(الصفحة 517)
ذكرنا من عدم توارد الشهادتين على فعل واحد ، خصوصاً مع أنّ الخصوصيات المزبورة قيود راجعة إلى الفعل ، ونسبته إلى الفاعل على ما حقّقناه في المعاني الحرفية من علم الاُصول من أنّ كلّ القيود ترجع إلى الإضافة ، والنسبة التي هي معنى حرفي .
هذا ، ويكن أن يقال : إنّ الخصوصيات حيث إنّه لا دخل لها في ثبوت الحدّ ضرورة أنّ الموجب للحكم بثبوت الحدّ هو أصل السرقة مع الشرائط المذكورة في محلّه ، وامّا كون زمان السرقة يوم الجمعة أو يوم السبت ، أو كون مكانها السوق أو البيت ، أو كون المال المسروق ديناراً عراقياً أو كويتياً فلا دخل له في ذلك ، وعليه فأصل السرقة الموجب للحكم بثبوت الحدّ متّفق عليه بين الشاهدين ، والخصوصيات المختلف فيها لا دخل لها في ذلك ، لكنّ الذي استظهر صاحب الجواهر من كلام الأصحاب في مثل القتل ممّا لا يقبل التعدّد عدم تكمّل الشهادة وعدم ثبوت القطع(1) .
هذا ، ولو كانت هناك بينتان ووقع التعارض بينهما ، كالمثال الأخير المذكور في المتن ، ففيه أنّه سقطتا على الأشبه ، والوجه فيه ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين هو التساقط ، إلاّ في مثل الخبرين المتعارضين اللذين ورد فيهما الأخبار العلاجيّة ، كمقبولة ابن حنظلة(2) وغيرها ، ولا مجال لإلغاء الخصوصية منها لابالإضافة إلى مطلق الأمارتين ولا بالإضافة إلى خصوص ما يشابه الخبرين من الأمارتين ، كما لا يخفى . وعليه فلا يثبت بشيء منهما في المقام لا القطع ولا الغرم .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 213 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
(الصفحة 518)مسألة 5 ـ لو شهد أحدهما أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر أنّه باعه أوّل الزوال بدينارين لم يثبت وسقطتا ، وقيل : كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، وفيه ضعف ، ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر قيل ثبت الديناران والأشبه سقوطهما ، وكذا لو شهد واحد بالاقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا ، وقيل : يثبت بهما الألف والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني وهو ضعيف ، فالضابط أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان بيّنة كانا أو شهادة واحدة ، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لفروع متعدّدة :
الأوّل : ما لو شهد أحد الشاهدين أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر أنّه باع هذا الثوب في نفس الوقت من آخر بدينارين ، ففي المتن لم يثبت أي البيع مطلقا وسقطتا; لأنّ المفروض تعارض الشاهدين لا البينتين ، والدليل عليه ما عرفت من عدم تمامية الشهادة على كلّ واحد من البيعين; لأنّ المفروض عدم توارد الشهادتين على مورد واحد بعد كون الثمن قوام البيع من ناحية واختلافهما فيه من ناحية اُخرى ، وعليه فلا يكون للبائع مطالبة أحد المشتريين بشيء من الثمنين .
ولكن ذكر المحقّق في الشرائع : وكان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين(1) واستضعفه الماتن(قدس سره) ، ولعلّ وجهه أنّ الاكتفاء بالشاهد واليمين في الحقوق المالية انّما هو فيما إذا لم يكن للشاهد معارض ، ومع التعارض الموجب للسقوط لا محالة
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
(الصفحة 519)
لا مجال للمطالبة بوجه .
الثاني : ما لو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر ، بأن قامت البيّنة على كلّ واحد من البيعين ، ففي الشرائع ثبت الديناران(1) ، وفي المتن الأشبه سقوطهما ، والوجه في السقوط هو التعارض الموجب له ، وفي ثبوت الدينارين هو قيام البيّنة عليه أيضاً ، وعليه فإذا ادّعى الدينارين ثبتا ولغت البيّنة الاُخرى ، ولكن في محكي المبسوط(2)وجواهر القاضي(3) أنّ البيّنتين متعارضتان فيقرع ، واُورد عليهما صاحب الجواهر(قدس سره) بأنّه انّما يتمّ إذا كان لكلّ من الثمنين مدّع ، كأن يدّعي المشتري أنّه اشتراه بدينار والبائع بدينارين(4) ، والحقّ مع المتن .
