(الصفحة 397)
ثم إنّ ما يدل على قبول شهادة الصبي انّما ورد في القتل ، كما عرفت التصريح به في الصحيحتين المتقدّمتين ، فالتعدّي إلى الجرح لابدّ وأن يكون بملاك الأولوية ، وقد عرفت منعها وإلاّ فاللازم التعدّي إلى غير الجرح أيضاً أو لأجل الاجماع ، والظاهر عدم ثبوته وذكر بعض الأعلام(قدس سره) : أنّه من الغريب ذهاب المحقّق(1) إلى اختصاص قبول شهادة الصبي بالجراح ، وما عن الدروس(2) والشهيد الثاني في الروضة(3) من اشتراط قبول شهادة الصبي بما إذا لم يبلغ الجرح النفس ، فانّ النصوص خاصّة بالقتل ، فكيف يمكن دعوى اختصاص قبول شهادة الصبيان بغير ذلك(4) .
ثم انّه ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : أنّ ظاهر النصوص والفتاوى اختصاص الحكم بشهادة الصبيان دون الصبية الباقية على مقتضى الاُصول والعمومات الدالّة على عدم قبول شهادتها(5) . ويظهر من المتن ذلك أيضاً ، والوجه فيه أنّه يعتبر في الشاهد ، كما يأتي إن شاء الله تعالى العدالة المفقودة في الصغير قطعاً بل الايمان ، فقبول شهادة الصبي مطلقا مخالف للقاعدة ، إلاّ أنّه قام الدليل في الصبي في الجملة على خلافها كما تقدّم ، ولم يقم الدليل بالإضافة إلى الصبية كما لايخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ جمع الصبي صبيان وجمع الصبيّة صبايا ، والرواية الدالّة على الجواز واردة في الصبيان .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 910 .
- (2) الدروس الشرعيّة : 2 / 123 .
- (3) الروضة البهيّة : 3 / 125 .
- (4) مباني تكملة المنهاج : 1 / 79 ـ 80 .
- (5) جواهر الكلام : 41 / 14 ـ 15 .
(الصفحة 398)الثاني: العقل ، فلا تقبل شهادة المجنون حتى الأدواري منه حال جنونه وامّا حال عقله وسلامته فتقبل منه إذا علم الحاكم بالابتلاء والامتحان حضور ذهنه وكمال فطنته ، وإلاّ لم تقبل . ويلحق به في عدم القبول من غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة أو كان به البله . وفي مثل ذلك يجب الاستظهار على الحاكم حتى يستثبت ما يشهدون به ، فاللازم الإعراض عن شهادتهم إلاّ في الاُمور الجلية التي يعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في التحمل والنقل1.
ومما ذكرنا يظهر النظر فيما في المتن من التفصيل بين العشر وغيره من الترديد في القبول في القتل ، ومن التشريك بين القتل والجرح ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ عدم اعتبار شهادة المجنون المطبق إجماعي بل ضروري من المذهب أو الدين على وجه ، بحيث ـ كما أفاد صاحب الجواهر(قدس سره) ـ لا يحسن من الفقيه ذكر ما دلّ على ذلك من الكتاب والسنّة(1) . وامّا المجنون الأدواري ففي دور الجنون كذلك ، وامّا في حال الإفاقة والسّلامة فمقتضى القاعدة القبول مقيّداً بما إذا علم الحاكم بالابتلاء والامتحان حضور ذهنه وكمال فطنته وإلاّ لم تقبل ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى انّه لا خلاف فيه ولا إشكال كما يظهر من كشف اللثام(2) وبتبعه صاحب الجواهر(قدس سره)(3) ـ أنّه مع عدم العلم لا يجري فيه أصالة عدم الخطأ والإشتباه ، فلابدّ من حصول العلم بحضور الذهن وكمال الفطنة ، ثم اجراء أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، كما لايخفى .
ثم إنّه في المتن الحق بالمجنون الأدواري ـ في عدم القبول إلاّ مع الاستظهار على
- (1) جواهر الكلام : 41 / 15 .
- (2) كشف اللّثام : 2 / 369 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 15 .
