(الصفحة 408)
فعدل منهم إثنان ولم يعدل الآخران ، فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزّور أُجيزت شهادتهم جميعاً ، واُقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه ، انّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا ، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق(1) .
ورواية العلاء بن سيّابة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق . . .(2) .
وهاتان الروايتان مضافاً إلى كونهما معرضاً عنهما ، وإلى مخالفتهما لظاهر الكتاب والروايات المستفيضة بل المتواترة المتقدّمة ، يحتمل أن يكون المراد وجود الأمارة الشرعية للعدالة وهو حسن الظاهر ، وكفايتها عن احراز العدالة التي هي صفة نفسانية في ترتيب الأثر على الشهادة ، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد هو أحد الأقوال الخمسة المعروفة في حقيقة العدالة ، وهو الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فتدبّر جيّداً .
المقام الثاني : في بيان حقيقة العدالة وماهيتها عند الشارع والمتشرّعة ، وقد فصّلنا الكلام بحمد الله في هذا المجال في شرح المسائل الأخيرة من كتاب الإجتهاد والتقليد(3) ، وإن كان في بعض ما ذكر هناك مناقشة إعتبار المروءة في العدالة ، ولا نرى حاجة إلى التطويل بالإعادة بعد قلّة المجال وضيق الحال وعدم تمامية
شرح الكتاب إلى الحال ، فاللازم صرف الوقت إلى ذلك وإتمام الشرح الذي هو منتهى الآمال إن شاء الله تبارك وتعالى .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 397 ، كتاب الشهادات ب41 ح18 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 394 ، كتاب الشهادات ب41 ح6 .
- (3) الاجتهاد والتقليد من تفصيل الشريعة : 232 .
(الصفحة 409)مسألة 1 ـ لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد ، بل لا تقبل شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام ، كمن أنكر الصلاة أو الحج أو نحوهما ، وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة ، وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الاجماع لشبهة1.
1 ـ إمّا عدم قبول شهادة المخالف في شيء من أصول العقائد التي يكون المراد بها اُصول مسائل التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، فلعدم الاتصاف بالإسلام أو الإيمان مع المخالفة ، وقد عرفت اعتبار الايمان فضلا عن الإسلام ، وامّا فروعها من المعاني والأحوال وغيرهما من فروع علم الكلام فقد صرّح في المسالك بأنّه لا يقدح الخلاف فيها; لأنّها مباحث ظنّية والاختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير(1) ، ولكن أورد عليه في الجواهر بأنّ أكثرها قطعي بالتواتر وبالضرورة أو غيرهما ، خصوصاً بالنظر إلى هذا الزمان ، فانّه قد يصير النظري قطعيّاً كعصمة الأئمّة(عليهم السلام) عن السهو والنسيان ، وإن خالف في ذلك الصدوق(قدس سره)(2)(3) .
وامّاعدم قبول شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما ، فإن قلنا بكفره فواضح لعدم قبول شهادة الكافر إلاّ في بعض الموارد على ما عرفت ، وإن لم نقل بكفره كما إذا كان إنكاره لشبهة مثل عدم العلم بكونه ضروريّاً ، أو أنّ إنكار الضروري يرجع إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) ، فالظاهر عدم قبول
شهادته أيضاً; لأنّ عدم الكفر لايستلزم الاتصاف بالعدالة المعتبرة في الشاهد بوجه.
وامّا قبول شهادة المخالف في الفروع فواضح أيضاً; لأنّ المخالفة فيها لا تكون
- (1) مسالك الأفهام : 14 / 172 .
- (2) معاني الأخبار : 133 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 36 .
(الصفحة 410)مسألة 2 ـ لا تقبل شهادة القاذف مع عدم اللّعان أو البيّنة أو إقرار المقذوف إلاّ إذا تاب ، وحدّ توبته أن يكذّب نفسه عند من قذف عنده أو عند جمع من المسلمين أو عندهما ، وإن كان صادقاً واقعاً يورّي في تكذيب نفسه ، فإذا كذّب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح1.
مانعة عن الاتصاف بالصفات المعتبرة في الشاهد ، خصوصاً مع اختلاف الاجتهاد في الفروع لعدم كونها قطعية ، وإن كانت المخالفة في المسائل الاجماعية لكنها كانت مستندة إلى شبهة في حجية الاجماع ، لعدم العلم بالدخول وإنكار كون قاعدة اللطف قاعدة مقبولة ، وكذا إنكار الحدس القطعي ، فانّه في مثل هذه الصورة لا يكون المجمع عليه قطعيّاً عنده ، فلا تضرّ مخالفته .
1 ـ كذا في طبعة الآداب / النجف الأشرف، وأيضاً في طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم;ولكن في الطبعة الثالثة/بيروت1401هـ توزيع دارالتعارف:إذا أصلح.
الأصل في عدم قبول شهادة القاذف ـ إلاّ إذا تاب ـ قوله تعالى في سورة النور :
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُم شَهَادةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1) .
وظاهره العموم للأزواج وغيرهنّ ، نعم فيما بعد هذه الآية قد وقع التعرّض للّعان فيما إذا رموا أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم ، ولا تكون دليلا على
اختصاص الآية الأولى برمي غير الأزواج حتى يقال بعدم دلالة الكتاب على فسق رمي الأزواج وعدم قبول شهادتهم ، فتدبّر .
(الصفحة 411)
ثمّ إنّ الآية الاُولى تدلّ على قبول شهادة الرامي بعد التوبة والاصلاح ، والكلام يقع حينئذ في الأمرين :
الأمر الأول : في حدّ التوبة ، وقد ذكر المحقّق في الشرائع : وحدّ التوبة أن يكذب نفسه وإن كان صادقاً يورّي باطناً ، وقيل(1) : يكذّبها إن كان كاذباً ويخطّئها في الملأ إن كان صادقاً ، والأوّل مرويّ(2) . ويظهر من الجواهر(3) أنّه لا يكون في المسألة أزيد من هذين القولين .
والروايات عبارة عن صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن المحدود إذا تاب أتقبل شهادته؟ فقال : إذا تاب ، وتوبته أن يرجع ممّا قال ، ويكذّب نفسه عند الإمام وعند المسلمين ، فإذا فعل فانّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك(4) فانّ السؤال وإن كان عن مطلق المحدود إلاّ أنّ الجواب منطبق على القاذف المحدود; لأنّ تكذيب النفس لا يكون إلاّ فيه ، ويمكن أن يقال بأنّ السؤال ناظر إلى الآية الشريفة الواردة في القذف ، وعلى أيّ حال فدلالة الجواب على أنّ حدّ التوبة تكذيب النفس لا إشكال فيه .
ورواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القاذف بعدما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال : يكذب نفسه ، قلت : أرأيت ان أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال : نعم (1) .
- (1) قاله الشيخ في المبسوط:8/179،وابن إدريس في السرائر:2/116،ويحيى بن سعيدفي الجامع للشرائع: 540.
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 912 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 39 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 385 ، كتاب الشهادات ب37 ح1 .
(الصفحة 412)
ورواية القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّاً ، ثم يتوب ولا يعلم منه إلاّ خير أتجوز شهادته؟ قال : نعم ، ما يقال عندكم؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله ، ولا تقبل شهادته أبداً ، فقال : بئس ما قالوا ، كان أبي يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير جازت شهادته(2) .
ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ فقال : نعم ، قلت : وما توبته؟ قال : يجيء فيكذب نفسه عند الإمام ويقول : قد افتريت على فلانة ويتوب ممّا قال(3) .
نعم في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) قال : ليس أحد يصيب حدّاً فيقام عليه ثم يتوب إلاّ جازت شهادته إلاّ القاذف ، فانّه لا تقبل شهادته ، إنّ توبته فيما كان بينه وبين الله تعالى (4) . ولكن ذكر في الجواهر : أنّ الاستثناء المزبور قد اختصّ به بعض نسخ التهذيب ، وقد خلا عنه البعض الآخر والكافي الذي هو أضبط من التهذيب (5) .
أقول: وعلى تقدير وجوده لابدّ من رفع اليد عنه لمخالفته لظاهر الآية الشريفة ، وموافقته للتقية والشهرة المحققة الفتوائية على خلافها . ثم إنّ تكذيب النفس هل يلزم أن يكون عند الإمام الذي أقام الحدّ عليه ، أو عند المقذوف، أو عند جماعة من
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 383 ، كتاب الشهادات ب36 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 383 ، كتاب الشهادات ب36 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 384 ، كتاب الشهادات ب36 ح4 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 384 ، كتاب الشهادات ب36 ح6 .
- (5) جواهر الكلام : 41 / 37 .