(الصفحة 222)
بعض روايات الحلف ، وقد عرفت الرواية المشتملة على خطاب الله تعالى إلى بعض الأنبياء بقوله تعالى: «وأضفهم إلى اسمي»(1) فإنّ الحلف بالجلالة مصداق كامل لذلك ، كما أنّه قد فرّع عليه فيها فحلّفهم به .
ثانيهما: عدم صحّة الحلف بغير الله تعالى من الأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة ، كالكعبة والمشاهد المشرّفة وغيرها; لخروجه عن عنوان الحلف بالله تعالى ، ويمكن استفادة عدم الجواز من مثل:
صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّوجلّ:
{وَالّيل إذا يَغشَى}(2)
{وَالنَّجم إذَا هَوَى}(3) وما أشبه ذلك . فقال: إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(4) .
إنّما الإشكال بل الخلاف في غيرهما من الصور:
الاُولى: ما إذا حلف بأسمائه الخاصّة به كالأمثلة المذكورة في المتن ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له ، وإن كان بغير لفظ الجلالة .
الثانية: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة بينه وبين غيره ، ولكن الانصراف العرفي يخصّها إليه تعالى كالرازق والخالق ، والظاهر صحّته وشمول الحلف بالله له; للانصراف المذكور على ما هو المفروض .
- (1) الكافي: 7 / 414 ـ 415 ح2 ـ 4 ، التهذيب: 6 / 328 ح550 و551 ، الوسائل: 27/ 229 ـ 230 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 ـ 3 .
- (2) سورة الليل 92: 1 .
- (3) سورة النجم 53: 1 .
- (4) الكافي: 7 / 449 ح1 ، التهذيب: 8 / 227 ح1009 ، الوسائل: 22/ 343 ، أبواب الإيلاء ب3 ح1، وج23 / 259 ، كتاب الأيمان ب30 ح3، وج27 / 303 ، أبواب كيفيّة الحكم ب34 ح1 .
(الصفحة 223)مسألة 2: لا فرق في لزوم الحلف بالله بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد بالله أو يجحده، ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «الله» ، ولو رأى الحاكم أنّ احلاف الذمّي بما يتقضيه دينه أردع ، هل يجوز الاكتفاء به كالاحلاف بالتوراة التي أنزلت على موسى (عليه السلام)؟ قيل: نعم، والأشبه عدم الصحّة ، ولا بأس بضمّ ما ذكر إلى اسم الله إذا لم يكن أمراً باطلا1.
الثالثة: ما إذا حلف بالأوصاف المشتركة ، لكن مع عدم الانصراف العرفي إليه تعالى ، بل مع الضميمة الموجبة للاختصاص، كالعالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء ، وعنوان واجب الوجود ، فإنّ الإضافة توجب الاختصاص به تعالى ، والظاهر أيضاً صحّته وشمول الحلف بالله له; لأنّه بعد الانضمام بنحو التوصيف أو الإضافة أو مثلهما لا ينطبق إلاّ عليه تعالى . وممّا ذكرنا بان أنّ المثال الأخير المذكور في المتن للصورة الاُولى ، وهو «الأول الذي ليس قبله شيء» من مصاديق هذه الصورة لا من أمثلة الصورة الاُولى ، ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ رعاية كمال الاحتياط تقتضي عدم الحلف بغير لفظ الجلالة كما في المتن .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
المقام الأوّل: في إحلاف اليهودي والنصراني ومثلهما ممّن يعتقد بالله وبنبوّة غير نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقد وردت فيه طائفتان من الروايات:
الطائفة الاُولى: وهي أكثرها ما دلّ على عدم جواز حلفهما بغير الله امّا بنحو العموم والإطلاق، كصحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّه ليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به ، أو بنحو الخصوص لعنوانهما في موضوع الحكم، مثل:
(الصفحة 224)
رواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله(1) . الحديث .
ورواية جراح المدائني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحلف بغير الله . وقال: اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّوجلّ(2) .
ورواية سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته هل يصلح لأحد أن يحلّف أحداً من اليهود والنصارى بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحداً إلاّ بالله عزّوجلّ(3) .
ورواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أهل الملل يستحلفون؟ فقال: لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّوجلّ (4) .
الطائفة الثانية: ما يدلّ على جواز حلفهما بغير الله، مثل:
رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديّاً بالتوراة التي أنزلت على موسى (عليه السلام)(5) .
ورواية محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الأحكام؟ فقال: في كلّ
- (1) الكافي: 7 / 451 ح4 ، التهذيب: 8 / 278 ح1013 ، الإستبصار: 4 / 39 ح131 ، الوسائل: 23/ 265 ، كتاب الأيمان ب32 ح1 .
