(الصفحة 215)مسألة 6: لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه ، فحينئذ له إقامة الدعوى على المقرّ له ، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو ، وإلاّ له الدّعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة ، وله البدأة بالدعوى على المقرّ ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وله حينئذ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله ، فإن ثبت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ ، وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب .
وإن قال: «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم» فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه . وإن قال: «إنّه ليس لك بل وقف» فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه ، وتتوجّه إليه لكونه مدّعى التولية ، فإن توجّه الحلف اليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدّعوى ، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم ، وكذا لو قال المدّعى عليه: «إنّه لصبي أو
فلا تسمع بيّنة منه بعد ذلك ، ولا يجوز له المقاصّة ، وإن كان معتقداً بثبوت الحقّ .
واُخرى يقال بعدم جواز الحلف على ما في يده ، فيرجع إلى مسألة الدين . وسيأتي التحقيق إن شاء الله تعالى .
وفي الفرض الثاني: ربّما يقال كما عن مستند النراقي (قدس سره)(1): بأنّه يقرع بينه وبين
المدّعي; لأنّه يشترط في دلالة اليد على الملكية عدم اعتراف ذيها بعدم علمه بأنّه له أولا ، وسيأتي التحقيق أيضاً إن شاء الله تعالى .
- (1) مستند الشيعة: 2 / 568 ـ 569 (ط ق) .
(الصفحة 216)مجنون» ونفى الولاية عن نفسه1.
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأربعة أجوبة اُخرى متصوّرة بالنسبة إلى المدّعى عليه:
أحدها: ما إذا أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» وأقرّ بالعين المدّعى بها لشخص ثالث ، وفيه فرضان:
الفرض الأوّل: ما إذا أقرّ بها لشخص حاضر وصدّقه الحاضر في ذلك الإقرار وملكيّة المدّعى بها . وفي هذا الفرض يكون الحاضر المقرّ له هو المدّعى عليه . والوجه فيه ليس مجرّد الاقرار له، خصوصاً بعدما تقدّم في الجواب بالإقرار من أنّ الإقرار لا يؤثّر إلاّ في الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ مالكاً ، وأمّا ثبوت الملكيّة للمقرّ له فلا يتحقّق بمجرّد الإقرار ، خصوصاً مع احتمال التباني بينهما .
فالوجه في صيرورته مدّعى عليه هو: تصديق المقرّ له للمقرّ في أنّه المالك دون المدّعي كما هو غير خفي . فحينئذ له إقامة الدعوى عليه أي على المقرّ له ، فإن تمّت دعواه وصار ماله إليه ، فلا يستحقّ شيئاً آخر; لأنّه بعد وصول ماله إليه بعينه وخصوصيّته لا مجال لتوهّم استحقاق شيء آخر كالغرامة ونحوها .
هذا وإن لم يصل ماله إليه لأجل عدم تمامية دعواه ، فله الدعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة بإقراره مال المدّعى بادعائه للغير واعترافه بأنّه المالك دون المدّعي .
وفي المتن أنّه يجوز له البدأة بالدعوى على المقرّ فان ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وظاهره الجواز مطلقاً ولو مع تمكّنه من المرافعة مع المقرّ له ، واحتمال إمكان إثبات حقّه; مع أنّه يجري في هذه الصورة وجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: الجواز، كما هو ظاهر المتن وهو الأقوى ، نظراً إلى أنّه حال بينه
(الصفحة 217)
وبين ماله ، فله إثبات ذلك وتغريمه .
الوجه الثاني: عدم الجواز ، لعدم معلومية أنّ المقرّ فوّت مال المدّعي .
الوجه الثالث: التفصيل بين الصورة المشقّة في المراجعة مع المقرّ له ، أو ظنّ عدم إمكان إثبات حقّه عليه ، أو ظنّه عدم إمكان المرافعة مع المقرّ له لو قدّم المرافعة معه ، وبين غير هذه الصور ، فيجوز في الاُولى دون الثانية ، ولكن الأقوى هو الأوّل كما عرفت . فان ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، ولكن لا ينتفي معه جواز الرجوع إلى المقرّ له إذا تعلّق غرض المدّعي بالخصوصيّة وعينه الشخصية ، فإن ثبت دعواه عليه يأخذ ماله ، ولابدّ حينئذ من ردّ الغرامة إلى المقرّ ; لعدم إمكان الجمع بين المبدل والبدل ، كما قد حقّق ذلك في بدل الحيلولة في مكاسب الشيخ الأعظم (قدس سره)(1)وغيره .
الفرض الثاني: ما إذا أقرّ به المدّعى عليه لشخص غائب ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه يلحقه حكم الدّعوى على الغائب ، فحينئذ له إقامة البيّنة على إثبات حقّه ، فإن أقامها يدفع إليه ماله بلا كفيل أو معه على القولين ، والغائب على حجّته إذا قدم .
