(الصفحة 471)
القول في أقسام الحقوق
مسألة 1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميّين ، امّا حقوق الله تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود : أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين فليراجع إليه1.
1 ـ الحقوق على كثرتها قسمان : حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، وليس المراد من حقوق الله هو الحقّ في مقابل الحكم الذي وقع البحث في ثبوته وعدمه ، وربّما يقال بالأوّل وأنّ الحق ما يقبل الاسقاط دون الحكم ، فانّه غير قابل للاسقاط بوجه ، بل المراد منها هو الاُمور المنهيّ عنها التي عيّن الله لها حدّاً ، كالزنا واللواط والسحق وشرب الخمر وأمثال ذلك ، والمذكور في كتاب الحدود أنّ منها ما لا يثبت إلاّ بأربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين ، ومنها ما يثبت برجلين وأربع نساء ، ومنها ما يثبت بشاهدين ، والتفصيل مذكور في كتاب الحدود ، وقد بحثنا عنها فيما سبق ، وقد طبع بعنوان جزء من أجزاء كتاب تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، فليراجع إليه .
(الصفحة 472)مسألة 2 ـ حق الآدمي على أقسام : منها ما يشترط في إثباته الذكورة فلا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين كالطلاق ، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات ، وهل يعم الحكم أقسامه كالخلع والمباراة؟ الأقرب نعم إذا كان الاختلاف في الطلاق ، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا ، ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدعية أو الرجل على إشكال في الثاني1.
1 ـ حقّ الآدمي على أقسام ، منها : ما يشترط في إثباته الذكورة فلا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات كالطلاق ، والأصل فيه قوله تعالى :
{وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) الدالّ على وجوب الإشهاد عند الطلاق ذكرين عادلين ، ومن الواضح أنّ وجوب إشهادهما مقدّمة لادائهما الشهادة عند الاختلاف في وقوع الطلاق وعدمه ، فيدلّ بالملازمة العرفية على قبول شهادتهما في محضر الحاكم ووجود المدّعي والمنكر .
ودعوى أنّ وجوب إشهاد ذكرين عادلين لا دلالة له على ذلك ، فمن الممكن وجوب الاشهاد كذلك ، وأوسعية دائرة القبول أو أضيقيّتها يدفعها المتفاهم العرفي ، فالآية بحسب الفهم العرفي تدلّ على الاكتفاء بذكرين عادلين ، وعلى عدم قبول شهادة النساء في هذا الباب لا منفردات ولا منضمّـات .
هذا ، ويدلّ على عدم القبول روايات متكثّرة ، مثل :
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز إذا كان معهنّ رجل. وكان عليّ (عليه السلام) يقول: لا أجيزها في الطلاق، الحديث(2).
- (1) الطلاق 65 : 2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
(الصفحة 473)
ورواية إبراهيم الحارقي (الحارثي أو الخارقي خ ل) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهنّ في النكاح ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم قال : قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا في الطلاق . وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء(2) .
ورواية زرارة التي في سندها سهل بن زياد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق(3) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال عليّ (عليه السلام) : شهادة النساء تجوز في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(4) .
وغير ذلك من الروايات المتعدّدة الاُخرى التي تدلّ منطوقاً أو مفهوماً على عدم قبول شهادتهنّ في الطلاق مطلقاً لا منفردات ولا منضّمات ، كرواية محمد بن سنان ـ المرويّة في العلل وعيون الأخبار بأسانيده المشتملة على العلّة ـ عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من العلل: وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهنّ عن الرؤية ، ومحاباتهنّ النساء في الطلاق ، فلذلك لا تجوز شهادتهنّ إلاّ في موضع ضرورة ، مثل شهادة القابلة ، وما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه ، الحديث(5) .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 352 ، كتاب الشهادات ب24 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 353 ، كتاب الشهادات ب24 ح8 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 354 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 357 ، كتاب الشهادات ب24 ح25 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 365 ، كتاب الشهادات ب24 ح50 .
(الصفحة 474)
وفي محكيّ الدروس انّه ضبط الأصحاب ذلك بكلّ ما كان من حقوق الآدميّين ليس مالا ولا المقصود به المال(1) ، وفي محكي كشف اللثام هو ما يطلع عليه الرجال غالباً وما لا يكون مالا ولا المقصود منه المال(2) ، ولكن ذكر في الجواهر : لم أقف في النصوص على ما يفيده بل فيها ما ينافيه(3) .
وكيف كان فلا شبهة في عدم اعتبار شهادتهنّ في الطلاق ، وإن حكي عن المبسوط(4) أنّه قوّى ثبوته بشهادة النساء منضمّـات ، بل في محكيّ المسالك نسبته إلى جماعة(5) ، والمتحقّق ما عن أبي علي من أنّه لا بأس بشهادتهنّ مع الرجال في الحدود والأنساب والطلاق(6) ، لكنّ الكتاب والسنّة على خلافه على ما عرفت ، وامّا الخلع والمباراة فقد استقرب في المتن انّهما كالطلاق ، والسرّ فيه ما هو المذكور في كتابهما من أنّهما قسمان من الطلاق ونوعان منه ، خلافاً لما حكي عن الشيخ في بعض كتبه(7) من أنّ الخلع فسخ لا طلاق ، وإن كان يؤيّده جعل الخلع والمباراة كتاباً مستقلاًّ بعد كتاب الطلاق ، لكنّ المستفاد من جملة من الروايات(8) ومن الأكثر(9)
- (1) الدروس الشرعية : 2 / 137 .
- (2) كشف اللثام : 2 / 378 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 159 .
- (4) المبسوط : 8 / 172 .
- (5) مسالك الأفهام : 14 / 251 .
- (6) مختلف الشيعة : 8 / 457 ، وكذا حكى فيه عن ابن أبي عقيل أنّه قال : شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شيء إذا كنّ ثقات . . . مختلف الشيعة : 8 / 474 مسألة 74 .
- (7) الخلاف : 4 / 424 مسألة 3 .
- (8) راجع وسائل الشيعة، ب 3 و 5 من كتاب الخلع والمباراة .
- (9) المقنعة: 528 ، مسائل الناصريات: 351 ـ 352 مسألة 165 ، الكافي في الفقه: 306 ، المراسم العلوية: 163 ، غنية النزوع: 373 ، المختصر النافع: 223.
(الصفحة 475)مسألة 3 ـ قيل : ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية ولم يقصد منه المال لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمّات ، ومثل لذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص ، والوكالة والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال ، وألحق بعضهم الخمس والزكاة والنذر والكفّارة ، والضابط المذكور لا يخلو من وجه وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محلّ تأمّل ، وتقبل شهادتهنّ على الرضاع على الأقرب1.
خلاف ذلك ، وأنّ الخلع قسم من الطلاق .
نعم ، ذلك إذا كان الاختلاف في أصل البينونة وحصول الخلع وعدمه ، وامّا إذا كان الاختلاف في مقدار البذل بعد الاتفاق على أصل الخلع فلا . نعم ، في الصورة الأولى لا فرق بين أن تكون المرأة هي المدّعية أو كان الرجل مدّعياً ، وإن استشكل في الثاني; لأنّ ادّعاء المرأة لا يكون مالا ولا المقصود منه المال ، ولا ملازمة بينه وبين المال أصلا ، ضرورة أنّه مع ثبوت الخلع لا يصل إليها المال بل يثبت عليها البذل ، وهذا بخلاف ما إذا كان المدّعي هو الرجل ، فانّ دعواه تلازم المال وإن لم يكن مقصوداً له بوجه .
1 ـ قد مرّ بيان الضابطة في محكيّ كلام الدّروس وفي محكيّ كشف اللثام ، لكنّ البحث في سند هذه الضابطة والدليل عليها ، وقد ذكر في الجواهر : أنّه لم يقف في النصوص على ما يفيده بل فيها ما ينافيه(1) ، فاللازم ما يدلّ عليه الروايات .
فنقول : أمّا ما يدلّ على عدم قبول شهادة النساء في الهلال لا منفردات ولا منضمّـات، فمثل رواية حمّادبن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاتقبل شهادة النساء
- (1) مرّ في ذيل المسألة السابقة .