(الصفحة 369)مسألة 11: لا يجوز التقاص من المال المشترك بين المديون وغيره إلاّ باذن شريكه ، لكن لو أخذ وقع التقاص وإن أثم ، فإذا اقتصّ من المال المشاع صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه ، وإلاّ صار شريكاً مع المديون وشريكه ، فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون؟
الاطمئنان له دخل موضوعي في الحكم بالجواز ، فتدبّر فإنّه لا غرو في ذلك بعد كون المقاصّة على خلاف القاعدة، كما عرفت(1) مراراً .
وأمّا جعل الأحوط الرفع الوجوبي إلى الحاكم ، فهو يغاير ما تقدّم منه في شروط سماع الدعوى من أنّه من جملة الشروط الجزم بالدّعوى(2) ، فكيف يمكن له إقامة الدّعوى مع عدم الجزم بثبوتها ، أو ما يقوم مقام الجزم على ما عرفت في السابق(3)، خصوصاً في الصورة الاُولى؟
وأمّا الإشكال في صورة جهل المديون ولو مع علم الدائن بل ممنوعيته فلما عرفت في شرح المسألة الاُولى من أنّ مورد المقاصّة صورة جحد المديون أو مماطلته ، كما وقع التعبير بالجحد في مورد جملة من الرّوايات المتقدّمة(4) ، خصوصاً مع أنّ المقاصّة أمر على خلاف القاعدة، كما أشرنا إليه مراراً .
ومن فرض المسألة يعلم أنّ الرفع إلى الحاكم في صورة علم الدائن هنا ممكن; لأنّ المدّعي إنّما يدعيه بصورة الجزم ، وقد عرفت صور جواب المدّعى عليه وإنّ من جملتها الجواب بقوله: لا أدري(5) ، ومسائل هذا الجواب فراجع .
- (1) مثل ص347.
- (2 ، 3) في الشرط الثامن وشرحه .
- (4) الوسائل: 17 / 274 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح5 ، 6 ، 10 ، 11 ، 13 .
- (5) في المسألة 4 من مسائل «القول في السكوت . . .» .
(الصفحة 370)الظاهر جوازه مع رضا الشريك1.
1 ـ إذاكان المال مشتركاً بين المديونوغيره فلايجوزالتقاص منه إلاّباذن الشريك; لاستلزامه التصرّف في المال المشترك ، وهو لا يجوز بدون إذن الشريك ، وهو حرام قبل تحقّق القسمة ; لأنّ التقاص متقوّم بالأخذ بقصده ولا يتحقّق بمجرّد القصد . لكن لو ارتكب المحرّم وأخذ المال المشترك بدون إذن الشريك وبقصد التقاص يترتّب عليه مجرّد الإثم ، ولا يكون تصرّفاً في مال الغير المحرّم ، بل تصرّفاً في المال المشترك بدون إذن الشريك ، وهو ليس كالأوّل في الحرمة; لوضوح وجود الفرق بين التصرّف في مال الغير وبين التصرّف في مال نفسه المشترك بينه وبين غيره .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ جواز التقاص من المال المشترك لا يكون مقيّداً بإذن الشريك ، فإنّ جواز المقاصة مطلق ، وإنّما المتوقّف على إذن الشريك جواز التصرّف في المال المشترك .
ثمّ إنّه ذكر أنّه إذا اقتصّ من المال المشترك أي بإذن الشريك بناءً على ما هو ظاهر عبارته ، فإن كان المال المشترك بقدر حقّه أو أنقص منه صار شريكاً لذلك الشريك ، ويترتّب عليه أحكام المال المشترك ، وإن كان أزيد من حقّه تتحقّق الشركة بين أشخاص ثلاثة منهم المقتصّ منه ، فهل يجوز للمقتصّ أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون الشريك أيضاً؟ استظهر الجواز مع رضا الشريك الآخر ، والوجه فيه انّ التقاص إنّما هو للوصول إلى ماليّة ماله; لفرض جحود المديون أو مماطلته ، فإذا فرض أنّ جواز التصرّف في ماله متوقف على إذن المديون ، يلزم نقض الغرض خصوصاً في صورة الجحود; لأنّه لا يكاد يجتمع الجحود مع الإذن في المال المشترك كما لايخفى ، فما استظهره الماتن (قدس سره) من الجواز أي جواز الإفراز مع رضا شريك المديون فقط في محلّه، فتدبّر .
(الصفحة 371)مسألة 12: لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة فلايجوز له التقاص، وكذالوشك في أنّ الغريم جاحد أومماطل لايجوز التقاص1.
مسألة 13: لا يجوز التقاص من مال تعلّق به حقّ الغير كحقّ الرهانة وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه ، وفي مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه2.
