(الصفحة 484)
أقول : وإن كانت المرسلة المتقدّمة يؤيّده في أنّ المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ولا تشمل شهادة الواحدة ، إلاّ أنّ الالتزام بتعدّد صحيحتي الحلبي وأنهما روايتان في كمال الصعوبة والاشكال خصوصاً مع وحدة السند ، فانّه في كلتيهما روى عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ; وعليه يكون الحاكي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) هو الإمام (عليه السلام) ، وغرضه من الحكاية بيان الحكم بهذه الكيفية ، ففي إحداهما ذكر يمين المدّعى وفي الأُخرى قد وصفت شهادة النساء بأنّه ليس معهنّ رجل ، ويمكن أن يكون المراد شهادة أربع نسوة مكان شاهدين ذكرين ، أو شاهد وامرأتين ، أو شاهد ويمين ، ولأجله يشكل الحكم بقبول شهادة المرأتين مع اليمين فضلا عن المرأة الواحدة ; لأنّها فاقدة للدليل المعتبر .
امّا الصحيحة فلأنّها مردّدة ، وامّا المرسلة فلأنّها غير معتبرة على ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره)(1) ، أضف إلى ذلك ما دلّ بعمومه على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً إلاّ فيما ثبت بدليل .
هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ استناد المشهور إلى المرسلة جابر لضعفها بالإرسال ، إذ لا يوجد ظاهراً رواية دالّة على اعتبار شهادة امرأتين بانضمام اليمين غير هذه الرواية ، أو يقال : بأنّه قد روى صاحب الوسائل الرواية في نفس الباب عن
الصدوق باسناده إلى منصور بن حازم(2) ، فليراجع .
ثم إنّه لو بني على تعدّد صحيحتي الحلبي أمكن أن يقال بعد تقييد إطلاق كلّ
- (1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 128 مسألة 102 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح1 .
(الصفحة 485)
منهما بقيد الآخر : بالدلالة على قبول شهادة المرأة الواحدة مع اليمين; لعدم تماميّة ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره) من كون المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ، بل ظهورها في مطلق النساء ولو كانت واحدة ، ولا يكون ذكر المرأتين في المرسلة قرينة على كون المراد من الصحيحة أيضاً ذلك . أو يقال : بأنّه يمكن الاستناد إليهما بالإضافة إلى القدر المتيقن منهما ، وهي شهادة المرأتين في الدين بانضمام اليمين فيما إذا لا يكون رجل معهنّ ، فتدبّر واغتنم ما ذكر في هذا المجال . هذا كلّه في غير النكاح .
وامّا النكاح فالمذكور في المتن انّه تقبل شهادتهنّ إذا كان معهنّ رجل ، وحكي ذلك عن الصدوقين(2) والإسكافي والعماني(3) والحلبي(4) وغيرهم(5) . بل نسب ذلك إلى أكثر المتأخّرين(6) ، بل حكي عن الغنية الإجماع عليه(7) ، لكن عن جماعة من
القدماء(7) بل المنسوب إلى المشهور عدم القبول(8) في هذه الصورة أيضاً ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال; لأنّها على طوائف مختلفة :
- (1) المقنع : 402 ، وحكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 474 و480 مسألة 74 .
- (2) حكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 480 مسألة 74 .
- (3) الكافي في الفقه : 439 .
- (4) كالشيخ في المبسوط : 8 / 172 والتهذيب : 6 / 280 والإستبصار : 3/25 ، والمحقق في شرائع الإسلام : 4/921 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2 / 238 ـ 239 وإرشاد الأذهان : 2 / 159 ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد : 4 / 432 ، والشهيد الأوّل في الدروس الشرعية : 2 / 137 .
- (5) رياض المسائل : 9 / 510 .
- (6) غنية النزوع : 439 .
- (7) كالشيخ المفيد في المقنعة : 727 ، والشيخ الطوسي في الخلاف : 6 / 252 مسألة 4 ، وسلاّر في المراسم : 234 ، وابن حمزة في الوسيلة : 222 ، وابن إدريس في السرائر : 2 / 115 .
- (8) غاية المرام : 4 / 295 .
(الصفحة 486)
الطائفة الاُولى : ما دلّ على عدم قبول شهادة النساء في النكاح مطلقا ، كموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ، ولا نكاح ، ولا في حدود إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(1) . ويؤيّدها ما دلّ على عدم قبول شهادتهنّ إلاّ في المنفوس والعذرة(2) .
الطائفة الثانية : ما دلّ على قبول شهادتهنّ في النكاح مطلقا ، مثل رواية زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ فقال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(3) .
