(الصفحة 469)
تلك الحاسّة لا مطلقاً ، وعليه فلو شاهد الأصمّ الأفعال مثل القتل جازت شهادته فيها لأنّه من الأفعال ، ويكفي فيها المشاهدة القائمة بالبصر ، كما أنّه لو سمع الأعمى كاملا وعرف صاحب الصوت كذلك تجوز له الشهادة به لتقومه بالسّماع ، والأعمى لا يكون فاقداً لهذه الحاسّة .
هذا ، وفي رواية جميل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الأصمّ في القتل؟ فقال : يؤخذ بأوّل قوله ولا يؤخذ بالثاني(1) ، ولكن هذا التفصيل ـ مع أنّه لا يناسب الأصمّ بل لعلّه مناسب لغير البالغ كما تقدّم في رواية واردة لشهادة غير البالغ بالقتل(2) ـ غير معمول به ، بل كما قال المحقّق في الشرائع : وهي نادرة(3) ، ولم يحك القول به إلاّ من الشيخ في النهاية(4) وتلميذه القاضي(5) وابن حمزة(6) .
وكذلك يصحّ للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها ، أمّا التحمّل فواضح ، وامّا الاداء فان عرف الحاكم إشارته من دون إجمال فيها لديه يحكم على طبقها بلا إشكال ، وإن لم يعرف اعتمد فيها على مترجمين عدلين عارفين بإشارته عن علم ، وقد مرّ نظيره سابقاً ، والظاهر أنّ المستند الأصلي لحكم الحاكم انّما هي شهادة الأخرس ، ويكون المترجمان واسطتين في ذلك ، كما إذا كان الشاهد متكلِّماً باللغة الإنجليزية والحاكم غير عارف بتلك اللغة ، ومستنداً في فهم لغة الشاهد إلى
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 400 ، كتاب الشهادات ب42 ح3 .
- (2) تقدّم في ص392 ـ 393 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 918 .
- (4) النهاية : 327 .
- (5) المهذّب : 2 / 556 .
- (6) الوسيلة : 230 .
(الصفحة 470)
المترجم ، فانّه لا يكون مدركاً لحكم الحاكم بل المدرك هو أصل الشهادة وان كان الحاكم غير عارف .
قال المحقّق في الشرائع : ولا يكون المترجمان شاهدين على شهادته بل يثبت الحكم بشهادته أصلا لا بشهادة المترجمين فرعاً(1) ، وعلّله في الجواهر بأنّ شهادته عبارة عن إشارته التي أبداها ـ إلى أن قال : ـ نعم لو لم تقع منه إشارة بمحضر الحاكم لم تصحّ شهادتهما ، بناءً على عدم سماع شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل ، وقد حكى عن النافع والرياض ما حاصله ، أنّه لو أراد أن يشهد الإنسان على الأخرس بإقراره فليشهد بالإشارة التي رآها منه دالّة عليه ، ولا يقيمها بالإقرار الذي فهمه منها لاحتمال خطأه في الفهم فيتحقّق الكذب(2) .
وقد أورد على هذا الكلام أوّلا : بأنّ إشارة الأخرس كاللفظ من غيره ، فيكتفى بالظاهر منها ، وثانياً : بأنّه لا ينبغي الإشكال في جواز الشهادة عليه بالإقرار بمعنى الالتزام مع القطع بالمراد من إشارته; لأنّك عرفت أنّ مدار الشاهد على حصول العلم ، ومنه يظهر الحال في الترجمة أيضاً(3) .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 920 .
- (2) المختصر النافع : 289 ، رياض المسائل : 9 / 554 .
- (3) جواهر الكلام: 41 / 149 .
(الصفحة 471)
القول في أقسام الحقوق
مسألة 1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميّين ، امّا حقوق الله تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود : أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين فليراجع إليه1.
1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، وليس المراد من حقوق الله هو الحقّ في مقابل الحكم الذي وقع البحث في ثبوته وعدمه ، وربّما يقال بالأوّل وأنّ الحق ما يقبل الاسقاط دون الحكم ، فانّه غير قابل للاسقاط بوجه ، بل المراد منها هو الاُمور المنهيّ عنها التي عيّن الله لها حدّاً ، كالزنا واللواط والسحق وشرب الخمر وأمثال ذلك ، والمذكور في كتاب الحدود أنّ منها ما لا يثبت إلاّ بأربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها ما يثبت برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين ، والتفصيل مذكور في كتاب الحدود ، وقد بحثنا عنها فيما سبق ، وقد طبع بعنوان جزء من أجزاء كتاب تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، فليراجع إليه .
(الصفحة 472)مسألة 2 ـ حق الآدمي على أقسام : منها ما يشترط في إثباته الذكورة فلا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين كالطلاق ، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وهل يعم الحكم أقسامه كالخلع والمباراة؟ الأقرب نعم إذا كان الاختلاف في الطلاق ، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا ، ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدعية أو الرجل على إشكال في الثاني1.
1 ـ حقّ الآدمي على أقسام ، منها : ما يشترط في إثباته الذكورة فلا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات كالطلاق ، والأصل فيه قوله تعالى :
{وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) الدالّ على وجوب الإشهاد عند الطلاق ذكرين عادلين ، ومن الواضح أنّ وجوب إشهادهما مقدّمة لادائهما الشهادة عند الاختلاف في وقوع الطلاق وعدمه ، فيدلّ بالملازمة العرفية على قبول شهادتهما في محضر الحاكم ووجود المدّعي والمنكر .
ودعوى أنّ وجوب إشهاد ذكرين عادلين لا دلالة له على ذلك ، فمن الممكن وجوب الاشهاد كذلك ، وأوسعية دائرة القبول أو أضيقيّتها يدفعها المتفاهم العرفي ، فالآية بحسب الفهم العرفي تدلّ على الاكتفاء بذكرين عادلين ، وعلى عدم قبول شهادة النساء في هذا الباب لا منفردات ولا منضمّـات .
هذا ، ويدلّ على عدم القبول روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز إذا كان معهنّ رجل. وكان عليّ (عليه السلام) يقول: لا أجيزها في الطلاق، الحديث(2).
- (1) الطلاق 65 : 2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
(الصفحة 473)
ورواية إبراهيم الحارقي (الحارثي أو الخارقي خ ل) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهنّ في النكاح ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم قال : قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا في الطلاق . وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء(2) .
ورواية زرارة التي في سندها سهل بن زياد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق(3) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال عليّ (عليه السلام) : شهادة النساء تجوز في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(4) .
وغير ذلك من الروايات المتعدّدة الاُخرى التي تدلّ منطوقاً أو مفهوماً على عدم قبول شهادتهنّ في الطلاق مطلقاً لا منفردات ولا منضّمات ، كرواية محمد بن سنان ـ المرويّة في العلل وعيون الأخبار بأسانيده المشتملة على العلّة ـ عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من العلل: وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهنّ عن الرؤية ، ومحاباتهنّ النساء في الطلاق ، فلذلك لا تجوز شهادتهنّ إلاّ في موضع ضرورة ، مثل شهادة القابلة ، وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه ، الحديث(5) .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 352 ، كتاب الشهادات ب24 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح8 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 354 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح25 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 365 ، كتاب الشهادات ب24 ح50 .