(الصفحة 511)بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة؟ وجهان1.
1 ـ لو شهد الفرع على شهادة الأصل وحكم الحاكم على طبق شهادة الفرع ثم أنكر شاهد الأصل بعد حكم الحاكم ، فلا يلتفت إلى الإنكار بعد فرض وقوع الحكم على طبق الموازين ، وتوقّف الصحة على عدم الإنكار ولو في الآتي مستلزم لعدم صدور الحكم رأساً .
وامّا لو وقع انكار الأصل قبل حكم الحاكم فقد ورد فيه بعض الروايات ، مثل :
صحيحة عبد الرّحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : إنّي لم اشهده ، قال : تجوز شهادة أعدلهما ، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته(1) ، ورواه في الوسائل في باب واحد بعنوان روايتين مع أنـّه من الواضح الوحدة وعدم التعدّد .
وصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : لم أشهده ، قال : فقال : تجوز شهادة أعدلهما ، ولو كان أعدلهما واحداً لم تجز شهادته(2) ، والظاهر أنّ الجملة الأخيرة كانت مثل الجملة الأخيرة في الرواية السابقة ، ضرورة أنّ ظاهرها غير صحيح ، فانّه ـ مضافاً إلى أنّ الأعدلية في عدلين إذا كانت ثابتة لا تعقل أن تكون في أزيد من واحد ـ يرد عليه أنّ الجملة الأولى تدلّ على جواز شهادة أعدلهما فكيف تدل الجملة الثانية على خلافها ، كما أنّ الظاهر أنّ الصحيح في قوله : «لم تجز شهادته» هو لم تجز شهادة في كلتا الروايتين; لأنّه مع وحدة العدالة لا معنى لعدم جواز شهادة واحد منهما خصوصاً مع كون
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ، ح3 .
(الصفحة 512)
المراد الواحد المعيّن .
وكيف كان تدلّ الصحيحتان بالصراحة على جواز شهادة الأعدل فقط ، وبالظهور على عدم الجواز مطلقاً مع التساوي .
هذا ، وقد استشكل المحقّق في الشرائع فيما ذكر بقوله : وهو يشكل بما أنّ الشرط في قبول الفرع عدم الأصل(1) . ولعلّه لأجل ذلك حكي عن ابن حمزة(2) والعلاّمة في المختلف(3) العمل بالروايتين بالإضافة إلى ما بعد الحكم ، نظراً إلى الجمع بينهما وبين ما دلّ على اشتراط تعذّر حضور الأصل .
هذا ، ولكن لا ينبغي إنكار ظهور الصحيحتين بالنسبة إلى قبل الحكم ، ولعلّه لذا دفع المحقّق إشكاله بقوله : وربما أمكن لو قال الأصل : لا أعلم(4) ، لا إذا كذّب الفرع ، لكنّه كماترى خصوصاً مع التصريح بجواز شهادة الأعدل أعمّ ممّا إذا كان أصلا أو فرعاً .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ منع حضور شاهد الأصل عن الشهادة على طبق شاهد الفرع انّما هو فيما إذا كان الأصل باقياً على شهادته ، وإلاّ فلو فرض نسيانه رأساً بحيث لا يجدي التذكّر أيضاً في رفع النسيان لما كان يمنع حضوره عن شهادة الفرع والحكم على طبقها ، ومن الممكن أن يكون انكاره مثل نسيانه ، وكيف كان فلا مساغ للاعراض عن الصحيحتين الظاهرتين فيما قبل الحكم ، فتدبّر .
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
- (2) الوسيلة : 234 .
- (3) مختلف الشيعة : 8 / 526 مسألة 89 .
- (4) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(الصفحة 513)
القول في اللّواحق
مسألة 1 ـ يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشيء الواحد فان اتفقا حكم بهما ، والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ ، فإن شهد أحدهما بأنّه غصب والآخر بأنّه انتزع منه قهراً أو قال أحدهما : باع والآخر ملّكه بعوض تقبل ، ولو اختلفا في المعنى لم تقبل ، فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد والآخر بأنّ هذا ملك زيد لم تردا على معنى واحد; لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له1.
1 ـ وجه اعتبار توارد الشاهدين على الشيء الواحد واضح ، ضرورة أنّه مع عدم التوارد لم تقم البيّنة على مورد واحد ، بل قامت شهادة عدل واحد على كلّ مورد من الموردين ، غاية الأمر عدم اعتبار الاتّحاد في اللفظ والعبارة ، بل الاتحاد في المعنى على حسب فهم العرف ، فلو شهد أحدهما بعنوان الغصب والآخر بعنوان الانتزاع منه قهراً وعدواناً ، أو قال أحدهما : إنّه باع وقال الآخر : إنّه ملّكه بعوض تقبل الشهادتان .
وامّا لو كان المعنى المشهود به مختلفاً ، كأن شهد أحدهما بعنوان البيع والآخر
(الصفحة 514)مسألة 2 ـ لو شهد أحدهما بشيء و شهد الآخر بغيره ، فإن تكاذبا سقطت الشهادتان فلا مجال لضمّ يمين المدّعي ، و إن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى ، و قيل : يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضاً ، و الأشبه ما ذكرناه1.
بإقراره بالبيع ، لم تقبل لمغايرة البيع مع الاقرار ، وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد والآخر بأنّ هذا ملك زيد لم تردا على معنى واحد; لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له .
وهكذا إذا اتّفقا على أمر واختلفا في زمانه ، فقال أحدهما: إنّه باعه في شهر كذا ، وقال الآخر: إنّه باعه في شهر آخر ، بخلاف ما إذا كان أحدهما مطلقاً من حيث الزمان والآخر مقيّداً بزمان مخصوص ، وكذلك لا تقبل إذا اختلفا في المتعلّق ، كما إذا قال أحدهما : إنّه سرق ديناراً ، وقال الآخر : سرق درهماً وهكذا ، ففي جميع ذلك وأمثاله لم يتحقق التوارد على شيء واحد كما لا يخفى ، وسيأتي في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى .
1 ـ لو شهد أحدهما بشيء وشهد الآخر بغيره ، فإن لم يتحقّق بينهما التكاذب الراجع إلى تكذيب كلّ واحد منهما ما يشهد به الآخر ، فالمورد من موارد ضمّ يمين المدّعي إلى الشاهد الواحد; لأنّ المفروض إمكان الجمع بين الشهادتين ومعهما يمين المدّعي ، والمورد يكفي فيه الشاهد الواحد مع اليمين ، وإن وقع بينهما التكاذب فقد نسب الاجتزاء باليمين في صورة التكاذب في الدروس إلى القيل(1) مشعراً بتمريضه ، ولكن ذكر في الجواهر : إنّه في غير محلّه; لأنّ التكاذب المقتضي
- (1) الدروس الشرعية : 2 / 135 .
(الصفحة 515)مسألة 3 ـ لو شهد أحدهما بأنّه سرق نصاباً غدوة و الآخر بأنّه سرق نصاباً عشيّة لم يقطع و لم يحكم بردّ المال ، و كذا لو قال الآخر : سرق هذا النصاب بعينه عشية1.
للتعارض الذي يفزع فيه للترجيح وغيره انّما يكون في البيّنين الكاملتين لا بين الشاهدين ، كما هو واضح(1) .
ولكنّه يمكن أن يقال بوجود ملاك التساقط على ما تقتضيه القاعدة في الأمارتين المتعارضتين في الشاهدين أيضاً بعد كون الاعتبار لهما من هذا الباب ، وإن كان لا فائدة فيه مع عدم ضمّ اليمين كما لا يخفى .
1 ـ امّا عدم القطع وعدم الحكم بردّ المال في الصورة الثانية فلأجل عدم توارد الشهادتين على فعل واحد; لأنّ المفروض شهادة أحدهما بسرقة النصاب غدوة والآخر بأنّ ذلك النصاب قد سرق عشيّة ، والاختلاف في الزمان موجب لتحقّق المغايرة بين الأمرين ، وامّا في الصورة الاُولى التي يكون المشهود به فيها سرقة النصاب فلأجل ما ذكر من أنّه شهادة على فعلين لم يثبت أحدهما ، وقد ذكر المحقّق في الشرائع : لو شهد أحدهما أنّه سرق نصاباً غدوة وشهد الآخر أنّه سرق عشية لم يحكم بها; لأنّها شهادة على فعلين ، وكذا لو شهد الآخر أنّه سرق ذلك بعينه عشية; لتحقّق التعارض أو لتغاير الفعلين(2) .
وقال في المسالك : إنّ في التعليل لفّ ونشر غير مرتّب ، فإنّ تحقّق التعارض الذي علّل به أوّلا يحصل في الفرض الثاني ، وتغاير الفعلين يحصل
- (1) جواهر الكلام : 41 / 212 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 925 ـ 926 .