(الصفحة 251)
ويدفعه أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل كون التعرّض للقسمين الآخرين كافياً ومغنياً خصوصاً بعد بيان الملاك والضابطة في الذيل بقوله: «ومن استولى على شيء» الخ .
ثانيهما: ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه الشريف: من أنّ غاية مفادها ترتيب آثار الملكية لما تحت يد شخص من دون تعرّض إلى أنّ اليد طريق إلى الملكية أم لا، فقوله (عليه السلام): «من استولى على شيء منه فهو له» لا يدلّ إلاّ على ترتيب آثار الملكية على ما استولى عليه ، وهذا المعنى أعمّ من الأماريّة والأصليّة ، ويجتمع مع كلّ واحد منهما ، فلا يمكن إثبات خصوص أحدهما بها ، حتى إنّ جواز الحلف والشهادة اللذين أخذ العلم في موضوعهما على نحو الطريقيّة مستنداً إليها لا ينافي أصليّتها ، لأنّ الأصول التنزيلية أيضاً مثل الأمارات تقوم مقام العلم الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية ، فمن هذه الجهة أيضاً لا فرق بينهما(1) .
وأجبنا عن هذه المناقشة في كتابنا في القواعد الفقهية المشتمل على عشرين قاعدة; بما يرجع إلى أنّ تشخيص المراد من الروايات موكول إلى العرف ، فانّه الحاكم في هذا الباب ، ومن الواضح أنّه لو كان شيء عند العقلاء يعامل معه معاملة الطريقية ، فإذا ورد في كلام الشارع ترتيب الأثر عليه ، فلا محالة يفهم من ذلك الكلام أنّ الشارع اعتبره على النحو الذي يعتبره العقلاء ، فحينئذ كان الاستيلاء على شيء موضوعاً عند العقلاء للحكم بالملكية ، وترتيب آثارها عليه بنحو الأمارية والطريقية ، فإذا وقع في كلام الشارع الملقى إلى العرف لا يجري فيه احتمال كون الحكم بترتيب آثار الملكية عند الشارع بنحو الأصلية ، ويؤيّده جواز الحلف
- (1) القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي: 1 / 115 و 114 .
(الصفحة 252)
والشهادة مستنداً إلى اليد ، فإنّ الاكتفاء فيه بالأصول التنزيليّة على حسب اصطلاحه محل كلام واختلاف، كما بيّن في محلّه ، مع أنّه لم يختلف أحد في جواز الحلف والشهادة في المقام، وهذا يكشف عن عدم كونه من تلك الأصول ، بل من الأمارات(1) ، فتدبّر جيّداً .
ومنها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، التي رواها الكليني بطريقين والشيخ بأسانيد متعدّدة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألني هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما ، فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها فادعاه الرجل وادعته المرأة بأربع قضايا . فقال: وما ذاك؟ قلت: أمّا أوّلهنّ: فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال: إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً [يدّعيان جميعاً](2) بينهما نصفان .
ثمّ قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدّعية ; فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء ، الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه(3) ، ماتت امرأة منّا ولها زوج ، وتركت متاعاً فرفعته إليه ، فقال: اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجال والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فهو لك .
فقال (عليه السلام)لي: فعلى أيّ شيء هو اليوم؟ فقلت: رجع ـ إلى أن قال بقول إبراهيم
- (1) القواعد الفقهية: 1 / 369 ـ 370 .
- (2) من الوسائل ، وفي التهذيب ج9; ممّا يدّعيان جميعاً ، وفي الاستبصار: ممّا يتركان .
- (3) في الكافي: لم أردّه عليه .
(الصفحة 253)
النخعي ـ أن جعل البيت للرّجل ، ثمّ سألته (عليه السلام) عن ذلك ، فقلت: ما تقول أنت فيه؟ قال: القول الذي أخبرتني: أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه . فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ فقلت: شاهدين .
فقال: لو سألت من بين لابتيها ـ يعني الجبلين ونحن يومئذ بمكّة ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به ، وهذا المدّعي فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة(1) .
لا مجال للإشكال في الرواية من جهة السند ، كما أنّ متنها يؤيّد كونها من الإمام (عليه السلام) ،كما أنّ دلالتها ظاهرة واضحة لدلالتها على اختصاص متاع البيت بالمرأة ، وأنّ الرجل هو المدّعي إن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة ، معلّلا بوضوح «أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها، فهي التي جاءت به» فمفادها أنّ المرأة مستولية على متاع البيت; والاستيلاء كاشف عن كونها مالكة ، فيجب على الزوج إقامة البيّنة ، والمرأة مع عدمها لايجب عليها إلاّ اليمين ، فدلالة الرواية واضحة .
