(الصفحة 414)
على ما عرفت ، فلا يكون الاصلاح زائداً على التوبة الخاصة الثابتة في القذف .
وان أبيت إلاّ عن كون ظاهر العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فنقول : الدليل على عدم المغايرة في خصوص المقام الروايات التي فيها الصحيحة الدالّة على أنّه بمجرّد تحقّق التوبة تقبل شهادة القاذف من دون إضافة الاصلاح ، كصحيحة عبدالله بن سنان ، وامّا قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المشار إليها آنفاً «إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير» فهو لا دلالة فيها بل ولا إشعار على اعتبار أمر زائد على التوبة ، بل المراد صلاحية القاذف التائب للشهادة مع قطع النظر عن جريان قذفه بدأً وختماً ، وهذا هو المراد من قوله : «أصلح» في المتن ، وإلاّ لكان اللازم عدم تأخير قيد الاصلاح عن قبول الشهادة وعطفه على التوبة ، فتدبّر جيّداً ، أو بتعيّن هذا المعنى على تقدير كون المذكور مقيّداً بصلاحه لا إصلاحه ، كما لا يخفى ، وان كان هذا الاحتمال بعيداً في نفسه ، لأن الظاهر كون القيد المذكور انّما هو بتبع الآية الشريفة واقتباساً منها ، وفيها قوله : «وَأصْلحُوا» كما عرفت .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا يعتبر في قبول شهادة القاذف الاّ التي تقدّم حدّها ، ولولا الروايات الواردة في بيانها لقلنا بأنّ التوبة في القذف إنّما هي كالتوبة في سائر الموارد من دون فرق بينها ، لكنّ الروايات قد بيّنت المغايرة في التوبة بين القذف وغيره ، وقد عرفت أنّ قوله : «وَأصْلَحُوا» عطف تفسيري لقوله : «تابوا» لا أمر زائد عليه ، فتدبّر ، كما أنّ ملاحظة عطف الاصلاح على مثل العفو والتوبة في كثير من موارد الكتاب يعطي ذلك ، مثل قوله:
{وَجَزَاؤُا سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}(1) وقوله تعالى :
{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا
(الصفحة 415)مسألة 3 ـ إتخاذ الحَمام للأُنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير واللعب ليس بحرام ، نعم اللعب بها مكروه ، فتقبل شهادة المتخذ واللاعب بها ، وأمّا اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك1.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}(2) وغير ذلك من الموارد فراجع ، فلا ينبغي الارتياب فيما ذكرنا من عدم كون الاصلاح أمراً زائداً على التوبة ، كما لا يخفى .
1 ـ انّ في هذه المسألة عناوين ثلاثة: اتخاذ الحمام للأنس ونحوه ، واللعب بها ، واللعب بالرّهان .
امّا الأوّل : فلا دليل على حرمته ولا كراهته ، ويمكن أن يستفاد من دليل عدم حرمة اللعب عدم حرمة الاتخاذ ولا عكس ، كما لا يخفى ، والدليل على عدم حرمة الاتخاذ وعدم كراهته مضافاً إلى الأصل أنّه ربما يستفاد من بعض النصوص استحباب اتخاذها للأُنس أو للصيانة من آفة الجنّ ومثلهما ، ففي النبويّ أنّ رجلا شكا إليه(صلى الله عليه وآله) الوحدة ، فقال : اتخذ زوجاً من حمام(3) .
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ، إنّ سفهاء الجن يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الإنسان(4).
وقال عبد الكريم بن صالح : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر قد ذرقن على الفراش ، فقلت : جعلت فداك هؤلاء الحمام
يقذر الفراش ، فقال : لا ، إنّه يستحب أن يمسكن في البيت(1) .
- (1) الشورى 42: 40 .
- (2) النساء 4: 16 .
- (3) وسائل الشيعة : 11 / 517 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب31 ح15 .
- (4) وسائل الشيعة : 11 / 516 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب31 ح8 .
(الصفحة 416)
امّا الثاني : فبالإضافة إلى عدم الحرمة ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى الأصل ـ يدلّ عليه رواية العلاء بن سيابة التي جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق ، قلت : فانّ من قبلنا يقولون: قال عمر : هو شيطان ، فقال : سبحان الله أما علمت أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، فانّها تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول الله(صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد وأجرى الخيل(2) . وذكر صاحب الوسائل إنّ عند أهل مكّة لعب الحمام هو لعب الخيل(3) ، ولعلّه يشهد له ما في ذيله .
وبالإضافة إلى الكراهة فقد استدلّ لها في الجواهر بما فيه من العبث واللعب وتضييع العمر فيما لا يجدي ، بل قد يكون في بعض الأحوال أو الأزمنة أو الأمكنة من منافيات المروءة ، خلافاً للمحكي عن ابن إدريس(4) ، فعدّ اللعب به فسقاً مسقطاً للعدالة(5) .
ويرد عليه أنّه على تقدير تسليم كراهة تلك العناوين المذكورة نقول : إنّ الحكم لا يتعدّى من متعلّقه ولا يسري إلى غيره ، وان كان متّحداً معه في الوجود ، فكراهتها أمر وكراهة اللعب بالحمام أمر آخر ، والمدّعى هو الثاني ، ومراعاة المروءة
لا تكون دخيلة في العدالة ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بالفسق فيما كان منافياً لها من الأزمنة والأمكنة والحالات .
- (1) وسائل الشيعة : 11 / 520 ، كتاب الحج ، أبواب أحكام الدّواب ب34 ح1 .
- (2 و 2) وسائل الشيعة : 27 / 412 و 413 ، كتاب الشهادات ب54 ح1 و3 .
- (4) السرائر : 2 / 124 .
- (5) جواهر الكلام : 41 / 56 .
(الصفحة 417)
فالإنصاف أنّه لا دليل على كراهة اللعب بالحمام بعنوانه ، إلاّ أن يقال : إنّ نفس السؤال في رواية العلاء المتقدمة دليل على مفروغيّة وجود حزازة ومنقصة فيه ، بناء على كون المراد باللعب بالحمام معناه الظاهر ، وإن كان يخالفه ما في الذيل من الاستشهاد بمسابقة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولكن يؤيده نفس السؤال; لأن اجراء الخيل واللعب به كان أمراً مستحسناً في الشرع ، فلا وجه لاحتمال كون شهادة اللاعب بالحمام غير مقبولة ، ويؤيّده أيضاً ما حكاه السائل عمّن قبله من أنّ الثاني قال : «هو شيطان» كما لا يخفى ، وكيف كان فالأمر سهل .
وامّا الثالث : فهو اللعب بالرهان ، ففي المتن انّه قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك ، وتفريع عدم قبول شهادته دليل على أنّ المراد هي الحرمة التكليفية القادح ارتكابها في ثبوت العدالة ، والوجه في التعرّض لذلك في المقام انّما هي التبعيّة للرواية المتقدّمة ، وإلاّ فلا يرى ارتباط بين اللعب بالحمام وبين حرمة اللعب بالرهان نظراً إلى انّه قمار حرام ، وقد خالف صاحب الجواهر(قدس سره)(1) في الحرمة التكليفية في الرهن على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار ، بل التزم بثبوت الحرمة الوضعيّة فقط ، بمعنى الفساد وعدم ملك العوض في غير الموارد المنصوصة في السبق والرماية .
والتحقيق ثبوت كلا الحكمين التكليفي والوضعي ، نظراً إلى دلالة العرف واللغة على أنّ القمار ما يكون فيه الرهان ، سواء كان بالآلات المعدّة أو بغيرها ، وتفسيرها
بخصوص الآلات المعدّة للقمار فيه دور واضح ، وعليه فالحظّ والنصيب ببطاقات اليانصيب المعبّر عنه في الفارسية في الزمان السابق بـ «بليط بخت آزمائي» كان
- (1) جواهر الكلام : 22 / 109 .
(الصفحة 418)
محرّماً من هذه الجهة ، ومثله في هذه الأزمنة ـ التي تكون الحكومة حكومة إسلامية شيعيّة ـ المسابقات المعمولة لأجل الاطّلاع على الكتب المفيدة المؤثرة في ازدياد الاطلاع أو غيره ، ولكن غرض المشتركين فيها الوصول إلى بعض الهدايا المنظورة بمراتبها المختلفة ، وتحصيل ثروة أو سفر زيارة من حج أو غيره في صورة إصابة القرعة إليهم ، ومثل هذه المسابقات كثيرة في زماننا هذا ، إلاّ أن يقال بعدم صدق القمار عليها بوجه ، إذ ليس الغرض الأصلي فيها المراهنة ، والهدايا انّما هي بصورة الجائزة الاختيارية ، ولكن مع ذلك يكون الأمر مشكلا .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) ذهب إلى الجواز التكليفي دون الوضعي ، وربما يستدلّ له بصحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في رجل أكل وأصحاب له شاة ، فقال : إن أكلتموها فهي لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه إنّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه وما كثر ، ومنع غرامته منه (فيه خ ل)(1) .
والظاهر أنّ السؤال فيه ومورده هي صحّة المؤاكلة وبطلانها ، وقوله : «أكل» ليس فعلا ماضياً ثلاثياً ولا اسم فاعل على وزن الفاعل ، بل هو فعل ماض من باب المفاعلة ، وكيفية المؤاكلة ما هو المذكور في الرواية من أنّ صاحب الشاة يقول : إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، والجواب ناظر إلى بطلان المؤاكلة ، ومنع الغرامة فيه إنّما هي بالإضافة إلى صورة أكل الجميع لتحقّق الإباحة
المالكية ، وامّا بالإضافة إلى صورة أكل البعض مع عدم القدرة على أكل الجميع فالغرامة فيها متحقّقة; لعدم صحّة عقد المؤاكلة وعدم تحقق الإباحة المالكية .
- (1) وسائل الشيعة : 23 / 192 ، كتاب الجعالة ب5 ح1 .