الثالث : ما لو شهد واحد بالإقرار بألف أي لزيد في زمان معيّن ، وشهد الآخر بألفين أي لزيد في نفس ذلك الزمان ، والمذكور في الكتاب المذكور أنّه يثبت الألف بهما والآخر بانضمام اليمين(5) ولعلّ الوجه فيه أنّ الألف متّفق عليه بينهما والألف الآخر له شاهد ويمين ، وفرّق بينه وبين البيع بدينار أو دينارين صاحب الجواهر(قدس سره)(6) ، مع اشتراكهما في امتناع الوقوع في وقت واحد أنّ المشهود به في البيع غير قابل للاجتماع في نفسه ، وأمّا في باب الإقرار فانّ التلفّظ بلفظين مختلفين في وقت واحد وان كان ممتنعاً إلاّ أنّ الشهادة بدينار لا تنفي الزائد ، فيجوز أن لا يكون
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
- (2) المبسوط: 8 / 242.
- (3) جواهر الفقه : 232 ـ 233 مسألة 807 .
- (4) جواهر الكلام : 41 / 215 .
- (5) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
- (6) جواهر الكلام : 41 / 215 .
(الصفحة 520)مسألة 6 ـ لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو أُغمي عليهما حكم بشهادتهما ، وكذا لو شهدا ثم زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية ، وكذا لو شهدا ثم فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد الفرع ،ولا فرق في حدود الله تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلا يثبت الحدّ في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته1.
الشاهد سمع إلاّ ديناراً أو لم يقطع إلاّ به وتردّد في الزائد أو مثل ذلك .
هذا ، ولكن ضعّفه الماتن(قدس سره) نظراً إلى أنّ التعارض مطلقا موجب للتساقط ، سواء كان الطرفان هما البينتين أو الشاهدين لما ذكرنا سابقاً ، نعم لو لم يكن هناك تعارض لكان العمل بالشاهد الواحد مع انضمام اليمين في محلّه .
1 ـ لو شهدا عند الحاكم مع اجتماع شرائط الشهادة ، ولكنّه قبل الحكم وانشائه عرض لهما أو لأحدهما الموت أو الجنون أو الاغماء ، فلا إشكال بل لا خلاف في جواز الحكم بشهادتهما(1); لأنّ المفروض اجتماع شرائط الشهادة عند إقامتها وادائها ، ولم يدلّ دليل على لزوم البقاء إلى تمامية الحكم بل لا وجه له أصلا ، لعدم دخالة البقاء في حكمه .
وكذا لو شهدا وقبل أن يزكّيا عرض لهما أو لأحدهما شيء من العوارض السابقة ، ثم زكّيا بعده أو شهدا ثم عرض لهما أو لأحدهما الفسق أو الكفر قبل
- (1) راجع جواهر الكلام : 41 / 217 .
(الصفحة 521)
الحكم ، فانّه لا يمنع ذلك عن الحكم بعد اجتماع الشرائط وجداناً أو بالبيّنة قبل حكم الحاكم ، واستناد الحكم إلى البيّنة الجامعة للشرائط ، بل نفى في المتن البُعد عن ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد شاهد الفرغ .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين حقوق الناس وبين حدود الله تبارك وتعالى في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فقد ذكر في المتن أنّه لا يثبت في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللّواط ، بل قال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(1) ، بل في المسالك اتّفاق الفريقين على ذلك(2) معلّلا له في الشرائع بأنّه مبنيّ على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(3) ، ولأجل ذلك يتحقّق الفرق بين الفسق والكفر وبين الجنون الذي يكون الظاهر اتفاقهم على عدم سقوط الحدّ فيه .
وامّا الحقوق المشتركة بينه تعالى وبين العباد ، كالقذف والسرقة بالإضافة إلى القطع فقد تردّد فيه الماتن(قدس سره) ، ولكنّ المحقّق في الشرائع جعل الأشبه الحكم لتعلّق حق الآدمي به ، مع أنّه لا فرق في الشبهة الدارئة للحدّ بين حق الله محضاً والحقّ المشترك . نعم في القصاص الذي هو من حقوق الآدميين محضاً ـ ولأجله يسقط بالإسقاط مطلقا أو مع الدّية في صورة رضا الجاني ـ الظاهر الثبوت ، ولا مجال لإحتمال كونه من الحدود ، كما لا يخفى .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
- (2) حكاه عنه في جواهر الكلام : 41 / 219 ، لكن لم نجد هذه العبارة في مسالك الأفهام ، بل قال في ج14 / 295 : اتفق القائلان ، وفي الطبعة الحجرية منه ج2 / 419 : اتّفق القائلون ، ويمكن أن يراد من «الفريقين» القائلون بقولين السابقين في أصل المسألة .
- (3 و 4) شرائع الإسلام : 4 / 927 .