(الصفحة 498)
وموثقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:
{وَلاَ يَأبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} ، فقال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى :
{وَلاَ يَأبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال : لا ينبغي لأحد إذا دُعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم عليها . وقال : فذلك قبل الكتاب(2) .
ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب(3) .
وما رواه الصدوق باسناده عن محمد بن الفضيل قال : قال العبد الصالح (عليه السلام) : لا ينبغي للذي يدعى إلى الشهادة أن يتقاعس عنها(4) ، إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
هذا ، ويمكن أن يقال : بأنّ التعبير بـ «لا ينبغي» ـ خصوصاً مع وقوعه في مقام
تفسير الآية غير ـ ظاهرة في الوجوب ، لأنّه مثل قوله تعالى :
{وَلاَ يَأبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ}(5) مع عدم وجوب الكتابة عليه ظاهراً ، لا دلالة له على الوجوب ، وان كانت الآية في نفسها ظاهرة في النهي التحريمي عن الإباء عن التحمّل ، ولكن مع ذلك كلّه فالأحوط الوجوب ، كما في المتن .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 5 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 4 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 310 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 6 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 311 ، كتاب الشهادات ب 1 ح 9 .
- (5) البقرة 2 : 282 .
(الصفحة 499)
ثمّ إنّه ربما يقيّد الوجوب بصورة عدم الضرر ، فان كان المنشأ فيه حديث «لاضرر»(2) المعروف فقد ذكرنا عدم ارتباطه بالأحكام الأوليّة وبالعنوان الثانوي ، كما نبّهنا عليه مكرراً ، وان كان المنشأ هو دعوى انصراف دليل وجوب التحمّل إذا دعي عن صورة الضرر ، فلا يبعد الالتزام به كما لا يخفى .
ثم إنّه ذكر في المتن : إنّ الوجوب على فرضه كفائي لا يتعيّن عليه إلاّ مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل .
ويرد عليه أنّ ظاهر الآية الشريفة والروايات الواردة في تفسيرها انّ الوجوب عينيّ مع الدعوة إلى الشهادة ، ولا مانع من الالتزام به لو لم يكن إجماع على خلافه ، خصوصاً مع ملاحظة أمرين : أحدهما: عدم شهود الواقعة نوعاً إلاّ لعدد معدود وجماعة مخصوصة ، وثانيهما : الافتقار إلى إقامة الشهادة بعد التحمّل ، ويمكن أن لا يبقى المتحمّلون بأجمعهم إلى زمان الاداء لفرض الموت للبعض أو عدم إمكان الإقامة لهم ، وعليه فلا ملازمة بين التحمّل والاداء ، وقد ذكر في علم الاصول أنّه مع التردّد بين العيني والكفائي يتعيّن الحمل على العيني ، وان كان الوجه المذكور في الكفاية(3) لذلك مخدوشاً جدّاً .
الأمر الثاني : في وجوب اداء الشهادة إذا طلبت منه ذلك .
فنقول : الدليل على الوجوب قبل كلّ شيء هو قوله تعالى :
{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}(1) ، خصوصاً مع ملاحظة قول الإمام (عليه السلام) في صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة في الأمر الأوّل في قوله تعالى :
{وَمَن يَكتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ} من أنّه بعد
- (1) وسائل الشيعة : 25 / 427 ـ 429 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح1 و3 و4 و5 .
- (2) كفاية الاُصول : 99 .
- (3) البقرة 2 : 283 .
(الصفحة 500)
الشهادة أي بعد تحمّلها ، وهو مقام الاقامة والاداء ، وامّا كون الوجوب هنا كفائياً أيضاً فهو وإن كان أظهر من سابقه لكنّه لا دليل عليه . والمذكور في كلام بعض الأعلام(قدس سره) من أنّ الوجوب الكفائي وان كان قد ذهب إليه الأكثر(2) لكنّه لم يظهر وجهه(3) .
