(الصفحة 179)
نوعاً ، والمجنون الذي يمكن ارتفاع جنونه وتبدّله إلى العاقل ، والغائب الذي تزول غيبته إلى الحضور كذلك ، مع أنّ طرف الدعوى في الصبي والمجنون إنّما هو الولي . وقد وردت في الغائب روايات كثيرة مشتملة على أنّه يقضى عليه ، وأنّه على حجّته إذا قدم . وقد مرّ البحث فيه سابقاً فراجع(1) ، فالأقوى هو عدم اللّحوق كما في المتن ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 180)
فروع
الأوّل: لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ ، فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة ، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ . وإن كان الوارث متعدّداً لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حق النّاكل1.
1 ـ المهم في هذا الفرع ملاحظة أنّ الخبرين المتقدّمين الواردين في أصل المسألة وهي الدعوى على الميّت ، هل لهما إطلاق لفظي يشمل ما لو كان المدّعي على الميت وارث صاحب الحقّ أم لا ، الظاهر نعم فإنّه لا إشعار في شيء منهما بالاختصاص ، فإنّ قوله (عليه السلام) في رواية عبدالرحمن المتقدّمة: «وإن كان المطلوب بالحق قد مات ، فأقيمت عليه البيّنة . . .» لا يختصّ لفظاً بما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ الأوّلي ، وإن كان هو الفرد الظاهر منه ، إلاّ أنّه غير خفي أنّ التمسّك بالاطلاقات إنّما هو بالإضافة إلى الأفراد غير الواضحة ، وثبوت القدر المتيقّن في عدم جواز التمسك بالإطلاق على تقديره إنّما هو القدر المتيقّن في مقام التخاطب، لا مطلق القدر المتيقّن، وإلاّ فكلّ مطلق له الأفراد الظاهرة الواضحة التي هي القدر المتيقّن منها ، كما لايخفى .
وكذا السؤال في صحيحة الصفّار المتقدّمة: «أوتقبل شهادة الوصي على الميّت» فإنّ إطلاقه يشمل المقام .
ثمّ لو فرض عدم ثبوت الإطلاق فالفهم العرفي يساعد على إلغاء الخصوصيّة ، وأنّ الملاك في لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة عدم العلم بسقوط الدين ، نظراً إلى أنّ البيّنة
(الصفحة 181)
التي أُقيمت على الحقّ لا دلالة لها إلاّ على أصل الاشتغال ، وهو لا ينافي السقوط بعده ، فلابدّ من ضم اليمين على بقائه إلى أن مات ، لتفيد اليمين مع البيّنة الاشتغال وبقاءَه . وهذه الجهة موجودة في المقام خصوصاً بملاحظة التعليل المذكور فيها ، وإن كان قد عرفت عدم الاختصاص بوفاء الدين ، بل الغرض هو المسقط سواء كان وفاءً أو إبراءً أو مصالحة ونحوها(1) ، واليمين على عدم السقوط مشكلة بالإضافة إلى الوارث; لعدم كفاية اليمين على نفي العلم ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن إلغاء الخصوصيّة مع إقامة البيّنة واليمين على أنّه مات والحقّ عليه ، ولم يتحقّق المسقط له مع العلم بذلك . وقد تحقّق ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّ اليمين اللازم في هذا الفرع إنّما هي اليمين على الميت لا على نفي العلم ; لدلالة الروايات على الأوّل .
ثانيهما: بطلان ما احتمله في الجواهر من الاعتماد في اليمين على مقتضى الاستصحاب(2); لأنّه لو كان الاستصحاب كافياً لم يحتج إلى يمين أصلا .
بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو كان الوارث متعدّداً ، وقد أفاد في المتن أنّه لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، وأنّه لو حلف بعض ونكل بعض يثبت حقّ الحالف ويسقط حقّ الناكل ، وعن الجواهر: عدم وجوب اليمين على كلّ واحد من الورثة ، بل يكفي يمين واحد من أحدهم; لأنّ مقتضى إطلاق النصّ اعتبار يمين واحدة في تمامية حجّية البيّنة ، التي قد عرفت ثبوت الموضوع بها لسائر الشركاء ، وإن أقامها أحدهم(3) . وأنت خبير بأنّ كلّ واحد من الورّاث لصاحب الحقّ يكون
- (1) في ص173 ـ 174 .
