(الصفحة 277)مسألة 4: لو تنازعا في عين مثلا، فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه ، وعلى غير ذي اليد البيّنة ، وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر ، حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف ، فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها ، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف ، وإن كانت بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد ، فيكون منكراً والآخر مدّعياً ، ولو صدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما
أنّ الموجود في العين يستحيل أن يكون مبهماً لا معيّناً; لأنّ الوجود مساوق للتعيّن الذي هو نقيض الإبهام ، وتردّد الشبح الجائي من بعيد بين زيد وعمرو مثلا لا يستلزم الإبهام فيه بحسب الواقع; لأنّه معيّن بحسبه ، غاية الأمر أنّه مجهول لنا ، فالواقع المعيّن مردّد بين كونه زيداً أو عمراً . فالكسر المشاع لا يعقل أن يكون أمراً خارجيّاً ، كما انّه يستحيل أن يكون منتزعاً منه; لأنّ العين التي لا تشوبها شائبة الإبهام لا يعقل أن تكون منشأً لانتزاع اللاّمُعيّن، الخالي عن جميع شؤون التعيّن .
فلابدّ من أن يقال: إنّ الكسر المشاع هو أمر اعتباري يعتبره العقلاء في وعاء الاعتبار الذي هو الذهن ، وإن كان ظرف الاتصاف به هو الخارج ، فالموجود الخارجي متّصف في الخارج بأنّه له نصفان مثلا ، وهذا نظير ما قاله الحكماء: من أنّ اتصاف الماهيّة بالإمكان في الخارج وإن كان العروض في الذهن ، وإلاّ يلزم التسلل ونحوه ، بل الأمر في جميع الاُمور الاعتبارية التي لها مساس بالخارج يكون كذلك ، كالمالكية والمملوكية والزوجية ونحوها ، وقد فصّلنا القول في حقيقة الإشاعة في كتابنا القواعد الفقهية(1) ، من أراد التحقيق أزيد ممّا ذكر فليراجعها .
- (1) القواعد الفقهيّة: 1 / 410 ـ 411 .
(الصفحة 278)يلغى تصديقه ، ويكون المورد ممّا لا يد لهما ، وإن رجع إلى أنّها لهما بمعنى اشتراكهما فيها يكون بمنزلة ما تكون في يدهما ، وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة ، فمن خرجت له حلف ، وإن كذَّبهما وقال: هي لي تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين ، ولو لم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما1.
1 ـ في هذه المسألة التي يكون المفروض فيها تنازع اثنين في عين مثلا تُتصوّر فروض:
الفرض الأوّل: ما إذا كانت العين تحت يد أحدهما فقط ، والحكم فيه أنّه إذا كانت لغير ذي اليد البيّنة يحكم بها له ، وإلاّ فالقول قول ذي اليد بيمينه ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ المورد من موارد المدّعي والمنكر بأيّ معنى اُريد من العنوانين ، سواء وقع التفسير بمن لو ترك ترك ، أو من يكون قوله مخالفاً للأصل الشامل للأمارة ، أو كان المرجع في معناهما هو العرف كما اخترناه سابقاً ، فإنّ المدّعي في جميع التفاسير هو غير ذي اليد والمنكر هو ذو اليد ـ خصوص ما حكاه في الوسائل من تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان جميعاً، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث فدك: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا ، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه مَن تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبعده ، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال: ـ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على
(الصفحة 279)
من أنكر(1) .
والمراد بقوله (عليه السلام): «شيء يملكونه» هو الملكية ادّعاءً ، وإلاّ فمع العلم بذلك لا مجال للدعوى عليه ، كما لايخفى .
وهذه الرواية المعتبرة هي الرواية الوحيدة ظاهراً، الحاكية لقول رسول الله: «من أنكر» بدل من ادّعي عليه ، على ما في إحدى نسختي التفسير المزبور ، كما أنّ التمسّك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله) يدلّ على أنّ المورد من موارد المدّعي والمنكر ، وأنّ على الأوّل البيّنة وعلى الثاني اليمين . وكيف كان فالحكم في هذا الفرض واضح لا ريب فيه .
الفرض الثاني: ما لو كانت العين المتنازع فيها تحت يد كلّ منهما، والظاهر وقوع الكلام فيه في مرحلتين:
المرحلة الاُولى: الحكم بالتنصيف بينهما وعدمه .
والمرحلة الثانية: الافتقار إلى الحلف بالإضافة إلى كلّ منهما وعدمه .
قال المحقّق في الشرائع: لو تنازعا عيناً في يدهما ولا بيّنة ، قضي بها بينهما نصفين ، وقيل: يحلف كلّ منهما لصاحبه(2) .
وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف ، بل ثبوت الإجماع بقسميه بالإضافة إلى المرحلة الاُولى ، مضافاً إلى المرسل العامي النبويّ: أنّ رجلين تنازعا دابّة ليس لأحدهما بيّنة فجعلها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بينهما نصفين(3) . وحكى في الجواهر القول الذي
- (1) تفسير القمّي: 2 / 155 ـ 156 ، وسائل الشيعة: 27 / 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 896 .
- (3) سنن البيهقي: 15 / 398 ح21819 باختلاف .
(الصفحة 280)
حكاه المحقّق عن الأكثر(1) بل المشهور على ما اعترف به في غاية المرام(2) ، بل ذكر أنّ في المسالك والكفاية لم ينقل الأكثر فيه خلافاً(3) . نعم استظهر نفسه عدم ثبوت الحلف عن المحقّق ومحكي الخلاف والغنية والكافي والإصباح(4) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في أنّ الحكم بالنسبة إلى المرحلة الاُولى هو التنصيف بعد ادعاء كلّ منهما ملكية تمام العين ، وكونها في يد كلّ منهما من دون تفاوت ، وعدم ثبوت البيّنة لأحدهما ، فإنّه مع ملاحظة هذه الاُمور لا ترجيح لأحدهما على الآخر بوجه ، والمفروض عدم ادّعاء ثالث بالإضافة إليها ، فلا مجال إلاّ للتنصيف ، ويؤيّده النبويّ المزبور المنجبر بالشهرة بل فوقها ، كما عرفت في كلام الجواهر .
وأمّا بالإضافة إلى المرحلة الثانية ، فالظاهر ابتناء المسألة على كون المورد في هذا الفرض من موارد المدّعي والمنكر حتى يشمله قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»، أو من مصاديق التداعي حتى لا تحتاج إلى الحلف ، ويبتنى ذلك على ما تقدّم في المسألة الثالثة المتقدّمة: من أنّ ثبوت يد اثنين على شيء واحد مرجعه إلى ثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، أو إلى ثبوت يد كلّ منهما على التمام ، وقد اخترنا الأمر الأوّل تبعاً للماتن (قدس سره) ، فعليه يكون المورد من موارد المدّعي والمنكر; لثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، فبالإضافة إلى النصف يكون ذا اليد ، وبالإضافة إلى النصف الآخر يكون مدّعياً; لخروجه عن
- (1) جواهر الكلام: 40 / 403 .
- (2) غاية المرام: 4 / 257 .
- (3) مسالك الأفهام: 14 / 78 ، كفاية الأحكام: 275 .
- (4) الخلاف: 6 / 329 ، غنية النزوع: 444 ، الكافي في الفقه: 440 ، إصباح الشيعة: 531 .
(الصفحة 281)
تحت يده بنظر العقلاء على ما عرفت ، وعلى الاحتمال الآخر ـ الذي ضعّفناه وإن اختاره السيد في ملحقات العروة(1) ، بل أجاز اجتماع مالكين مستقلّين بالنسبة إلى شيء واحد ، كما تقدّم البحث عنه(2) ـ يكون المورد من موارد التّداعي; لأنّ المال في يدهما بأجمعه ، ولا تكون هناك بيّنة ، فيكون بينهما نصفين من دون حاجة إلى الحلف .
ثمّ إنّ السيّد المزبور أفاد في الملحقات أنّ التحقيق: التفصيل بين ما إذا كانت يد كلّ منهما على النصف وبين ما إذا كانت على الكلّ مستقلاًّ ، إذ قد عرفت ـ يعني في كلامه ـ اختلاف الموارد في ذلك. ففي الصورة الاُولى تجري قاعدة المدّعي والمنكر ، إذ يصدق على كلّ منهما أنّه مدع في النصف ومنكر في النصف الآخر ، ولا ينفع كون كلّ جزء يفرض يد كلّ منهما عليه; لأنّها ليست يداً مستقلّة . وفي الصورة الثانية التنصيف; لما ذكر من كونه من التداعي لا المدّعي والمنكر(3) . انتهى موضع الحاجة .
ومراده بالتنصيف هو التنصيف من دون حلف; لما عرفت من أنّ أصل التنصيف ممّا لا ريب فيه ولا خلاف ، ولم يعلم الفرق بين الصورتين بعد كون المفروض في مورد البحث هو ثبوت اليد على التمام بالإضافة إلى كليهما ، ولا يقدح في ذلك ثبوت التقسيم بلحاظ الزمان ، بأن تكون العين بأجمعها في برهة من الزمان كشهر مثلا بيد واحد وفي برهة أخرى بيد آخر; لأنّ المفروض ثبوتها بيدهما جميعاً ، وقد عرفت أنّ العقلاء يحكمون بالثبوت على النصف المشاع . نعم لو تحقّق التقسيم الواقعي ـ كما إذا بدّلت الدار نصفين خارجيين يصير كلّ نصف شيئاً مستقلاًّ ـ يجري عليه حكمه ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .
- (2) في المسألة الثالثة هنا .
- (3) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .