(الصفحة 343)
الشرائع وجماعة أخرى ذكروا أنّه إن تغيّر بفسق لم يعمل بحكمه(1) ، وفي محكيّ المسالك أنّهم فرّقوا بينه وبين الموت ، بأنّ ظهور الفسق يشعر بالخبث وقيام الفسق يوم يرفع الحكم(2) .
هذا ، ولكنّ الظاهر ـ مضافاً إلى عدم تمامية الإشعار المذكور ، بل مقتضى الاستصحاب بقاء العدالة إلى ظهور الفسق ـ أنّ المفروض وجود العدالة المعتبرة في القاضي حال إنشائه وصدور حكمه ، ولا يكون ظهور الفسق كاشفاً عن عدم العدالة حال الحكم ، لأنّ الفسق والعدالة ليسا بأولى من الإيمان والكفر ، وقد قال الله تعالى:
{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازدَادُوا كُفراً}(3) ، وظاهره تحقّق هذه الأوصاف حقيقة لا مجازاً . وعليه فالعادل الواقعي يمكن أن يصير فاسقاً ، لا أنّ فسقه يكشف عن عدم عدالته سابقاً .
ومنه يظهر بطلان التفصيل بين ما إذا كان ظهور الفسق قبل إنفاذه أو بعده ، فإنّ الظهور قبل الإنفاذ لا يقدح في جوازه أو لزومه بعد تحقّق الخصوصيات المعتبرة حال الإنشاء ، فالأشبه كما في المتن العمل به ، أي صحّة إنفاذه مطلقا من دون فرق بين الظهور قبله أو بعده .
ثمّ الظاهر أنّ مراده أي المحقّق عدم إنفاذ حكمه فيما إذا تغيّر بفسق لا أصل العمل بحكمه ، وإلاّ يلزم أوّلا ما ذكره في الجواهر من اقتضائه بطلان ما وقع من العمل بفتاواه الذي هو أولى بذلك من الحكم، وهو معلوم
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 886 ، قواعد الأحكام: 2 / 217 ، إرشاد الأذهان: 2 / 148 ، الدروس الشرعيّة: 2 / 92 ، مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 216 .
- (2) مسالك الأفهام: 14 / 20 .
- (3) سورة النساء 4: 137 .
(الصفحة 344)مسألة 10: لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ألزمه الحاكم ، ولو أنكر فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه والزم ، وكذا لو كانت على وصف لا ينطبق إلاّ عليه ، وكذا فيما ينطبق عليه إلاّ نادراً ، بحيث لا يعتني باحتماله العقلاءُ وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به ، وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه ، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأنّه هو ، ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم; لكونه من قبيل القضاء بالمبهم ، وفيه تأمّل1.
البطلان(1) . وثانياً عدم لزوم العمل بحكم حاكم أصلا; لاحتمال عروض الفسق له بعد الحكم ، وهو ينافي حكمة مشروعية القضاء ، التي هي فصل الخصومة ورفع التنازع، كما لايخفى .
1 ـ لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه في حكم الأوّل وأنّه المشهود عليه عند الثاني ، فلا إشكال ولا ارتياب في أنّه يلزمه الحاكم الثاني; لقاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ، لثبوت الحكم عند الثاني بالبيّنة وإقراره بأنّه المحكوم عليه والمشهود به . ولو أنكر المحكوم عليه عند الحاكم الثاني أنّه المشهود عليه ففيه صور وفروض:
لأنّه تارةً يشهد الشهود على عينه وشخصه ، وفي هذه الصورة لا يسمع إنكاره لتعلّق الشهادة بعينه وأنّه المحكوم عليه .
واُخرى يشهد الشهود بأوصاف أو بوصف لا تنطبق إلاّ عليه ولا يوصف بها أو به إلاّ هو ، وفي هذه الصّورة أيضاً لا يسمع إنكاره لانحصار المشهود عليه به ، غاية
- (1) جواهر الكلام: 40 / 318 .
(الصفحة 345)
الأمر من طريق الوصف .
وثالثة يشهد على وصف ربما ينطبق على غيره نادراً ، لكنّ الندرة بلغت إلى حدّ لا يكاد يعتني باحتماله العقلاءُ ، بل الانطباق عليه ممّا يُطمَأَن به . ومن الواضح أنّه يعامل العرف والعقلاء معه معاملة العلم ، وإن لم يكن علماً عقلا ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يسمع إنكاره لما ذكرنا .
ورابعة يشهد على وصف قابل للانطباق عليه وعلى غيره ، ولا يكون الانطباق على الغير نادراً ، بل احتمال الانطباق على الغير احتمال عقلائي كالانطباق على المشهود عليه ، وقد احتُمل في هذه الصورة أمران مع التأمّل في الثاني:
أحدهما: أنّه لو كانت للمدّعي بيّنة على أنّ المشهود عليه هو، وإلاّ فيمين المنكر، مثل أصل الدعوى في أنّه إذا لم يكن للمدّعي بيّنة تصل النوبة إلى يمين المنكر ، بمقتضى ما ورد من أنّ «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(1) ، وإن شئت قلت: إنّ مقتضى إطلاقه الشمول لما ذكرنا ، ولا يختصّ بأصل الدّعوى .
ثانيهما: أنّه حيث يكون القضاء التنفيذي على خلاف القاعدة يقتصر فيه على ما لا يكون مبهماً بوجه ، ففي مثل أصل الفرض ممّا لا يكون المشهود عليه مُبيّناً; لأنّ المفروض أنّ الشهود ـ الذين يكونون واسطة في انتقال حكم الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني ـ قد شهدوا على وصف قابل للانطباق على المحكوم عليه الواقعي وغيره ، فمع هذا الإبهام لا مجال لإنفاذ الحكم وإمضائه ، ولكنّه (قدس سره)تأمّل فيه خصوصاً مع استلزامه تضييع الحقوق وعدم استيفاء الحقّ
- (1) وسائل الشيعة: 27 / 234 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح2 و 5 .
(الصفحة 346)
بدون الإنفاذ .
فالظاهر هو الاحتمال الأوّل ، كما أفاده المحقّق في الشرائع حيث قال: ولو أنكر وكانت الشهادة بوصف يحتمل الاتّفاق غالباً ، فالقول قوله مع يمينه ما لم يُقم المدّعي البيّنة(1) .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 886 ـ 887 .
(الصفحة 347)
الفصل الثاني: في المقاصّة
مسألة 1: لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته ، كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره من عين أو دين أو منفعة أو حقّ ، وكان جاحداً أو مماطلا ، وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّية أو كان لا يدري محقّية المدّعي ففي جواز المقاصّة إشكال ، بل الأشبه عدم الجواز ، ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة1.
1 ـ يدلّ على أصل مشروعيّة المقاصّة في الجملة الكتاب والسّنة مع أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز; لأنّها تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فمن الكتاب قوله تعالى:
{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيْكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم}(1) وقوله تعالى:
{فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ}(2) ، وقوله تعالى:
{وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}(3) .
ومن السّنة روايات كثيرة:
- (1) سورة البقرة 2: 194 .
- (2) سورة النحل 16: 126 .
- (3) سورة البقرة 2: 194 .