- (2 و 3) جواهر الكلام: 40 / 197 .
(الصفحة 182)الثاني: لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادةً ، فهل يجب ضمّ اليمين أو لا؟ وجهان: أوجههما وجوبه . وكذا كلّ مورد يعلم أنّه على فرض ثبوت الدّين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميت1.
في صورة الادعاء مدّعياً مستقلاًّ على الميت ، مشمولا لإطلاق النصّ أو محكوماً بحكم إلغاء الخصوصية .
لكن دعواه إنّما هي بالإضافة إلى مقدار حقّه لا أزيد ، ضرورة أنّها بالنسبة إلى الزائد لا يكون واجداً لشرائط سماع الدعوى مع عدم الوكالة والولاية ، والبيّنة التي أُقيمت إن كانت قائمة على مجموع الحقّ ، فمعناه أنّ الباقين يمكن لهم أن يستفيدوا من هذه البيّنة بضميمة يمين كلّ واحد منهم ، مضافاً إلى أنّه يمكن تحقّق الاستيفاء أو الإبراء بالإضافة إلى بعضهم ، فلا يجدي مجرّد البيّنة بدون ضمّ اليمين، كما لايخفى .
1 ـ في هذا الفرع قولان:
قول بعدم وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة كما عن جماعة(1) ، واختاره السيّد في الملحقات(2) وهو الأقوى .
وقول بالوجوب كما اختاره في محكي المستند ، وحكى أنّه قوّاه بعض الفضلاء من المعاصرين مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدّين(3) .
أقول: ولتحقيق الحال يقتضي تقديم مقال ، وهو أنّه قد اشتهر ، بل يكون من
- (1) مسالك الأفهام: 13 / 463 ، كفاية الاحكام: 269 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 84 .
- (3) مستند الشيعة: 2 / 562 (ط ق) .
(الصفحة 183)
الاُمور المسلّمة أنّ العلّة المنصوصة قد تقتضي توسعة دائرة الحكم وثبوته في جميع موارد العلّة ، وقد تقتضي التضييق واختصاص الحكم بمورد ثبوتها ، وقد تقتضي كليهما معاً ، فقوله: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض . كما أنّه يوجب عموم دائرة الحكم وشمولها لكلّ حامض وإن لم يكن رمّاناً ، كذلك يقتضي تقييد دائرة الحكم وتخصيصها بخصوص الحامض من الرمان ، وعدم شمولها للرمان غير الحامض بل الحلو . وقد سولك هذا المنهج في موارد متعدّدة متكثّرة ، منها باب الاستصحاب في علم الأصول ، حيث إنّ الدليل على جريانه في جميع موارد الشكّ واليقين ما ورد من صحاح زرارة في باب الوضوء وطهارة اللباس والشكّ في عدد ركعات الصلاة مشتملة على التعليل ، بأنّه «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً»(1) ، فإنّه قد استفيد منها حكم كلّي في باب الاستصحاب .
وينبغي أن يعلم أنّ العلل المنصوصة قد تكون كما هو الغالب أموراً واقعيّة تكوينية معلومة عند المخاطب ، وقد تكون أموراً تعبّدية لا يعرفها المخاطب بوجه. فقوله: «لا تشرب الخمر لأنّها مسكرة» إنّما يكون من قبيل الأوّل ، وما ورد في الاستصحاب من قوله (عليه السلام): «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» من قبيل الثاني; لعدم كون الاستصحاب أمارة عقلائيّة ولا أصلا كذلك .
وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين مقام التعليل ومقام الاستشهاد بالكتاب أو بقول الرسول مثلا ، فإنّه لابدّ في الثاني من أن يكون الكلام ظاهراً فيه عند العرف مع
- (1) التهذيب: 1 / 8 ح8 وص421 ح1335 وج2 / 186 ح740 ، الإستبصار: 1 / 183 ح641 وص373 ح1416 ، الكافي: 3 / 351 ح3 ، الوسائل: 1 / 245 ، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1. وج3 / 466 ، أبواب النجاسات ب37 ح1 وص477 ب41 ح1 وص482 ب44 ح1. وج8 / 216 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح3 .