(الصفحة 247)
القول في أحكام اليد
مسألة 1: كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء فهو محكوم بملكيته وأنّه له ، سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها ، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أنّه المتولّي يحكم بكونه كذلك ، ولا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك ـ فلو كان شيء في يده يحكم بأنّه ملكه ، ولو لم يتصرّف فيه فعلا ـ ولا دعوى ذي اليد الملكية ، ولو كان في يده شيء فمات ولم يعلم أنّه له ولم يسمع منه دعوى الملكية يحكم بأنّه له وهو لوارثه ، نعم يشترط عدم اعترافه بعدمها ، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أنّه له ، فإن اعترف بأنّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا ، يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمور:
الأمر الأوّل: في المراد من اليد التي هي عبارة عن الجارحة المخصوصة في مقابل الرجل ، والمراد منها معناه الكنائي ، وهو الاستيلاء الواقعي والسلطة الخارجيّة المختلف بحسب الأشياء والأشخاص ، فالاستيلاء على الخاتم إنّما هو بكونه في
(الصفحة 248)
اصبعه أو في يده أو في جيبه أو في صندوقه ، وعلى الثوب بنحو آخر ، وعلى الدار بنحو ثالث ، وعلى الدكان والأراضي بنحو رابع ، وعلى المملكة بنحو خامس وهكذا ، ففي الحقيقة أنّ نفس الاستيلاء وإن كان أمراً إعتباريّاً ، لأنّ الواقع في الخارج إنّما هو التصرّف الفعلي، إلاّ أنّ مبدأه ومنشأه يكون من الواقعيات غير الاعتبارية، كالفوقية حيث أنّها وإن كانت أمراً اعتبارياً ; لأنّ الواقع في الخارج إنّما هو السقف مثلا ، إلاّ أنّ الفوقية لا تتصوّر بدون مثل السقف الذي هو أمر تكويني .
ودعوى أنّ اليد بهذا المعنى تارةً تكون مسببة عن الملكية ، كما في موارد البيع والصلح ونحوهما ، واُخرى تكون سبباً لحصولها ، كما في باب الحيازة .
مدفوعة بأنّه إن كان المقصود أنّ اليد عبارة أخرى عن الملكية التي هي أمر اعتباري ، فيردّه أنّ المراد باليد ليس هي الملكية ، وإن كان المراد انحصار دائرة اليد بموارد ثبوت الملكية فمن الواضح خلافه; لأنّه ربّما يتحقّق غصباً .
فالحقّ انّه لا مجال للمناقشة في أنّ المراد باليد نفس الاستيلاء الخارجي بالنحو الذي ذكرنا ، ففي الحقيقة يكون المراد به وبالاستيلاء المتحقّق في باب الغصب واحداً ، غاية الأمر أنّ الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً ، وهنا تكون اليد الموضوعة في قاعدة اليد ، وأمارتها هو الاستيلاء على أمر يكون مشكوك الملكية ومثلها ، فانّ اعتبار الأمارة إنّما هو بالاضافة إلى موارد الشك، كما لايخفى .
الأمر الثاني: في مدرك هذه القاعدة ومستندها وهو ثلاثة أمور:
الأوّل: بناء العقلاء من جميع الملل والاُمم من غير فرق بين المتدينين منهم وغيرهم على اعتبار اليد ، وكونها أمارة عندهم لملكية صاحبها ، ولا ارتياب في ثبوت هذا البناء وتحقّق هذه السيرة ، والظاهر أنّ الوجه في ثبوت الأمارية عندهم ليس استحالة أن يكون للعقلاء تعبّد في أمورهم حتى تمنع الاستحالة; لاحتمال أن
(الصفحة 249)
يكون ذلك عندهم بنحو الأصل ، لأجل تحقّق اختلال النظام وعدم انتظام السوق بدونه; ولذا ذكر المحقّق الخراساني في الكفاية: أنّه يحتمل أن تكون أصالة الحقيقة مجعولة تعبّداً لا من باب أصالة الظهور ، التي هي أمارة على المراد عند العقلاء(1) ، بل الوجه في اعتبار اليد كونه أمارة عندهم على الملكية ، ومرجع الأمارية إلى عدم ترتيب الأثر على احتمال الخلاف; لكونه ملغى عندهم ولا يعتنون به ، كما أنّ مرجع الأصل إلى ترتيب آثار الملكية مع ثبوت احتمال الخلاف ، وعدم كونه ملغى لديهم .
هذا ، ولو فرض افتقار حجية السيرة العقلائية في الشريعة إلى إمضاء الشارع وتأييده ، ولم نقل بكفاية عدم ثبوت الردع نقول: إنّ الروايات المتكثّرة الآتية إن شاء الله تعالى كافية في مقام الإمضاء ، وإن كانت بنفسها دليلا مستقلاًّ لدلالتها على اعتبار اليد ، وإن لم تثبت السيرة العقلائيّة على وفقه بل ثبتت على خلافه، كما لايخفى .
الثاني: الإجماع المحقّق والاتّفاق المسلّم على اعتبار اليد قولا وفعلا(2) ، وهذا الإجماع وإن كان ممّا لا مناقشة فيه إلاّ أنّه لا يصلح أن يكون حجّة برأسه ، ودليلا مستقلاًّ في مقابل سائر الأدلّة ; لأنّه يحتمل قويّاً استناد المجمعين إلى سائر الوجوه ، خصوصاً الروايات ، فلا أصالة للإجماع بوجه، كما لايخفى .
الثالث: الروايات الكثيرة الدالّة على اعتبار اليد ، وهي على ثلاث طوائف :
الطائفة الاُولى: ما هي ظاهرة في الاعتبار بنحو الأمارية ، مثل:
موثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل ، أو
- (1) كفاية الاُصول: 323 ـ 324 .
- (2) رياض المسائل: 9 / 386 .
(الصفحة 250)
رجل قبل المرأة ، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .
والمناقشة في سندها بعد كونها موثّقة غير واردة ، كما أنّ دلالتها على اعتبار الاستيلاء واليد وكونها طريقاً إلى ثبوت الملك واضحة ، فإنّ الحكم باختصاص متاع النّساء بهنّ إنّما هو لأجل كون ذلك أمارة على يدها ، فهو أمارة على الأمارة ، كما أنّ اشتراكهما فيما كان مشتركاً بينهما إنّما هو لأجل كشف ذلك عن ثبوت اليد لهما ، وأصرح من الجميع قوله (عليه السلام) في الذيل: «ومن استولى على شيء منه فهو له»، حيث إنّه يدلّ بأعلى ظهور على أنّ الاستيلاء دليل على الملكية ، وليس المراد أنّ الإستيلاء موجب لتحقّق الملكية ـ كما أنّ الحيازة مثلا موجبة لتحقّق الملكيّة ـ حتى يورد عليه بتحقّق الاستيلاء في باب الغصب ، بل ليس حقيقته إلاّ الاستيلاء على مال الغير عدواناً، وربّما لا يتحقّق التصرّف من الغاصب أصلا ، كما أنّه ربّما يكون التصرّف المحرّم غصباً ، ولذا ذكر سيّدنا المحقّق الاستاد البروجردي قدّس سرّه الشريف في مجلس درسه مكرّراً: أنّ اتّحاد الصلاة مع الأمر المحرّم في مثال اجتماع الأمر والنهي إنّما هو اتحاد الصلاة مع التصرّف المحرم ، وإلاّ فالصلاة لا تتحد مع عنوان الغصب وحقيقته بوجه ، وعلى هذا يكون الغاصب المتصرّف مرتكباً لمحرّمين، بخلاف الغاصب فقط أو المتصرّف كذلك .
وفي الرواية إشكالان آخران:
أحدهما: عدم تعرّض الرّواية لما كان متاع الرجال فقط، كالميزان على ما في بعض الروايات الاُخر التي ستجيء إن شاء الله تعالى .
- (1) التهذيب: 9 / 302 ح1079 ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3 .
(الصفحة 251)
ويدفعه أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل كون التعرّض للقسمين الآخرين كافياً ومغنياً خصوصاً بعد بيان الملاك والضابطة في الذيل بقوله: «ومن استولى على شيء» الخ .
ثانيهما: ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه الشريف: من أنّ غاية مفادها ترتيب آثار الملكية لما تحت يد شخص من دون تعرّض إلى أنّ اليد طريق إلى الملكية أم لا، فقوله (عليه السلام): «من استولى على شيء منه فهو له» لا يدلّ إلاّ على ترتيب آثار الملكية على ما استولى عليه ، وهذا المعنى أعمّ من الأماريّة والأصليّة ، ويجتمع مع كلّ واحد منهما ، فلا يمكن إثبات خصوص أحدهما بها ، حتى إنّ جواز الحلف والشهادة اللذين أخذ العلم في موضوعهما على نحو الطريقيّة مستنداً إليها لا ينافي أصليّتها ، لأنّ الأصول التنزيلية أيضاً مثل الأمارات تقوم مقام العلم الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية ، فمن هذه الجهة أيضاً لا فرق بينهما(1) .
وأجبنا عن هذه المناقشة في كتابنا في القواعد الفقهية المشتمل على عشرين قاعدة; بما يرجع إلى أنّ تشخيص المراد من الروايات موكول إلى العرف ، فانّه الحاكم في هذا الباب ، ومن الواضح أنّه لو كان شيء عند العقلاء يعامل معه معاملة الطريقية ، فإذا ورد في كلام الشارع ترتيب الأثر عليه ، فلا محالة يفهم من ذلك الكلام أنّ الشارع اعتبره على النحو الذي يعتبره العقلاء ، فحينئذ كان الاستيلاء على شيء موضوعاً عند العقلاء للحكم بالملكية ، وترتيب آثارها عليه بنحو الأمارية والطريقية ، فإذا وقع في كلام الشارع الملقى إلى العرف لا يجري فيه احتمال كون الحكم بترتيب آثار الملكية عند الشارع بنحو الأصلية ، ويؤيّده جواز الحلف
- (1) القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي: 1 / 115 و 114 .