ثانيها: ما إذا أجاب المدّعى عليه بأنّ العين التي في يده ويدّعيها المدّعي ليست له ، بل هي مجهول المالك وأمره إلى الحاكم ، فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكية في صورة عدم التّعارض مقبولة; لأنّها الدّعوى بلا معارض ، فهي مقبولة وتردّ العين إليه فهي ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها يستحلف المدّعى عليه إن ادّعى العلم بعدم كون المدّعي مالكاً ، وأنّ مالكه الواقعي ـ الذي هو غير المدّعي ـ مجهول . وفي غير
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم الأنصاري) 16 / 257 ـ 270 .
(الصفحة 218)
هذه الصورة نفى البعد في المتن عن إرجاع الحاكم الحلف عليه ، ومنشأه أنّ أمر مجهول المالك بيد الحاكم .
ثالثها: ما إذا قال المدّعى عليه للمدّعي: إنّه ليس لك ، بل وقف للعلماء مثلا أو الفقراء ، أو مشهد من المشاهد المشرّفة . فتارة لا يدّعي التولية على العين الموقوفة بقوله لنفسه ، واُخرى يدّعيها كذلك .
ففي الصورة الاُولى مع عدم إقامة البيّنة ـ كما هو المفروض ـ يرجع أمر هذه العين إلى الحاكم ; لإقرار ذي اليد بكونها موقوفة ، ولا يدّعي التولية لنفسه ، فيكون أمرها راجعاً إلى الحاكم .
وفي الصورة الثانية يكون المدّعى عليه مدّعياً للتولية ، والدعوى تتوجّه إليه من هذه الحيثية ، لكن إذا توجّه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف المتولّي ، وحلف في هذه الصّورة ، سقطت دعوى المدّعي على أصل الملكيّة; لأنّ ثبوت التولية يستلزم ثبوت الوقف ، ومعناه عدم كون المدّعي مالكاً له بالملك الشخصي .
رابعها: ما إذا قال المدّعى عليه: إنّه لصبيّ أو مجنون . وفي هذه الصورة إن ادّعى الولاية لنفسه فالحكم فيه حكم صورة ادعائه التولية في الصورة السّابقة ، وإن نفى الولاية عن نفسه فالحكم فيه أيضاً حكم الصورة السابقة فيما إذا لم يدّع التولية بوجه .
وينبغي أن يعلم أنّ ما تقدّم من شرائط سماع الدعوى المتعدّدة المتكثّرة إنّما يلاحظ بالإضافة إلى المدّعي ، وأمّا بالنسبة إلى المدّعى عليه فلا يلزم وجود الشرائط المتقدّمة; ولذا تقبل المخاصمة والترافع في أمثال المقام ، وقد تقدّم أنّ من أقسام الجواب هو الجواب بالإقرار ، مع أنّه في صورة الإقرار لا يتوجّه نفع الى المدّعى عليه ، خصوصاً بعد حكمهم بأنّه إذا كان المقرّ به عيناً خارجية تؤخذ من يد
(الصفحة 219)مسألة 7: لو أجاب المدّعى عليه بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي ، أو أخذ المدّعى به مني ، أو وهبني أو باعني أو صالحني ونحو ذلك ، انقلبت الدعوى وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً ، والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم1.
المدّعى عليه المقرّ وتردّ إلى المدّعي المقرّ له ، وإن ناقشنا في ذلك بأنّ الإقرار لا يقتضي أكثر من تحقّق الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ به مالا للمقرّ ، وأمّا ثبوت الملكية للمدّعي فيحتاج إلى أمر آخر زائد على الإقرار، مثل البيّنة ونحوها، فتدبّر .
1 ـ هذا هو قسم من جواب المدّعى عليه ، وهو يرجع إلى الإقرار بأنّه كان ملكاً له سابقاً ، غاية الأمر تحقّق الإبراء أو الأخذ بالإضافة إلى الدين أو الهبة أو البيع أو الصلح بالإضافة إلى العين ، ومن المعلوم أنّ هذه أمور حادثة يحتاج إثباتها إلى الادّعاء ، والمدّعي في هذه الجهة يكون هو المدعى عليه ، ففرق بين أن يقول المدّعى عليه في مقام جواب المدّعي بأنّ له ديناً عليه : بأنّ ذمّتي ليست مشغولة بك ، أو أن يقول: بأنّك أبرأتني منه ، ففي الأوّل يكون المدّعي ، عليه الإثبات ، وفي الثاني يكون على المدّعى عليه الإثبات . والفرض أنّ القاضي لا يكون عالماً بالحال بوجه .
وقد تقدّم أنّ في بعض الروايات قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد حصر القضاء بالبيّنات والأيمان: «وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً ، فإنّما قطعت له به قطعة من النّار»(1)، ومن هنا يعلم أنه إذا لم يتمكّن المدّعى عليه من إثبات الإبراء ونحوه يجوز له أن يقول: بأنّ ذمّتي لا تكون مشغولة لك
- (1) الكافي: 7 / 414 ح1 ، التهذيب: 6 / 229 ح552 ، معاني الأخبار: 279 ، الوسائل: 27/ 232 ، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .