(الصفحة 294)
يصلح للرجال والنساء .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ هذه الرواية لا تنطبق على المدّعى مع الاشتمال على الميزان ، الذي اُريد به مختصّات الرجال مطلقاً، فتدبّر جيّداً .
الثالث:ما أفتى به الشيخ في محكي المبسوط(1) ، وتبعه العلاّمة في محكي القواعد(2) وولده في شرحها(3)، من أنّه إن لم تكن هناك بيّنة فيدُ كلّ واحد منهما على نصفه ، ويحلف كلّ واحد منهما لصاحبه كغير المتاع ممّا يتداعى فيه اثنان مثلا وكان في أيديهما ، سواء كان ممّا يختصّ بالرجال كالعمائم والطيالسة والدّرع والسّلاح ، أو يختصّ بالنساء كالحليّ والمقانع ، أو ما يصلح لهما كالفرش والأواني ، وسواء كان الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما ، وسواء كانت الزوجيّة باقية أو زائلة ، وسواء كانت يدهما عليه من حيث المشاهدة كعمامة أو خلخال ، أو من حيث الحكم وهو الكون في بيت يسكنانه ، وسواء جرت العادة بجهاز مثلها بقدره أم لا ، كلّ ذلك للعمومات الدالّة على أنّ البيّنة لمن ادّعى واليمين لمن ادّعي عليه ، من دون فرق في ذلك بين ما إذا كان المتنازعان الزوجين أو الوارثين أو أحدهما مع الآخر ، وفي الحقيقة لا تكون خصوصية للمقام ، بل يجري حكم غيره ممّا إذا وقع التنازع بالإضافة إلى ما في أيديهما معاً .
والظاهر أنّه لا مجال لهذا القول المبتنى على القاعدة العامّة ، وهي: ثبوت البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه; لوجود روايات خاصّة في المسألة ، وإن كانت متعارضة ولابدّ من علاجها ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
- (1) المبسوط: 8 / 310 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 223 .
- (3) إيضاح الفوائد: 4 / 380 ـ 381 .
(الصفحة 295)
الرابع: ما جعله الشهيد في المسالك قولا رابعاً واختاره(1) ناسباً له إلى المختلف وإلى الشهيد في الشرح(2) وجماعة من المتأخّرين(3) ، قال(4): والمعتمد أن نقول: إنّه إن كان هناك قضاء عرفيّ يرجع إليه وحكم به بعد اليمين ، وإلاّ كان الحكم فيه كما في غيره من الدّعاوى . لنا: إنّ عادة الشرع في باب الدعاوى بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرناه ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل ، وبأنّ المتشبّث أولى من الخارج; لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً ، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدّعي الظاهر ، وأمّا مع انتفاء العرف; فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها . إنتهى موضع الحاجة .
والظاهر أيضاً أنّه لا مجال لهذا القول مع وجود روايات صحيحة في المسألة وإن كانت في بادئ النظر متعارضة ، ويجيء إن شاء الله تعالى علاجها .
والتحقيق أن يقال: إنّه لا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور من جعل المتاع المختصّ بأحدهما له ، وجعل المتاع المشترك بينهما لهما بنحو المناصفة مع الحلف أو بدونه كما إذا نكلا جميعاً; وذلك لوجود روايات صحيحة في المسألة وإن كانت متعارضة; لدلالة صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج على أنّ المتاع المشترك للمرأة; لأنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى زوجها ، وهذا المعنى فوق البيّنة
- (1) مسالك الأفهام: 14 / 138 .
- (2) غاية المراد: 313 (مخطوط) .
- (3) كابن فهد في المهذّب البارع: 4 / 491 والصيمري في غاية المرام: 4 / 268 .
- (4) أي العلاّمة في المختلف: 8 / 409 .
(الصفحة 296)
التي قوامها بشاهدين عادلين ، وإن كان ربّما يستفاد من بعض طرق نقلها المشتمل على استثناء الميزان ـ معلّلا بأنّه من متاع الرجال ـ عدم اختصاص الحكم بالميزان ، بل يجري في سائر مختصّات الرجال كالعمامة والسيف، كما أنّه ربّما يمكن أن يقال: بأنّ في مختصّات النساء يكون الحكم غير ما هو المذكور في الرواية ، لإشعار التعليل بذلك ودلالة روايات متعدّدة فيها الصحيحة والموثقة على ما عرفت ، على أنّ المتاع المشترك بينهما نصفان ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة المعروفة هي الشهرة في الفتوى ، فلابدّ من الأخذ بهذه الروايات الأخيرة; لموافقتها لفتوى المشهور .
نعم فيما إذا كانت هناك يدٌ اختصاصية زائدة على اليد المشتركة البيتيّة يكون المتاع لصاحب اليد; نظراً إلى تقدّمها على تلك اليد، مضافاًإلى دلالة قوله (عليه السلام): «ومن استولى على شيء منه فهو له» بناءً على الاحتمال الذي قوّيناه في معنى هذه الجملة من أنّ الضمير يرجع إلى المتاع المشترك . والمراد أنّ من استولى من الزوجين على المتاع المشترك باستيلاء خاصّ زائد على اليد البيتيّة المشتركة فهو له .
ثمّ إنّه لا يبعد أن يقال: بأنّه وإن لم يقع التعرّض في الروايات للزوم الحلف بالإضافة إلى من يقدّم قوله من الزوجين ، أو إليهما في صورة التساوي والحكم بثبوت التنصيف ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كونها متعرّضة لهذه الجهة ، بل الظاهر التعرّض للمدّعي والمنكر الذي من البيّن افتقار المدّعي إلى البيّنة والمنكر إلى اليمين ، نعم في صورة التساوي ونكولهما جميعاً عن الحلف لا محيص عن الحكم بالتنصيف ، كما لايخفى .
ويحتمل أن يكون المتن ناظراً إلى ذلك، حيث يقول: فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما ، بأن يكون الحلف عطفاً على البيتيّة المعدومة لا للعدم .
(الصفحة 297)مسألة 7: لو تعارضت اليد الحالية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة تُقدّم اليد الحاليّة. فلو كان شيء في يد زيد فعلا ، وكان هذا الشيء تحت يد عمرو سابقاً ، أو كان ملكاً له يحكم بأنّه لزيد ، وعلى عمرو إقامة البيّنة ، ومع عدمها فله
ثمّ إنّ ما أفاده تبعاً للمشهور من اختصاص كلٍّ من الزوجين بما يختصّ به كالعمامة والطيالسة للرجال ، والمقانع والحلي للنساء ، لا يتوقّف على أن يكون لكلّ منهما يد مختصة زائدة على اليد البيتيّة المشتركة ، ولا اليد الاستعمالية الانتفاعية زائدة على ما ذكر ، بل يكفي في ذلك اليد المشتركة لدلالة الروايات عليه ، فمجرّد ذلك مع الاختصاص في نفسه يكفي في ذلك ، كما أفاده في المتن .
المقام الثاني: في جريان حكم الزوجين في غيرهما من الشخصين الشريكين في دار مثلا ، كما مَثّل به الماتن (قدس سره) ، أو الطالبين الشريكين في حجرة مثلا وغيرهما من الموارد الكثيرة ، وقد نفى البعد في المتن عن الإلحاق بعد أن ذكر أنّ فيه وجهين . والوجهان هما عبارة عن عدم الإلحاق; لأنّ الروايات واردة في مورد الزوجين ، ولا دليل على إلحاق غيرهما بهما ، والإلحاق إنّما هو لدلالتها على اعتبار اليد المشتركة المقتضية للتساوي ، واليد الاختصاصية الموجبة للاختصاص، من دون أن يكون هناك إشعار بالاختصاص بالزوجين ، وهذا من دون فرق بين أن يكون لغير الزوجين قرابة كالأخ أو الأب ، أو لا يكون كذلك كما في مثال الطّالبين الذي ذكرناه ، فإنّه إذا وقع التنازع بينهما في أمتعة الحجرة المشتركة من الثياب وغيرها ، وكان أحدهما سيّداً مثلا والآخر غير سيّد ، تكون العمامة السوداء للسيّد والعمامة البيضاء لغير السيّد ، واللباس الذي يصلح لأحدهما فقط للصالح وهكذا ، والظاهر أنّ المتفاهم العرفي من الروايات ذلك ، إذ لا يرى للزوجين خصوصية من هذه الجهة ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 298)الحلف على زيد ، نعم لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل ، انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً ، والقول قول عمرو بيمينه ، وكذا لو أقرّ بأنّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه ، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال ، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده ، وأمّا لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك فاليد محكّمة ، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله ، نعم لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشيء كان غصباً من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها ، فالظاهر سقوط يده ، والقول قول ذي البيّنة1.
1 ـ في هذه المسألة فروض:
الفرض الأوّل: ما لو كان الشيء بالفعل تحت يد زيد مثلا ، وكان هذا الشيء سابقاً تحت يد عمرو أو ملكاً له من دون أن يكون هناك شيء زائد على ذلك ، وفي هذا الفرض تقدّم اليد الفعليّة التي هي أمارة على الملكية الفعلية ; لأنّه لا منافاة بينها وبين اليد السابقة التي هي أمارة على الملكية السابقة وكذا بين الملكية السابقة ، فالعلّة في التقدّم هي عدم المنافاة وإمكان الجمع بين الأمارتين ، وكذا بين الأمارة اللاحقة والملكيّة السابقة ، وعليه فالمنكر هو ذو اليد الفعلية ، ويتوجّه عليه اليمين مع عدم البيّنة للآخر ، هذا ما عليه الأكثر(1) .
وعن المحقّق في الشرائع اختيار تقدّم اليد أو الملكية السابقتين(2) ، وعن الإرشاد الميل إليه(3) ، وعن التحرير احتمال التساوي(4) ، وعن الدروس الإقتصار على
- (1) الخلاف: 6 / 342 مسألة 15 ، ونسب القول إلى الأكثر في ملحقات العروة: 3 / 145 مسألة 1 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 899 ، المسألة الخامسة .
- (3) إرشاد الأذهان: 2 / 150 .
- (4) تحرير الاحكام: 2 / 195 .