(الصفحة 399)الثالث : الايمان ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلا عن غير المسلم مطلقا على مؤمن أو غيره أو لهما . نعم تقبل شهادة الذمي العدل في دينه في الوصية بالمال إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يعتبر كون الموصي في غربة ، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل شهادة الذمّي فيها ، ولا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الايمان ، وهل يلحق به المسلم غير المؤمن إذا كان عدلا في مذهبه؟ لا يبعد ذلك . وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل ، ولا تقبل شهادة الحربي مطلقا . وهل
الحاكم حتى يستثبت ما يشهدون به ـ مَن غلب عليه السهو والنسيان ، وكذا المغفل الذي في جبلته البله ، بحيث ربما استغلط لعدم تفطنه لمزايا الاُمور وخصوصيات الوقائع والحوادث ، والوجه فيه ما ذكرنا من عدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه بالإضافة إلى مثل هذه الأشخاص ، فلابدّ للحاكم الاستظهار للاستثبات ، ومع ذلك فقد فرّع عليه أنّ اللازم الاعراض عن شهادتهم إلاّ في الاُمور الجلية التي لا تخفى على مثلهم أيضاً ، فالتفريع المذكور لابدّ وأن يكون لأجل صعوبة الاستظهار المذكور ، وإلاّ فلا وجه مع الاقتصار في قبول الشهادة على الاُمور الجلية المذكورة للزوم الاستظهار ، ولذا عبّر المحقّق في الشرائع بأنّ الأولى الاعراض عن شهادته ما لم يكن الأمر الجليّ ، إلى آخر كلامه(1) .
فالانصاف عدم ملائمة ما أفاده قبل التفريع مع ما فرّعه عليه ، وما في الشرائع أولى .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
(الصفحة 400)تقبل شهادة كل ملّة على ملّتهم؟ به رواية ، وعمل بها الشيخ (قدس سره)1
.
1 ـ لا خلاف في اعتبار الايمان الذي هو أخصّ من الإسلام ، بل ادّعي عليه الاجماع في كلمات غير واحد(1) ، بل في الجواهر : أنّ ذلك لعلّه من ضروري المذهب(2) ، ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام(قدس سره) بأنّه إن تم الاجماع فهو وإلاّ ففي اطلاق الحكم إشكال ، فانّ غير المؤمن إذا كان مقصّراً فيما اختاره من المذهب فلا إشكال في أنّه فاسق أشدّ الفسق ، وتارك لأهمّ الواجبات الإلهية بغير عذر ، فلا يكون خيِّراً ومرضياً وعادلا كي تقبل شهادته ، بل هو مخزيّ في دينه ، ففي معتبرة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لا يقبل شهادة فحّاش ولا ذي مخزية في الدين(3). وقريب منها روايته الثانية(4) .
وامّاإذاكان قاصراًكماإذاكان مستضعفاًفمقتضى إطلاق عدّة روايات قبول شهادته.
منها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس(5) .
ومنها : صحيحته الاُخرى قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما .(6)(7)
- (1) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع : 4 / 287 ، والصيمري في غاية المرام : 4 / 275 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 160 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 16 .
- (3 ، 4) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح1 و5.
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 394 ، كتاب الشهادات ب41 ح8 .
- (7) وسائل الشيعة : 27 / 387 ، كتاب الشهادات ب39 ح1 .
- (8) مباني تكملة المنهاج : 1 / 80 ـ 81 .
(الصفحة 401)
ويرد عليه أنّ الظاهر يكون المراد من الصحيحة الاُولى الردّ على العامة غير القائلين بقبول شهادة الشيعة وان كانوا في أعلى مراتب العدالة ، وإلاّ فشهادة غير المؤمن مقبولة عندهم ، وكان الغرض أنّه لم لا تقبل شهادة الشيعة إذا علم منهم خير ، ولو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادتهم . ويمكن أن يكون المراد الاكتفاء بشاهد ويمين في مطلق حقوق الناس ، وعليه فالمراد بالرجل هو الرجل الواحد ، وعلى هذا فلا دلالة لها على ما يعتبر في الشاهد ، وظاهر الصحيحة الثانية عدم قبول شهادة العبد المملوك قبل اعتاقه ، مع انّك عرفت في بحث اعتبار البلوغ عدم كون المملوكية مانعة عن قبول الشهادة ، وظاهرها أنّ العبد لا يتّصف بالعدالة ما دام كونه عبداً ، مع أنّ العبودية لا تمنع عن العدالة بوجه .
فالانصاف أنّه لا فرق بين الطائفتين المذكورتين في عدم قبول شهادتهم على المؤمن أو له ، ويؤيّده بل يدلّ عليه عدم ثبوت العدالة الحقيقية إلاّ للمؤمن ولا توجد في غيره ، قال الله تعالى في سورة الطلاق :
{وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) ، غاية الأمر وجوب الإشهاد في باب الطلاق وعدم وجوبه في غيره ، وامّا من جهة صفات الشهود فلا فرق بين المقامين ، لكنّ الذي يشكل الأمر أنّه لو كان اعتبار العدالة التي هي وصف رابع من صفات الشهود كافياً عن اعتبار البلوغ والعقل والايمان لكان اللازم الاقتصار عليه لا ذكرها بعنوان وصف غيرها ، بل بعنوان وصف رابع ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ هنا بعض الروايات التي يتوهم منها قبول شهادة الناصب فضلا عن غيره من المخالفين ، مثل صحيحة عبدالله بن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) :