(الصفحة 405)
من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما(1) .
هذا ، مع كون الرواية مطرحة عند مشهور الأصحاب ، ولا مجال للالتزام بها كما حقّق في محلّه ، فالظاهر أنّ القيد غالبيٌ لا مجال للالتزام به ، وإن كان يشعر به ظاهر الآية الشريفة بلحاظ قوله تعالى :
{إن أنتُم ضَرَبتُم فِي الأَرضِ} ، كما أنّ ظاهره عدم الترتيب ، مع أنّك عرفت أنّ قوله:
{أَو آخَرَان مِن غَيركُم} انّما هو في صورة عدم وجدان الشاهدين من المؤمنين .
ثمّ إنّه لا يلحق بالذمّي الفاسق من أهل الايمان; لظهور الأدلّة من الكتاب والسنّة في أنّ العِدل للشاهدين المؤمنين هو آخران من غير المؤمنين ، والفاسق وان كان من أهل الايمان والكفر أعظم من الفسق ، إلاّ أنّ الدليل قد دلّ على ما ذكر خصوصاً مع اشتراط كونهما مرضيين في دينهما عادلين كذلك ، لكن عن التذكرة لو وجد مسلمان فاسقان ، فان كان فسقهما بغير الخيانة والكذب فالأولى انّهما أولى من أهل الذمّة ، وإن كان فسقهما يتضمّن اعتماد الكذب وعدم التحرّز عنه فأهل الذمة أولى(2) .
وهل يلحق بالذمّي المخالف العادل في مذهبه؟ قد نفى البعد عنه في المتن ، والسرّ فيه أولوية المخالف عن الكافر في هذه الجهة ، مع وجود شرط العدالة فيه وإن كانت بحسب مذهبه ، والأخبار الدالّة على أنّ قوله تعالى:
{أَو آخَرَان مِن غَيرِكُم} يراد بها أو آخران من غير المؤمنين لا خصوص أهل الكتاب ، كما لا يخفى ، اللهمّ إلاّ أن
يقال : إنّه خلاف الظاهر ، فنفي البعد ليس في محلّه .
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 312 ، كتاب الوصايا ب20 ح7 .
- (2) تذكرة الفقهاء : 2 / 521 ـ 522 .
(الصفحة 406)الرابع: العدالة ، وهي الملكة الرادعة عن معصية الله تعالى ، فلا تقبل شهادة الفاسق ، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة ، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى ، فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلاّ مع التوبة وظهور العدالة1.
الأمر الثاني : في أنّه هل تقبل شهادة كلّ ملّة على ملّتهم؟ المشهور على عدم القبول(1) ، وعن الشيخ في محكي الخلاف (2) والنهاية (3) القبول ، استناداً إلى موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة على أنّ شهادة أهل الملّة لا تجوز إلاّ على ملّتهم ، ومع ذلك قال المحقّق في الشرائع : والمنع أشبه(4) أي بأصول المذهب وقواعده التي منها اشتراط الايمان والعدالة في الشاهد ، ومن المعلوم انتفاؤهما في الفرض ، فان ثبت في المسألة شهرة فاللازم أن يقال : بأنّ اعراض المشهور عنها قادحٌ في حجّيتها ، فالمتعيّن العمل على طبق القاعدة ، وإن لم تثبت كما يظهر من نسبة العلاّمة في محكي المختلف(5) مفاد الرواية إلى الأصحاب ، فاللازم الالتزام بها كما لايخفى .
1 ـ الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في اعتبار العدالة في الشاهد ، وقد دلّ الكتاب على اعتبارها في موردين : أحدهما : الوصية في الآية المتقدّمة آنفاً(1) ، ثانيهما : الطلاق في
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 164 .
- (2) الخلاف : 6 / 273 مسألة 22 .
- (3) النهاية : 334 .
- (4) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
- (5) مختلف الشيعة : 8 / 520 مسألة 87 .
(الصفحة 407)
قوله تعالى :
{وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) . غاية الأمر أنّ الإشهاد في باب الطلاق واجب دون غيره ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بين الوصية والطلاق وبين غيرهما من جهة الصفات المعتبرة في الشهود والخصوصيّات اللازمة فيهما ، والأخبار التي يستفاد منها اعتبار العدالة في الشاهد مستفيضة أو متواترة كما في الجواهر(3) ، ويساعده الاعتبار كما أشار إليه المحقّق في الشرائع بقوله : إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق(4) ، ولا يرجع هذا المعنى إلى اعتبار حصول الطمأنينة الشخصية في حجّية الشهادة لتكون النسبة بينها وبين المدّعى عموماً وخصوصاً من وجه ، بل المراد حصول الطمأنينة بحسب الغالب وإن لم يحصل اطمئنان شخصي .
