(الصفحة 52)
ولا يخلف عليك ، وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته . فقال إسماعيل : يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر ، إنّما سمعت الناس يقولون .
فقال : يا بنيّ إنّ الله عزّوجلّ يقول في كتابه :
{يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِين}(1)يقول : يصدّق لله ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم ، ولا تأتمن شارب الخمر ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول :
{وَلاَ تُؤْتُوا السُفَهَاءَ أَموَالَكُم}(2) فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟! إنّ شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب ، ولا يشفّع إذا شفع ، ولا يؤتمن على أمانة ، فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه(3) .
والرواية وإن كانت صحيحة ، لكن في دلالتها مناقشة أو مناقشات من جهة أنّ تصديق النّبي (صلى الله عليه وآله) للمؤمنين مرجعه إلى تصديقه (صلى الله عليه وآله) لكلّ مؤمن ، لا للمجموع الذي يفيد قولهم العلم أو الاطمئنان ، ومن الواضح أنّ تصديق الواحد لا يرجع إلى ترتيب الأثر العملي على قول الواحد ولو كان فاسقاً ، بل إلى قوله تعالى :
{أُذُنُ خَيْر لَكُمْ}(4) مع أنّ الرواية ظاهرة في كون الرجل شارب الخمر ، والظاهر أنّ الإمام (عليه السلام)كان عالماً بذلك ، وإلاّ فمجرّد البلوغ الذي يتحقّق بإخبار واحد فاسق ، لا يجوز النسبة إليه من مثل الإمام الناهي عن ائتمان شارب الخمر ، ولا يكاد يحتمل الجمع بين ائتمان شارب الخمر الموجب لاداء الدنانير إليه ، وحصول الاطمئنان له بشرب الخمر من قول الناس ، كما يؤيّده قوله : «إنّي لم أره يشرب الخمر» . كما لايخفى .
- (1) سورة التوبة 9: 61.
- (2) سورة النساء 4 : 5 .
- (3) الكافي : 5 / 299 ح1 ، الوسائل : 19 / 82 ، كتاب الوديعة ب6 ح1 .
- (4) سورة التوبة 9 : 61 .
(الصفحة 53)مسألة 3 : لابدّ من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كلّ من المترافعين ، ولا يكفي الثبوت عند أحدهما1.
مسألة 4 : يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر ، فلابدّ له من الحكم على طبق رأيه ، لا رأي غيره ولو كان أعلم2.
مسألة 5 : لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة ، فلايبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم ، وإلاّ فالأحوط اختيار
فالإنصاف أنّه لا يتمّ الاستدلال بالرواية على حجّية الشياع مطلقاً ، ولو لم يفد العلم أو الاطمئنان .
1 ـ لأنّ القضاء عبارة عن فصل الخصومة ورفع التنازع ، أو ولاية على ذلك ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالاجتماع عند كلّ منهما .
2 ـ بناءً على اعتبار الاجتهاد في القاضي مطلقاً أو في زمان خاصّ كما عرفت ، يكون الوجه في ذلك رفع التنازع والتخاصم بما يراه الحاكم رفعاً شرعيّاً ، خصوصاً فيما إذا كان منشأ التخاصم اختلاف مرجعي التقليد للمتداعين كما عرفت مثاله سابقاً ، فإنّه حينئذ لا يرتفع النزاع والتخاصم إلاّ بما يراه الحاكم الشرعي حكماً إلهيّاً ، وإلاّ فالحكم على طبق رأي الغير لا يكون كذلك .
وهذا لا فرق فيه بين أن يرى الغير مساوياً له أو أعلم منه ، فإنّ المجتهد ولو كان متجزّياً إذا خالف رأيه رأي الغير يرى الغير مخطئاً ولو كان أعلم ، وهذا بخلاف اعتبار العدالة في القاضي ، الذي يكون الوجه فيه عند العرف تساويهما عنده بحيث يطمئنان بذلك .
(الصفحة 54)الأعلم . ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة1.
1 ـ لو كان القاضيان متساويين في العلم لا مختلفين ، الذي عرفت أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي تعيّنه للمراجعة إليه ، وكان كلّ من المدعي والمنكر متمحّضاً في هذه الجهة بأن كان المدّعي مدّعياً فقط والمنكر منكراً كذلك ، واختار كلّ منهما حاكماً خاصّاً لرفع الخصومة مع تساويهما في العلم ، فقد نفى البعد في المتن عن تقديم اختيار المدّعي .
وعمدة المستند في ذلك الإجماع ، كما استدلّ به صاحب المستند فيما حكي عنه(1) ، وهو إنّما يتمّ على تقدير ثبوت الأصالة له ، بأن لا يكون مستند المجمعين بعض الوجوه الاعتباريّة التي أضافها المستدلّ إلى الإجماع ، مثل أنّه لم يطالب بالحقّ ولا حقّ لغيره أوّلا ، فمن طلب منه المدّعي استنقاذ حقّه يجب عليه الفحص ، فيجب اتّباعه ولا وجوب لغيره(2) .