1 ـ لا يجوز التقاص مع ثبوت الحقّ ، غاية الأمر منع الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة; لأنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) الدالّة على مشروعية المقاصّة ـ مع كونها على خلاف القاعدة على ما عرفت(2) ـ هي صورة الجحد والإنكار أو المماطلة والمسامحة ، فالمانع عن الأداء إنكار أصل الدين أو الأمر الموجب للتأخير ، وأمّا لو كان المانع هو الحياء أو الخوف أو غيرهما فهو خارج عن مورد أدلّة جواز التقاصّ ، خصوصاً مع الاطمئنان بالأداء على تقدير المطالبة ، وهكذا لو شك في أنّ الغريم جاحد أو مماطل ، واحتمال الأداء على فرض المطالبة ، فإنّه أيضاً خارج عن مورد الأدلّة الدالة على المشروعية .
2 ـ غير خفيّ أنّ التقاص إنّما يكون مورده ما إذا كان المال للمقتص منه ، من دون أن يكون متعلّقاً لحقّ الغير ، فإنّ التقاص من مثله يوجب تضييع حقّ الغير كحقّ الرهانة مثلا ، فإنّ العين المرهونة لابدّ وأن تكون عند المرتهن وثيقة للدين ، بحيث إذا لم يؤدّ المديون دينه لكان استفادة الدين منها للمرتهن ممكنة ، وهذا لا يكاد يجتمع مع المقاصة منها . وكذا المثالان الأخيران ، كثبوت حقّ الغرماء في مال المحجور عليه وثبوت حقّهم في مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه ، فإنّ المقاصّة
(الصفحة 372)مسألة 14: لا يجوز لغير ذي الحقّ التّقاص إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلا عن ذي الحقّ ، فللأب التقاص لولده الصغير أو المجنون أو السّفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته1.
من مال المحجور عليه أو الميت تنافي حقّ الغرماء ، إلاّ أن يقال: إنّه حينئذ يكون كأحد من الغرماء لغرض العلم بأنّه دائن والغريم مديون ، وإن كان بينه وبينهم فرق من جهة أنّ الغرماء عبارة عمّن ثبت عند الحاكم كونه دائناً ، وإلاّ لا يحكم بكونه محجوراً ، أو أنّه لا تفي تركة الميت بديونه ، ولا يعتبر في المقاصة ذلك ، بل لا تحتاج إلى إذن الحاكم مطلقاً أو في بعض فروضها قطعاً ، كما إذا كان للغريم على الغارم أيضاً دَينٌ ، فأراد الغارم الاحتساب عمّا عليه مقاصّة كما لايخفى ، وسيأتي(1) إن شاء الله تعالى .
1 ـ من الواضح أنّ من لا يكون له حقّ على المقتص منه لا يجوز له التقاص ، بل لا يتحقّق عنوان المقاصّة أصلا; لأنّه كعنوان القصاص ممّن لا يكون قاتلا أصلا; لأنّ عنوان التقاص والقصاص والقصّة كلّها من مادّة واحدة يعتبر فيها وقوع عمل شبه العمل الواقع أو حكاية عمل قد وقع . ومن الواضح أنّه مع عدم ثبوت الحقّ بوجه لا يكاد يصدق هذا العنوان .
نعم إذا كان وليّاً شرعياً فيجوز له التقاص بالإضافة إلى المولّى عليه ، فإذا كان للصغير حقّ على غيره وهو يجحد أو يماطل فلأبيه أو جدّه من قبله التقاص للصغير من مال الغريم ، وهكذا بالنسبة إلى الوكيل إذا كانت دائرة توكيله شاملة لمثل التقاص ، وكذا الحاكم في مورد ثبوت الولاية له كالمجنون غير المتصل جنونه
(الصفحة 373)مسألة 15: إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ وإلاّ فبقدره ، وتبرأ ذمّته بمقداره1.
مسألة 16: ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال مَن عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ باذن الحاكم الشرعي ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل ، وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّية وليس لها متولٍّ لا يجوز التقاص لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في
بصغره ، خصوصاً مع أنّ الغرض الأصلي من المقاصة وصول الحقّ إلى ذيه ولو بماليته ، كما مرّ مراراً .
1 ـ إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل على المقتصّ دَينٌ ، ففي المتن أنّه يجوز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقل وإلاّ فبقدره .
ويمكن أن يقال بوقوع التهاتر قهراً من دون افتقار إلى الاحتساب أصلا ، فإذا كان الدين الثابت على المقتص ألف درهم مثلا ، وللمقتص على المقتص منه ألف درهم يتحقّق التهاتر القهري وإن لم يحتسب المقتصّ ، إلاّ أن يقال: إنّه قد لا يكون المقتصّ بصدد التقاص; لأجل عدم اقتضاء شأنه ذلك أو لغيره من الجهات . وقد عرفت(1) أنّ التقاص متقوّم بالقصد كالقصاص ، فإنّه تارةً يقتل القاتل لأجل كونه قاتلا وتارةً يقتل لغير ذلك . وعليه فاللاّزم القول بجواز الاحتساب من دون تحقق التهاتر قهراً ، وعلى أيّ حال أي سواء وقع التهاتر كذلك أو احتسب مقاصّة تبرأ ذمّة المقتص منه بمقداره ، كما لايخفى .