ومن هذه الطائفة رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به(2) .
ورواية جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل وَجد في منزله ديناراً . قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير . قال: هذا لقطة . قلت: فرجل وجد في
- (1) الكافي: 7 / 130 ح1 ، التهذيب: 6 / 297 ـ 298 ح829 ـ 831 وج9 / 301 ح1078 ، الإستبصار: 3 / 44 ـ 46 ح149 ـ 151 ، الوسائل: 26 / 213 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح1 .
- (2) الكافي: 5 / 138 ح1 ، التهذيب: 6 / 390 ح1169 ، الوسائل: 25 / 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
(الصفحة 254)
صندوقه ديناراً . قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا . قال: فهو له(1) .
ورواية دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه سئل عن الورق توجد في الدار؟ فقال: إن كانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خراباً فسبيلها سبيل اللقطة(2) .
الطائفة الثانية: من الروايات ما يدلّ على حجّية اليد واعتبارها من غير دلالة على كونها أمارة ، مثل:
رواية محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام): رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ، ويعطل هذه الرحى ، أله ذلك؟ فوقّع (عليه السلام): يتّقي الله ، ويعمل في ذلك بالمعروف ، ولا يضرّ أخاه المؤمن(3) .
وربّما يقال: بعدم دلالة هذه الرواية على اعتبار اليد بوجه ، ولا ينبغي أن تعدّ الرواية في رديف الأدلّة على اعتبار اليد ، مع أنّه من الواضح أنّ السؤال ليس بلحاظ كون الرجل الأوّل مالكاً للرحى ، بل بلحاظ كونه مستولياً عليها في مدّة من الزمان ، مع احتمال عدم الملكية، كما في سائر موارد ثبوت اليد، فثبوتها له إنّما هو باعتبار اليد ضرورة أنّه لم يكن مجال للسؤال مع الملكية الثابتة من غير طريق اليد .
- (1) الكافي: 5 / 137 ح3 ، التهذيب: 6 / 390 ح1168 ، الفقيه: 3 / 187 ح841 ، الوسائل: 25 / 446 ، كتاب اللقطة ب3 ح1 .
- (2) دعائم الإسلام: 2 / 497 ح1774 ، مستدرك الوسائل: 17 / 128 ، كتاب اللقطة ب4 ح1 .
- (3) الكافي: 5 / 293 ح5 ، التهذيب: 7 / 146 ح647 ، الفقيه: 3 / 150 ح659 ، الوسائل: 25 / 431 ، كتاب إحياء الموات ب15 ح1 .
(الصفحة 255)
ورواية العيص بن القاسم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك ادّعى انّه حرّ ، ولم يأتِ بيّنة على ذلك ، اشتريه؟ قال: نعم(1) .
ومثلها رواية حمزة بن حمران ، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أدخل السوق وأريد اشتري جارية ، فتقول: إنّي حرّة . فقال: اشترها إلاّ أن يكون لها بيّنة(2) .
وما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث فدك ـ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا . قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه مَن تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين . قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبعده، ولم تسئل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال: ـ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر. ورواه الطبرسي في الاحتجاج مرسلا ، والصدوق في العلل عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)(3) . ويمكن أن يقال بإشعار هذه الرواية ، بل دلالتها على أماريّة اليد وكاشفيتها; نظراً إلى قوله (عليه السلام): «فإن كان في يد المسلمين
- (1) التهذيب: 7 / 74 ح317 ، الفقيه: 3 / 140 ح614 ، الوسائل: 18 / 250 ، أبواب بيع الحيوان ب50 ح1 وج23/55 ، كتاب العتق ب29 ح4 .
- (2) التهذيب: 7 / 74 ح318 ، الفقيه: 3 / 140 ح613 ، الكافي: 5 / 211 ح13 ، الوسائل: 18 / 250 ، أبواب بيع الحيوان ب5 ح2 .
- (3) تفسير القمّي: 2 / 156 ، الإحتجاج: 1 / 122 ـ 123 ، علل الشرائع: 190 ـ 191 ح1 ، الوسائل: 27/ 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .