(الصفحة 439)
ورواية علي بن سويد السائي الثقة ـ المروية بأسانيد مختلفة عنه ـ عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : كتب إليّ في رسالته إليّ: وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فان خفت على أخيك ضيماً فلا(1) .
هذا ، ولكن صاحب الجواهر(2) تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) جعل الأظهر في المسألة المنع ، نظراً إلى أنّ الرواية الدالّة عليه وإن كانت مرسلة إلاّ انّها منجبرة بفتوى المشهور بل المجمع عليه ، وأنّ المرتضى لم يقل بالجواز إلاّ بمقتضى إطلاق كلامه في الانتصار(4) لا صريحه ، وأنّ الإسكافي قد اختلف النقل عنه ، بل ربما يقال(5) بأنّه لم يتعرّض للمسألة ، فلا يبقى إلاّ الشهيد في الدروس(6) وجملة من المتأخّرين عنه(7) ، والأوّل قد اختار المنع في شرح الإرشاد(8) ، والآية الظاهرة في الجواز غير صريحة في الشهادة بالمعنى المراد في المقام ، والروايتان الدالّتان عليه لا جابر لهما بالإضافة إلى مفادهما .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، بل
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 315 ، كتاب الشهادات ب3 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 78 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
- (4) الإنتصار : 496 مسألة 273 .
- (5) قاله العلاّمة في مختلف الشيعة : 8 / 510 مسألة 84 ، وكذا الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 .
- (6) الدروس الشرعية : 2 / 132 .
- (7) كأبي العباس في المقتصر : 389 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 ـ 196 ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 405 ـ 406 .
- (8) حكى عنه في مسالك الأفهام : 14 / 196 .
(الصفحة 440)
اللازم ملاحظة دليل المنع ـ أنّ غاية ما يمكن أن يقال بالإضافة إلى الآية عدم اختصاصها بالشهادة بالمعنى الأخصّ لا عدم دخولها فيها قطعاً ، كما أنّ الحمل على صورة الموت خلاف الظاهر جدّاً ، وان ادّعي الاجماع على القبول في صورة الموت(1) ، فالإنصاف أنّ في المسألة تردّداً كما في المتن من وجود رواية دالّة على المنع ، وان كانت مرسلة غير معتبرة في حدّ ذاتها ، لكنّها منجبرة بفتوى المشهور شهرة محقّقة على طبقها لولا الاجماع ، ومستند بعض المدّعين للاجماع وان كان قابلا للخدشة كالشيخ الذي يستند إلى قاعدة اللطف الممنوعة كما حقّق في محلّه ، إلاّ أنّ عدم حكاية الخلاف الصريح عمّن قبل الشهيد في الدروس يؤيّد تحقّقه ، والروايتان الدالّتان على الجواز لا تكونان منجبرتين ; لعدم الدليل على عدم جواز الشهادة على المعسر وان لا يكون اعساره ثابتاً عند المدّعى ، أو يعمل بالإضافة إليه على خلاف أمر الله ورسوله ، وكذا بالنسبة إلى الضيم الذي يكون معناه المظلوم ، ومن أنّ السيّد في الانتصار يجعل ممّا انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا ، ويستثنى ما يقول به بعض الأصحاب: من عدم جواز شهادة الولد على والده ، وحمل الآية على حال الموت أو على عدم كون المراد الشهادة الاصطلاحية أصلا خلاف الظاهر ، وان كان يؤيّده الشهادة على الأنفس غير المحققة في باب القضاء ، كما لايخفى .
الأمر الثاني : لا إشكال ولا خلاف في اعتبار شهادة الزوج لزوجته وبالعكس في الجملة ، وانّما الإشكال في اعتبار الضميمة وعدمه ، قال المحقّق في الشرائع : وكذا
(الصفحة 441)
تقبل شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها مع غيرها من أهل العدالة ، ومنهم من شرط في الزوج الضميمة كالزوجة(1) ، ولا وجه له(2) .
هذا ، ولكن حكى صاحب الجواهر عن المتأخرين كافّة(3) وظاهر أكثر القدماء(4) عدم اعتبار الضميمة في الزوجة أيضاً(5) ، والروايات الواردة في هذا المجال لا تتجاوز عن ثلاث :
الأولى : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها(6) ، والظاهر انّ ضميري التأنيث في آخر الرواية ترجعان إلى الزوجة ، فيكون الحكم مختصاً بها لا إلى الشهادة حتى يعمّ الحكم لكليهما ، فالرواية ظاهرة أو صريحة في التفصيل بين الزوجين ، وأنّ شهادة الزوج لا تحتاج إلى انضمام الغير بخلاف شهادة الزوجة .
الثانية : موثّقة سماعة في حديث ، قال: سألته عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال : نعم ، والمرأة لزوجها؟ قال : لا ، إلاّ أن يكون معها غيرها(7) ، وحمل قوله(عليه السلام) : «نعم» على أنّه مجرّد خطاب ، ومرجعه إلى تفهيم السائل أنّه في مقام الاستماع كما هو متعارف الآن في المخاطبة ، والجواب عن كليهما هو قوله : «لا» إلى آخره خلاف
- (1) كالشيخ في النهاية : 330 ، والقاضي في المهذّب : 2 / 557 ، وابن حمزة في الوسيلة : 231 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
- (3) راجع رياض المسائل : 9 / 479 .
- (4) المقنعة : 726 ، المبسوط : 8 / 220 ، الخلاف : 6 / 299 مسألة 49 ، الكافي في الفقه : 436 ، السرائر : 2/134 .
- (5) جواهر الكلام : 41 / 79 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 366 ، كتاب الشهادات ب25 ح1 .
- (7) وسائل الشيعة : 27 / 367 ، كتاب الشهادات ب25 ح3 .
(الصفحة 442)
الظاهر جدّاً ، كما أنّ إرجاع ضميري التأنيث إلى الشهادة يكون كذلك ، فالإنصاف ظهور الرواية في التفصيل أيضاً ، كالرواية السابقة .
الثالثة : رواية عمّار بن مروان قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) ـ أو قال: سأله بعض أصحابنا ـ عن الرجل يشهد لامرأته؟ قال : إذا كان خيراً جازت شهادته(1) ، وهذه الرواية ظاهرة في عدم اعتبار الضميمة في شهادة الزوج من دون تعرّض للعكس .
وأنت خبير أنّه بملاحظة هذه الروايات لابدّ وأن يقال بعدم اعتبار الضميمة في شهادة الزوج ، وامّا بالإضافة إلى شهادة الزوجة فقد يقال كما في الجواهر(2) : بأنّه يحتمل أن يكون ورود الشرط في الصحيحة والموثقة الاُوليين مورد الغالب ، وعليه فلا دلالة لهما على العدم في غيره ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مجال لهذا الاحتمال خصوصاً في الموثقة المشتملة على النفي والاثبات ، فتدبّر جيّداً . فالإنصاف تمامية دلالة الرواية على التفصيل كما اختاره المحقّق في الشرائع على ما عرفت .
نعم اعتبار الضميمة في الزوجة انّما هو باعتبار كونها مرأة لا زوجة; لعدم اعتبار شهادة المرأة الواحدة حتى مع ضمّ اليمين ، كما تقدّم في كتاب القضاء(3) ، نعم مقتضى اطلاق ما دلّ على ثبوت الربع بشهادة المرأة الواحدة في باب الوصية ثبوت الربع في ذلك المقام مع شهادة الزوجة فقط ، وممّا ذكرنا يظهر أنّ جعل الفائدة وظهورها في باب الوصية من جهة ثبوت الربع بشهادة الزوجة فقط ـ مع عدم اعتبار الضميمة وعدم ثبوت الربع بها ، بناء على اعتبار الضميمة كما في المتن ـ ليس على ما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 366 ، كتاب الشهادات ب25 ح2 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 79 .
- (3) ص189 مسألة 1 من «القول في الشاهد واليمين».
(الصفحة 443)مسألة 6 ـ تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له ، وإن كانت الصداقة بينهما أكيدة والموادّة شديدة ، وتقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له . وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره؟ قولان : أقربهما المنع ، ولو تحمّل حال الإجارة وأدّاها بعدها تقبل1.
ينبغي ، وإن كان يظهر ذلك من صاحب الجواهر(1) أيضاً تبعاً للشرائع(2); لأنّ الظاهر أنّ إطلاق ما ورد(3) في ثبوت الربع بشهادة المرأة في باب الوصية ثبوته بشهادتها ، مع أنّه لم يكن غيرها معها .
وامّا إذا كانت الضميمة موجودة فلا مجال لدعوى ثبوت الربع فقط ، والظاهر أنّ المستند في ذلك كون الروايتين في شهادة الزوجة في المقام الدالتين على اعتبار الضميمة أخصّين مما ورد في ثبوت الربع بشهادة المرأة في باب الوصية فيخصّص بهما ، مع أنّ الظاهر ما عرفت من أنّ اعتبار الضميمة في شهادة الزوجة انّما هو باعتبار كونها مرأة ولاخصوصية للزوجة في ذلك، وعليه فالظاهر أنّ إطلاق ما ورد في باب الوصية الشامل للزوجة محكّم على الروايتين الواردتين فيها ، وحاكم عليهما ، ودالّ على أنّ اعتبار الضميمة انّما هو في غير باب الوصية ، وامّا في ذلك الباب فشهادة الزوجة كافية ولو من دون انضمام ، فتدبّر في المقام فانّه من مزالّ الأقدام .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : أنّه تقبل شهادة الصديق لصديقه وكذا عليه ، وان كانت الصداقة كاملة
- (1) جواهر الكلام : 41 / 80 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 355 ، كتاب الشهادات ب24 ح15 و 16 .