ولكن ذكر بعض الأعلام(قدس سره) : إنّ أخبار هذه الطائفة كلّها ضعاف(4) .
الطائفة الثالثة : ما دلّ على قبول شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهنّ رجل . وكان عليّ (عليه السلام) يقول : لا اُجيزها في الطلاق ، الحديث(5) .
ورواية أبي بصير المشتملة على قوله: وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل ، ولا تجوز في الطلاق ، الحديث(6) .
وهذه الطائفة الثالثة إمّا شاهدة للجمع بين الأوليين على تقدير اعتبار الطائفة
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 362 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .
- (2) راجع وسائل الشيعة ، كتاب الشهادات ب24 ح2 ، 8 ، 14 ، 18 ، 19 ، 21 ، 24 و 46 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 354 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
- (4) مباني تكملة المنهاج : 1 / 125 مسألة 100 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح4 .
(الصفحة 487)مسألة 5 ـ في قبول شهادتهنّ في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال ، وتقبل شهادتهنّ في حقوق الأموال ، كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ، ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، ولا تقبل شهادتهنّ فيما يوجب القصاص1.
الثانية ولو ببعضها ، وامّا مقيّدة لإطلاق الأولى على تقدير عدم الاعتبار ، وعلى أيّ فينتج ما أفاده في المتن من التفصيل .
ثمّ إنّ رواية داود بن الحصين المتقدّمة الواردة في تفسير آية الدين ، والحكم باختصاصها به تدلّ على قبول شهادة المرأتين في النكاح بلا رجل معهنّ ، لكنّها شاذّة مهجورة ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب من هذه الجهة; لعدم قابليتها للجمع ولا للحمل المذكورين; لاختصاص السؤال فيها بما إذا لم يكن رجل معهنّ ، وان وجّهنا حكمها باختصاص الآية بالدين كما عرفت .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمور :
الأمر الأول ، في الوقف : فالمحكي عن جماعة(1) ثبوته بشهادة النساء ، لكن استشكل الماتن وبعض الأعلام(قدس سرهما)(2) في ذلك نظراً إلى انّه لا دليل على اعتبار شهادة المرأتين منضمّة مع شهادة الرجل في المورد المذكور ، ولا مجال لتوهّم الاستفادة من آية الدين(3) والغاء الخصوصية منها ، وان قلنا بعدم الاختصاص
- (1) كالشيخ في المبسوط : 8 / 189 ـ 190 ، والمحقق في شرائع الإسلام : 4 / 921 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2/213 و 239 ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد : 4 / 434 ـ 435 ، والشهيد الأوّل في الدروس الشرعية : 2/138 مقيّداً بما إذا كان الوقف خاصاً ، والشهيد الثاني في مسالك الافهام : 14/257 .
- (2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 126 مسألة 100 .
- (3) البقرة 2: 282 .
(الصفحة 488)
بالدين وقلنا بأنّ المراد هوالدين بالمعنى الأعم أو الشامل للعين أيضاً كما اخترناه .
الأمر الثاني ، في حقوق الأموال : كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدمي ، وفي المتن قبول شهادتهنّ فيها ، والوجه فيه أنّه مما يقصد به الأموال وان لم يكن بنفسه مالا ، وقد عرفت في المسألة الرابعة القبول فيه .
الأمر الثالث ، فيما يوجب القصاص : وفي المتن عدم قبول شهادتهنّ فيه ، والدليل عليه موثقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام)قال : لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود(1) ، وبذلك يجمع بين ما يدلّ على عدم جواز شهادتهنّ في القتل ، مثل صحيحة ربعي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا تجوز شهادة النساء في القتل(2) ، وبين صحيحة جميل ومحمد بن حمران المتقدّمة الدالّة على جواز قبول شهادة النساء بالقتل ، معلّلا له بأنّه لا يبطل دم امرئ مسلم(3) ، بحمل الأولى على نفي القود وحمل الثانية على ثبوت الدّية . ويمكن أن يقال بدلالة الثانية على ثبوت الدية في مورد قتل العمد الموجب للقصاص أيضاً ،
وإلاّ يلزم البطلان ، فتدبّر .
وأمّا صحيحة عبد الرحمن المشتملة على قوله : تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال(4) ، فالظاهر أنّه شاذّ لا عامل به منّا ، ولابدّ من ردّ علمه إلى أهله(5) ،
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 358 ، كتاب الشهادات ب24 ح29 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 358 ، كتاب الشهادات ب24 ح27 .
- (3) تقدّمت في ص481.
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح21 .
- (5) راجع مباني تكملة المنهاج : 1 / 123 مسألة 99 .