أقول : لا بدّ من فرض البحث فيما إذا لم يثبت الحقّ بعد ، ضرورة أنّه مع ثبوته لا حاجة إلى الشاهد الآخر أصلا ، وحينئذ نقول : إنّ من الممكن جرح الحاكم بعض الشهود ، فإذا اقتصر على المقدار اللازم يلزم عدم صدور الحكم من الحاكم أصلا ، بخلاف ما إذا تصدّى للاداء جميع المتحمّلين ، فالإنصاف أنّه لا دليل على كون الوجوب في هذه الصورة كفائياً أيضاً .
- (1) المبسوط : 8 / 186 ـ 187 ، إصباح الشيعة : 530 ، شرائع الإسلام : 4 / 922 ، قواعد الأحكام : 2 / 240 ، اللمعة الدمشقية : 54 ، مسالك الأفهام : 14 / 264 ، جواهر الكلام : 41 / 184 .
- (2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 139 مسألة 108 .
(الصفحة 501)
القول في الشهادة على الشهادة
مسألة 1 ـ تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت كالقصاص أو غيرها كالطلاق والنسب ، وكذا في الأموال كالدين والقرض والغصب وعقود المعاوضات ، وكذا ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ، وغير ذلك ممّا هو حق آدمي1.
1 ـ يدلّ على قبول الشهادة على الشهادة في الجملة ـ مضافاً إلى عدم الخلاف فيه والاشكال(1) ، بل ادّعي عليه الاجماع في كثير من الكلمات(2) ، وإلى اطلاقات أدلّة حجّية البيّنة في الموضوعات ، ولا دلالة لقوله(صلى الله عليه وآله) : انّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(3) على الاختصاص ببيّنة الأصل ـ روايات متعدّدة واردة في هذا المجال .
مثل موثقة طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان لا يجيز
- (1) كفاية الأحكام : 286 ، رياض المسائل : 9 / 569 .
- (2) كغنية النزوع : 442 ، وغاية المرام : 4 / 299 ، ومسالك الأفهام : 14 / 269 ، وكشف اللثام : 2 / 384 ، وجواهر الكلام : 41 / 189 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
(الصفحة 502)
شهادة رجل على رجل إلاّ شهادة رجلين على رجل(1) . والمراد شهادة رجلين على شهادة رجل ، كما يدلّ عليه موثقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه(عليهما السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلاّ شهادة رجلين على شهادة رجل(2) .
ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق جريان الشهادة على الشهادة في مطلق الحقوق ، ولكن سيجيء ما يدلّ على عدم الجريان في الحدود ، وامّا في مثل الهلال فلا دليل على عدم الجريان ، خلافاً لما حكي عن العلاّمة في التذكرة من عدم ثبوت الهلال بذلك مستدلاًّ عليه بأصالة البراءة عن ذلك(3) ، وأنت خبير بأنّه لا مجال هنا لأصالة البراءة ، بل الأصل الجاري في مثله هو استصحاب العدم على تقديره ، واستصحاب العدم انّما ينفي الوجوب بالإضافة إلى هلال رمضان لا شوّال ، مع أنّه لا موقع للأصل ، مع ثبوت الاطلاق للروايتين الشامل للهلال; لعدم الدليل على استثنائه ، وخروج الحدود لا يلازم خروج الهلال أصلا ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا فرق في جريان الشهادة على الشهادة بين الاُمور المذكورة وبين الاُمور التي لا يطّلع عليها الرجال غالباً ، كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ممّا تقبل فيه شهادتهن منفردات ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون شاهد الفرع رجلا وان كان شاهد الأصل امرأة ، وسيجيء في المسألة السابعة الآتية التعرّض لهذه الجهة إن شاء الله تعالى ، وذكر عنوان الرجل في شاهد الأصل في الروايتين المتقدّمتين ليس لأجل الإختصاص ، بل المقصود قيام البيّنة على ثبوت بيّنة أخرى معتبرة ، سواء
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 403 ، كتاب الشهادات ب44 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 403 ، كتاب الشهادات ب44 ح4 .
- (3) تذكرة الفقهاء : 6 / 135 .