(الصفحة 190)
عنهم ، ثمّ تجيزون شهادتهم بقوله(1) .
وفي صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام) ، فسألاه عن شاهد ويمين ، فقال: قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقضى به عليّ (عليه السلام) عندكم بالكوفة ، فقالا: هذا خلاف القرآن ، فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: إنّ الله يقول:
{وأشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) فقال لهما أبو جعفر (عليه السلام): قول الله:
{وأشهِدوا ذَوَي عَدل مِنكُم} هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً ، ثمّ قال: إنّ عليّاً (عليه السلام)كان قاعداً في مسجد الكوفة ، فمرّ به عبدالله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي (عليه السلام): هذه درع طلحة أخذت غلولا(3) يوم البصرة ، فقال له عبدالله بن قفل: أجل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحاً .
فقال علي (عليه السلام): هذه درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له شريح: هات على ما تقول بيّنة ، فأتاه بالحسن (عليه السلام) فشهد أنّها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقال شريح: هذا شاهد واحد ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر ، فدعا قنبر فشهد أنّها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة . فقال شريح: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك .
قال: فغضب عليّ (عليه السلام)وقال: خذها فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات . قال: فتحوّل شريح وقال: لا أقضي بين اثنين حتّى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرّات؟ فقال له: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّي لمّا أخبرتك أنّها درع طلحة أُخذت غلولا
- (1) التهذيب: 6 / 296 ح826 ، الوسائل: 27 / 268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح13 .
- (2) سورة الطلاق: 65/2 .
- (3) الغلولة: السرقة قبل تقسيم الغنيمة ، المؤلّف .
(الصفحة 191)
يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بيّنة . وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حيث ما وجد غلول أُخذ بغير بيّنة ، فقلت: رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة .
ثمّ أتيتك بالحسن (عليه السلام) فشهد ، فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان . ثمّ أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقلت: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا . ثمّ قال: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّ إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا(1) .
قال صاحب الجواهر (قدس سره): وكان اقتصاره (عليه السلام) على خطئه ثلاثاً في هذه القضية على فهم شريح القاضي ، وإلاّ فهو مخطئ من وجوه اُخر أيضاً قد أشار (عليه السلام) إلى بعضها ، وبذلك ظهر لك حال قاضيهم وحال الفقيهين لهم الحَكَم وسَلَمَة ، وحال إمامهم الأعظم أبي حنيفة وسوء أدبه(2) .
وبالجملة قد ظهر لك في هذا الأمر أنّه لا شبهة في جواز القضاء بالشاهد واليمين في الجملة .
الأمر الثاني: في أنّه هل يختصّ جواز القضاء بالشاهد واليمين بالدين الذي يأتي معناه في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى ، وهو الحقّ الكلّي الماليّ المتعلّق بالذمّة مثليّاً كان أو قيميّاً ، كما عليه الماتن (قدس سره) تبعاً للنهاية والاستبصار(3) والغنية(4)
- (1) الكافي: 7 / 385 ح5 ، الفقيه: 3 / 63 ح313 ، التهذيب: 6 / 273 ح747 ، الإستبصار: 3 / 34 ح117 ، الوسائل: 27/ 265 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح6 .
- (2) جواهر الكلام: 40 / 270 .
- (3) النهاية: 334 ، الإستبصار: 3 / 33 ـ 35 .
- (4) الغنية: 439 .
(الصفحة 192)
والمراسم(1) والإصباح(2) والكافي(3) ، بل في الغنية الإجماع عليه ، أو يعمّ مطلق الحقوق الماليّة أعمّ ممّا إذا كان بنفسه مالا وما إذا كان المقصود منه المال، كما عليه المشهور من الأصحاب(4) ، أو يعمّ مطلق حقوق الناس أعمّ من أن يكون مالا أو غيره حتى القصاص والوصاية والنسب والولاية، فلا يشمل فقط مثل الشهادة على الهلال ، الذي لا وجه للحلف عليه ـ من حيث أنّه كذلك ـ من أحد ، وكذا كلّ ما لم تشرع اليمين فيه مثل حقوق الله تعالى ، التي هي أيضاً لا دعوى لأحد بالخصوص فيها ، كما لعلّه يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) خصوصاً بعد جعل الضابط أنّ كلّ ما تشرع فيه ردّ يمين الإنكار على المدّعي يشرع فيه الشاهد واليمين; لأنّ الظاهر كون هذه اليمين يمين المنكر صارت للمدّعي الذي له شاهد(5) .
