(الصفحة 390)
(الصفحة 391)
القول في صفات الشهود
وهي أمور :
الأوّل : البلوغ ، فلا اعتبار بشهادة الصبي غير المميّز مطلقاً ولا بشهادة المميّز في غير القتل والجرح، ولابشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر، وأمّالوبلغ عشراً وشهد بالجراح والقتل ففيه تردّد ، نعم لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً1.
1 ـ لا إشكال في أنّه لا اعتبار بشهادة الصّبي غير المميّز مطلقا ، ولا بشهادة الصبيّة مطلقا مميّزة كانت أو غير مميّزة ، انّما الإشكال في قبول شهادة المميّز تارة في غير القتل والجرح وأخرى فيهما ، وليعلم قبل الشروع في البحث أنّه لا ارتباط لهذه المسألة بمسألة شرعية عبادات الصبي وعدمها ، وقد تكلّمنا في مسألة شرعية عباداته في كتابنا «القواعد الفقهية»(1) ، واخترنا هناك الثبوت وان كانت التكاليف الالتزامية منتفية عنه ، فيمكن في المقام الجمع بين عدم وجوب اداء الشهادة وإقامتها على الصغير وبين قبول شهادته ، نعم على القول بأنّ الصبي مسلوب
- (1) القواعد الفقهية : 1 / 341 .
(الصفحة 392)
العبارة لا مجال لتوهم قبول شهادته ، وكيف كان فالروايات الواردة في هذا المجال على ثلاث طوائف تقريباً :
الطائفة الاُولى : الروايات الدالّة على عدم قبول شهادة الصبي ما لم يدرك ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال في الصبي يشهد على الشهادة فقال : إنّ عقله حين يدرك أنّه حقّ جازت شهادته(1) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ شهادة الصبيان إذا أشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها(2) .
ونقل في الوسائل(3) رواية عن إسماعيل بن أبي زياد الذي هو السكوني غير هذه الرواية ، مع أنّ الظاهر الاتحاد وعدم التعدّد ، ويظهر من الجواهر(4) عدم اعتبار رواية السكوني مع أنّه ثقة كما عن المحقق في المسائل العزّية(5) ، وعن الشيخ(قدس سره)في العدة(6) أنّ روايات السكوني فيما إذا لم يكن على خلافه الرواية يكون معمولا بها عند الطائفة ، وكيف كان فالظاهر اعتبار الرواية .
وصحيحة محمد بن حمران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الصّبي؟ قال : فقال : لا ، إلاّ في القتل ، يؤخذ بأوّل كلامه ولا يؤخذ بالثاني(7) .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 342 ، كتاب الشهادات ب 21 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 342 ، كتاب الشهادات ب21 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 343 ، كتاب الشهادات ب21 ح4 .
- (4) جواهر الكلام : 41 / 12 .
- (5) الرسائل التسع (المسائل العزية الأولى): 64.
- (6) عدّة الاُصول : 1 / 149 .
- (7) وسائل الشيعة : 27 / 343 ، كتاب الشهادات ب22 ح2 . ورواه صاحب الوسائل في هذا الباب مرّتين ، غاية الأمر أنّ سند أحدهما صحيح والآخر غير صحيح; لوجود «سهل بن زياد» فيه . (المؤلف)
(الصفحة 393)
وصحيحة جميل ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): تجوز شهادة الصبيان؟ قال : نعم ، في القتل يؤخذ بأوّل كلامه ولا يؤخذ بالثاني منه(1) .
الطائفة الثانية : الروايات الدالّة بظاهرها على الجواز مثل :
صحيحة أبي أيّوب الخزّاز قال : سألت إسماعيل بن جعفر: متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ، قلت : ويجوز أمره؟ قال : فقال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره ، وجازت شهادته(2) .
والرواية ـ مضافاً إلى عدم حجّيتها لعدم كون قول ابن الإمام (عليه السلام) حجّة بعد عدم كونه إماماً ، ولا يروي ذلك عن أبيه (عليه السلام) ـ مضطربة; لعدم الارتباط بين السؤال عن أنّه متى تجوز شهادة الغلام ، وبين الجواب بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، بعد كون المرأة في هذه الحالة بالغة خارجة عن حدّ الصغر ، ولا ملازمة بين جواز الدخول بها في هذا السنّ وبين جواز أمر الصبي ، وجواز شهادته في هذه السنّ ، ولعلّ هذا الأمر يدلّ على عدم الصدور من الإمام (عليه السلام) ، كما لايخفى .
وموثّقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الصبي والمملوك؟ فقال: على قدرها يوم أشهد تجوز في الأمر الدون ، ولا تجوز في الأمر الكبير(3) .
ويرد عليها انّها ـ مضافاً إلى التفصيل في شهادة المملوك بين الأمر الدون والأمر الكبير، مع أنّه لايجري فيها بل التفصيل الواقع فيها ـ هو كون الشهادة على المولى أو على غيره كما بيّن في محلّه ، لم يقع فيها التحديد بالإضافة إلى الدون والكبير ، مع انّهما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 343 ، كتاب الشهادات ب22 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 344 ، كتاب الشهادات ب22 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 344 ، كتاب الشهادات ب22 ح5 .
(الصفحة 394)
من الاُمور المتضايفة ، فكلّ دون كبيرٌ بالإضافة إلى ما تحته ودونٌ بالإضافة إلى ما فوقه ، ولذا ذكر بعضهم في تقسيم المعاصي إلى الكبيرة والصغيرة أنّ كلّ معصية صغيرة بالإضافة إلى ما فوقها ، وكبيرة بالإضافة إلى ما تحتها ، وهذا الأمر وان كان يمكن الجواب عنه بالكتاب والسنّة الدالّة على تعداد المعاصي الكبيرة إلاّ أنّه لا يمكن الجواب عنه في المقام ، والتحقيق في محلّه .
وموثّقة طلحة بن زيد ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي(عليهم السلام) قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرّقوا أو يرجعوا إلى أهلهم(1) .
وأورد عليها بأنّ غاية مفادها هو جواز شهادة الصبيان بينهم ما لم يتفرّقوا ويرجعوا إلى أهلهم ، ولا دلالة لها على جواز شهادتهم على غيرهم ، على أنّها لو كانت مطلقة يلزم تقييدها بموارد الشهادة على القتل ، على ما سنبيّنه إن شاء الله تعالى .
الطائفة الثالثة : الروايات الواردة في القتل ، كصحيحتي محمد بن حمران وجميل المتقدّمتين الدالّتين على جواز شهادة الصبيان في القتل .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المستند للتفصيل بين العشر ومن دونه ليس إلاّ صحيحة أبي أيوب الخزاز المتقدّمة التي عرفت انّه لا يجوز الالتزام بمضمونها; لعدم ورودها عن الإمام (عليه السلام) ، وعدم إمكان الالتزام بمضمونها ، وبطلان المقايسة الواقعة فيها ، وفي محكيّ المسالك أنّه نقل عن جماعة(2) ، منهم : الشيخ فخر الدين(3) الاتفاق على عدم قبول شهادة من دون العشر حتى في الدّم ، وانّما الخلاف في من زاد
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 345 ، كتاب الشهادات ب22 ح6 .
- (2) كشف الرموز : 2 / 514 ، المهذّب البارع : 4 / 507 .
- (3) إيضاح الفوائد : 4 / 417 ، لكنّه نقل الاجماع على عدم قبول شهادته في غير القصاص والقتل والجراح .