعد موته وكانت مضمونة عليه ، فقد يقوى عدم اليمين عليه لقصور الخبرين عن تناول ذلك ، بل ظاهرهما غيره ، فيبقى هو حئينئذ على حجّية البيّنة ، والتعليل قد عرفت أنّه فيما قبل الموت ونحوها ، فتدبّر جيّداً(2) .
وأورد عليه السيّد بقوله قلت : قصور الخبرين عن الشمول ممنوع ، فحاله حال التلف قبل الموت(3) .
الجهة الرابعة : هل يلحق بالميّت الذي هو الموضوع للمسألة السابقة من هو مثله في عدم اللسان كالطفل والمجنون والغائب وأشباهه؟ قولان : عن الأكثر(4) بل
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81 .
- (2) جواهر الكلام : 40 / 200 ـ 201 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81 .
- (4) مسالك الأفهام : 13 / 462 ، كفاية الأحكام : 268 .
(الصفحة 178)
المشهور(1) الأوّل . وجماعة على الثاني(2) ، بل هو المنسوب إلى أكثر متأخّري المتأخّرين(3) . وفرض الدين على الطفل الذي لا يمكن له حالة سابقة إلاّ الطفوليّة هو مثل ما إذا أتلف مال الغير بناءً على عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين وشمولها بالإضافة إلى غيرهم .
والدليل على اللحوق التعليل المذكور في رواية عبدالرحمن المتقدّمة ، وإن كان موردها صورة الموت; لقوله (عليه السلام) : «وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات» وهو قوله : «لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه...»، نظراً إلى أنّه لا خصوصية لاحتمال الوفاء والإبقاء، بل احتمال عدم ثبوت الدين ولو بالإبراء مثلا، فالبيّنة كافية لإثبات أصل الاشتغال، واليمين لازمة لإثبات البقاء ، وعدم تخلّل السقوط بعد الاشتغال . ولا فرق بين الميّت وبين الأفراد المعدودين في عدم اللسان وعدم القدرة على الدّفاع .
والدليل على عدم اللّحوق كما قيل : كون الحكم على خلاف القاعدة ـ فلابدّ من الاقتصار على القدر المعلوم ، وأنت خبير بأنّ البيّنة إنّما تكون شاهدة على أصل الاشتغال ، واليمين متعلّقة ببقاء الحقّ إلى أن مات ، وأنّه لو فرض كون البيّنة شاهدة على الاشتغال إلى حين الموت ، لا يحتاج إلى اليمين في الميّت أيضاً ، فلا يكون الحكم على خلاف القاعدة ـ وكون المشابهة في عدم اللسان ممنوعاً; لأنّ الميت لا يكون له لسان مطلقاً ، حيث إنّه لا أمد له يرتقب بخلاف الصغير الذي ينقلب كبيراً لا محالة
- (1) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : 4 : 233 ، المبسوط : 8 / 129 ، إرشاد الأذهان : 145 ، قواعد الأحكام : 210 ، اللمعة الدمشقيّة : 52 .
- (2) كفاية الأحكام : 269 ، شرائع الإسلام 4 : 874 .
- (3) مسالك الأفهام : 13 / 462 ـ 463 ، الروضة البهيّة : 3 / 104 ـ 105 ، رياض المسائل : 9 / 316 ، مستند الشيعة : 2 / 561 (ط ق) ، جواهر الكلام : 40 / 201 .
(الصفحة 179)
نوعاً ، والمجنون الذي يمكن ارتفاع جنونه وتبدّله إلى العاقل ، والغائب الذي تزول غيبته إلى الحضور كذلك ، مع أنّ طرف الدعوى في الصبي والمجنون إنّما هو الولي . وقد وردت في الغائب روايات كثيرة مشتملة على أنّه يقضى عليه ، وأنّه على حجّته إذا قدم . وقد مرّ البحث فيه سابقاً فراجع(1) ، فالأقوى هو عدم اللّحوق كما في المتن ، فتدبّر جيّداً .