هذا، وقد قال المحقّق في الشرائع في هذا المجال: ويثبت الحكم بذلك في الأموال: كالدين والقرض والغصب ، وفي المعاوضات: كالبيع والصرف والصلح والإجارة والقراض والهبة والوصية له ، والجناية الموجبة للدية: كالخطأ وعمد الخطأ وقتل الوالد ولده ، والحرّ العبد ، وكسر العظام والجائفة والمأمومة . وضابطه ما كان مالا أو المقصود منه المال ، وفي النكاح تردّد ، أمّا الخلع والطلاق والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة والوصية إليه وعيوب النساء فلا ، وفي الوقف إشكال منشأه النظر إلى من ينتقل إليه ، والأشبه القبول ، لانتقاله إلى الموقوف
- (1) المراسم: 234 .
- (2) إصباح الشيعة: 528 .
- (3) الكافي في الفقه: 438 .
- (4) مفتاح الكرامة: 10 / 137 ، رياض المسائل: 9 / 340 ـ 341 ، كشف اللثام: 2 / 344 (ط ق) .
- (5) جواهر الكلام: 40 / 274 .
(الصفحة 193)
عليهم(1) ، انتهى .
أقول: في هذا المجال طوائف ثلاث من الروايات:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على القضاء بهما في مطلق حقوق الناس مثل:
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد ، إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأمّا ما كان من حقوق الله عزّوجلّ أو رؤية الهلال فلا(2) .
وهذه الرواية مضافاً إلى كونها صحيحة من حيث السند ظاهرة الدلالة على التعميم ، وأنّه يجزي الشاهد واليمين في جميع حقوق الناس لاقتضاء التعبير بالعموم والمقابلة ذلك ودونها في الظهور .
ورواية اُخرى لمحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ، ولم يجز في الهلال إلاّ شاهدي عدل(3) .
فإنّ مقتضى المقابلة كون الدين شاملا لجميع حقوق الناس الماليّة وغيرها .
الطائفة الثانية: الروايات المطلقة الحاكية لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ، والحاكي لفعلهما وإن كان هو الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الحكم الشرعي ، وفي هذه الصورة يجوز التمسّك بإطلاق كلام الحاكي ، إلاّ أنّه فيما إذا كانت شرائط التمسّك بالإطلاق
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 881 .
- (2) التهذيب: 6 / 273 ح746 ، الإستبصار: 3 / 33 ح116 ، الفقيه: 3/330 ح104 ، الوسائل: 27/ 268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح12 .
- (3) الكافي: 7 / 386 ح8 ، التهذيب: 6 / 272 ح740 ، الإستبصار: 3 / 32 ح108 ، الوسائل: 27/ 264 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح1 .
(الصفحة 194)
ومقدّمات الحكمة ـ التي يكون أتمّها كون المولى المتكلّم في مقام البيان لا الإهمال والإجمال ـ موجودة ، وفي هذه الروايات لا يكون كذلك; لأنّ الغرض العمدة ـ كما يظهر من الروايات ومن مخالفة أبي حنيفة وأتباعه ـ إثبات جواز القضاء بالشاهد واليمين في الجملة لا إطلاق هذا الأمر ، وهذه الروايات مثل:
رواية منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ(1) .
ورواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة شاهد مع يمين طالب الحقّ ، إذا حلف أنّه الحقّ(2) .
ورواية عباد بن صهيب ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، عن جابر بن عبدالله قال: جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(3) .
وغير ذلك من الروايات الحاكية لفعله (صلى الله عليه وآله) أو فعل عليّ (عليه السلام) .
الطائفة الثالثة: ما ورد في خصوص القضاء بهما في الأموال ، وهي الرواية الوحيدة المرسلة عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: استشرت جبرئيل (عليه السلام)في القضاء باليمين مع الشّاهد ، فأشار عليّ بذلك في الأموال لا تعدو ذلك(4) .
وقال صاحب الجواهر بعد نقله: ولكن ليس هو من طرقنا ، ولا معروف النقل
- (1) الكافي 7 / 385 ح4 ، التهذيب: 6 / 272 ح741 ، الإستبصار: 3 / 32 ح108 ، الوسائل: 27/ 264 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح2 .
- (2) التهذيب: 6 / 273 ح744 ، الإستبصار: 3 / 33 ح115 ، الوسائل: 27/ 267 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح9 .
- (3) أمالي الصدوق: 445 ح594 ، الوسائل: 27/ 269 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح16 .
- (4) تلخيص الحبير: 4 / 206 ح2134 .