- (2) الكافي: 7 / 451 ح5 ، التهذيب: 8 / 278 ح1014 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح2 .
- (3) الكافي: 7 / 451 ح2 ، التهذيب: 8 / 279 ح1015 ، الإستبصار: 4 / 39 ح133 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح5 .
- (4) الكافي: 7 / 450 ح1 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح3 .
- (5) الكافي: 7 / 451 ح3 ، التهذيب: 8 / 279 ح1019 ، الإستبصار: 4 / 40 ح135 ، الوسائل: 23/ 266 ، كتاب الأيمان ب32 ح4 .
(الصفحة 225)
دين ما يستحلفون به(1) .
ورواية محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى عليّ (عليه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملّته(2) . وغير ذلك من الروايات المتقدّمة .
والإنصاف أنّ الجمع بين الطائفتين بنحو يخرجهما عن موضوع التعارض غير ممكن ، مثل ما حكاه في الوسائل عن الشيخ بعد نقل رواية السّكوني: من أنّه حمله الشيخ على أنّه مخصوص بالإمام إذا رأى ذلك أردع لهم . قال: وإنّما لايجوز لنا; لأنّا لا نعرف ذلك ، وإذا عرفنا جاز أيضاً لنا . انتهى .
ثمّ قال: وحمله بعض أصحابنا على من يرى الحلف بذلك ، ولا يعتقد الحنث في الحلف بالله ، ومثل غيرهما من وجوه الجمع .
فالظاهر ثبوت التعارض والرجوع إلى الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجحات ، على ما استفدناه من مقبولة ابن حنظلة المعروفة ، ولعلّه لأجل ذلك جعل الأشبه في المتن عدم الاكتفاء بغير الله ، وإن كان ضمّه إلى الله لا يضرّ ما لم يكن أمراً باطلا كالاُبوّة لعيسى (عليه السلام) .
المقام الثاني: في حلف المجوس ، وقد عرفت عطفه على اليهود والنصارى في بعض الروايات المتقدّمة في أنّه لابدّ من تحليفه بالله ، ولا يلزم ضمّ مثل قوله: «خالق النور والظلمة» ، لاحتمال كون العقيدة على طبق الوثنيين من المجوس القائلين بثبوت خالق للنور وخالق آخر للظلمة، خلافاً لمثل الشيخ في المبسوط، حيث إنّ
- (1) التهذيب: 8 / 279 ح1017 ، الإستبصار: 4 / 40 ح136 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح7 .
- (2) التهذيب: 8 / 279 ح1017 ، الإستبصار: 4 / 40 ح137 ، الوسائل: 23/ 267 ، كتاب الأيمان ب32 ح8 .
(الصفحة 226)
المحكيّ عنه أنّه قال: إن كان مجوسيّاً حلف والله الذي خلقني ورزقني; لئلاّ يتناول بالله وحده النور ، فإنّه يعتقد النور إلهاً ، فإذا قال: خلقني ورزقني زال الإبهام(1) .
ويرد عليه مع أنّه مخالف لمقتضى إطلاق الروايات التي تقدّم بعضها ، يكون لفظ الجلالة عندهم علماً لخالق النور والظلمة ، ولا يطلق على غيره ، وإن كان لفظ الإله أعمّ .
المقام الثالث: في حلف من لا يعتقد بالله بل يجحده وينكره ، وقد صرّح في المتن بأنّه لابدّ من تحليفه أيضاً بالله ، ويشكل فيما إذا كان الجحد لا باللسان فقط بل بالقلب أيضاً; نظراً إلى أنّه لا يرى وجوداً للمقسوم به فضلا عن عظمته وعلوّ شأنه ، فأيّ أثر يترتّب على حلفه والحال هذه . وحكي عن الشيخ في المبسوط أنّ ثمرة يمينه زيادة الإثم واستيجاب العقوبة(2) ، مع أنّه لا يكون له أيّ ارتباط بباب القضاء وفصل الخصومة الموضوع لاسترداد صاحب الحقّ حقّه ، وعدم جواز الأخذ من غير من عليه الحقّ ، وإن كان ربّما لا يتحقق هذا الغرض كما عرفت في الرّواية النبويّة: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان الخ»(3) .
وكيف كان فهذه العلّة لا تلائم باب القضاء بوجه ، ويحتمل قويّاً سقوط الحلف في هذه الصورة ، وردّ الحاكم الحلف إلى المدّعي لو كان معتقداً بالله ، كما لا يخفى ، ولا ينافيه قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»(4) بعد الانصراف إلى المعتقد بالحلف، كما لا يخفى .
- (1 و 2) المبسوط: 8 / 205 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 232، أبواب كيفيّة الحكم ب2 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 234، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح1.