ويظهر من جملة من الروايات أنّ اعتبار اتّصاف الشاهد بالعدالة كان مفروغاً عنه عند الرواة والسائلين، بل السؤال انّما كان عن حقيقة العدالة أو أمور ترتبط بها، مثل الامارة الشرعية ، كصحيحة عبدالله بن أبي يعفور المعروفة المشتملة على قول الراوي: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟(5)وكيف كان فلا إشكال في هذا المقام في أصل الاعتبار بل الإجماع بقسميه عليه ، وان كان لا أصالة للاجماع بعد دلالة الكتاب والسنة عليه ، كما عرفت .
هذا ، وقد يستفاد من بعض الروايات عدم اعتبار العدالة في الشاهد ، مثل :
صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ،
- (1) تقدّمت في ص403 .
- (2) الطلاق 65 : 2 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 25 .
- (4) شرائع الإسلام : 4 / 911 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1.
(الصفحة 408)
فعدل منهم إثنان ولم يعدل الآخران ، فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزّور أُجيزت شهادتهم جميعاً ، واُقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه ، انّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا ، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق(1) .
ورواية العلاء بن سيّابة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق . . .(2) .
وهاتان الروايتان مضافاً إلى كونهما معرضاً عنهما ، وإلى مخالفتهما لظاهر الكتاب والروايات المستفيضة بل المتواترة المتقدّمة ، يحتمل أن يكون المراد وجود الأمارة الشرعية للعدالة وهو حسن الظاهر ، وكفايتها عن احراز العدالة التي هي صفة نفسانية في ترتيب الأثر على الشهادة ، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد هو أحد الأقوال الخمسة المعروفة في حقيقة العدالة ، وهو الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فتدبّر جيّداً .
المقام الثاني : في بيان حقيقة العدالة وماهيتها عند الشارع والمتشرّعة ، وقد فصّلنا الكلام بحمد الله في هذا المجال في شرح المسائل الأخيرة من كتاب الإجتهاد والتقليد(3) ، وإن كان في بعض ما ذكر هناك مناقشة إعتبار المروءة في العدالة ، ولا نرى حاجة إلى التطويل بالإعادة بعد قلّة المجال وضيق الحال وعدم تمامية
شرح الكتاب إلى الحال ، فاللازم صرف الوقت إلى ذلك وإتمام الشرح الذي هو منتهى الآمال إن شاء الله تبارك وتعالى .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 397 ، كتاب الشهادات ب41 ح18 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 394 ، كتاب الشهادات ب41 ح6 .
- (3) الاجتهاد والتقليد من تفصيل الشريعة : 232 .
(الصفحة 409)مسألة 1 ـ لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد ، بل لا تقبل شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام ، كمن أنكر الصلاة أو الحج أو نحوهما ، وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة ، وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الاجماع لشبهة1.
1 ـ إمّا عدم قبول شهادة المخالف في شيء من أصول العقائد التي يكون المراد بها اُصول مسائل التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، فلعدم الاتصاف بالإسلام أو الإيمان مع المخالفة ، وقد عرفت اعتبار الايمان فضلا عن الإسلام ، وامّا فروعها من المعاني والأحوال وغيرهما من فروع علم الكلام فقد صرّح في المسالك بأنّه لا يقدح الخلاف فيها; لأنّها مباحث ظنّية والاختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير(1) ، ولكن أورد عليه في الجواهر بأنّ أكثرها قطعي بالتواتر وبالضرورة أو غيرهما ، خصوصاً بالنظر إلى هذا الزمان ، فانّه قد يصير النظري قطعيّاً كعصمة الأئمّة(عليهم السلام) عن السهو والنسيان ، وإن خالف في ذلك الصدوق(قدس سره)(2)(3) .
وامّاعدم قبول شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما ، فإن قلنا بكفره فواضح لعدم قبول شهادة الكافر إلاّ في بعض الموارد على ما عرفت ، وإن لم نقل بكفره كما إذا كان إنكاره لشبهة مثل عدم العلم بكونه ضروريّاً ، أو أنّ إنكار الضروري يرجع إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) ، فالظاهر عدم قبول
شهادته أيضاً; لأنّ عدم الكفر لايستلزم الاتصاف بالعدالة المعتبرة في الشاهد بوجه.
وامّا قبول شهادة المخالف في الفروع فواضح أيضاً; لأنّ المخالفة فيها لا تكون
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 172 .
- (2) معاني الأخبار : 133 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 36 .