واستشكل عليه السيّد في ملحقات العروة : بأنّ كون الحقّ له غيرمعلوم ، وإن أريد أنّ حقّ الدعوى له، حيث إنّ له أن يدّعي وله أن يترك، ففيه: أنّ مجرّد هذا لا يوجب تقديم مختاره، إذ بعد الدعوى يكون للآخر أيضاً حقّ الجواب، مع أنّه يمكن أن يسبق المدّعى عليه بعد الدعوى إلى حاكم، ويطلب منه تخليصه من دعوى المدّعي(3).
أقول : الظاهر تحقّق الإجماع وثبوت الأصالة له بعد أن لا يكون في المسألة نصّ ، ولا وجه آخر يصلح الاعتماد عليه . هذا ، وأمّا لو كان كلّ منهما مدّعياً من
- (1 ، 2) مستند الشيعة : 2 / 522 المسألة التاسعة (ط ق) .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 14 ـ 15 .
(الصفحة 55)مسألة 6 : إذا كان لأحد من الرّعية دعوى على القاضي ، فرفع إلى قاض آخر ، تسمع دعواه وأحضره ، ويجب على القاضي إجابته ، ويعمل معه الحاكم في القضيّة معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية1.
جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، كما إذا زوّجت الباكرة الرشيدة نفسها من رجل ، وزوّجها أبوها من آخر ، فتنازع الرجلان في زوجيّتها . أو تنازع اثنان فيما في يد ثالث يقول : بأنّه لا يكون ملكاً ، ولا يؤيّد أحدهما بالخصوص ، أو موارد اُخر تكون من هذا القبيل ، فلا محيص إلاّ القرعة التي هي لكلّ أمر مشتبه ، سيّما في الاُمور المالية التي هي حقّ الناس .
1 ـ ذكروا أنـّه إذا كان للحاكم منازعة مع غيره لا ينفذ حكمه لنفسه على ذلك الغير ، ولو بأن يوكّل غيره في المرافعة معه ترافعا إليه ، بل يلزم الرجوع إلى حاكم آخر بالإجماع وأخبار رجوع المتنازعين إلى من عرف أحكامهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم(1) . فاللاّزم أن يكون الحاكم غيرهما . نعم له أن ينقل حقّه إلى غيره ، ثم يرجع ذلك الغير مع الخصم إليه ، فإنّه حينئذ ينفذ حكمه لذلك الغير وإن انتقل إليه بعد ذلك بإقالة ونحوها ، بل استظهر جواز ذلك وإن كان النقل إلى الغير بشرط الخيار لنفسه في الفسخ ، أي بشرط أن يكون الفسخ فسخاً من الحين لا من حين أصل الانتقال ، كما هو الظاهر .
وكذا لا ينفذ حكمه لمن له عليه ولاية خاصّة كالاُبوّة والوصاية; لأنّه هو المنازع في الحقيقة ، وإن وكّل غيره في المرافعة فترافعا إليه . وأمّا فيما لو كان له ولاية عامّة كالولاية على الأيتام والمجانين والغيّب وغيرهم ، ففي نفوذ حكمه لهم قولان : اختار
- (1) يراجع الوسائل : 27 / 136 ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
(الصفحة 56)مسألة 7 : يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر عن القاضي ، بل قد يجب ، نعم لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز إلاّ بعد الإحراز ، كما لايجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً ، ومع علمه بعدم أهليّته ينتقض حكمه1.
العلاّمة في محكيّ التحرير وتبعه صاحب الجواهر (قدس سره)النفوذ(1); لأنّ كلّ قاض وليّ اليتيم ، ولا فرق بينه وبين قاض آخر .
وأمّا الفرض المذكور في المتن فهو عبارة عن أنّه إذا رفع أحد الرعيّة التي تدّعي على القاضي المرافعة إلى قاض آخر، ثمّ أحضر القاضي الأوّل، فالواجب عليه الإجابة والحضور كآحاد من الناس ، ويعامل الحاكم الآخر معه معاملته مع مدّعيه في التساوي في الآداب من دون فرق ، كما ربّما يحكى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)حضر مجلس شريح القاضي كحضور أحد من الناس من دون تفاوت(2) . ولعلّ هذا من خصائص الإسلام ، الذي له أحكام خاصّة ومقرّرات مخصوصة سيّما في باب القضاء ، كما لايخفى .
1 ـ
أقول : بعدما عرفت في المسألة المفصّلة الثامنة المتقدّمة قبل القول في صفات القاضي وخصوصيّاته ، أنّه لا يجوز للمترافعين ـ بعد رفع التنازع والخصومة بسبب فقيه جامع للشرائط قاض على طبق موازين الشرع ـ الترافع إلى قاض آخر ، ولو كان كلاهما متوافقين على ذلك ، وأنّه لا يجوز للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه إلاّ في بعض الموارد . وبعدما عرفت في المسألة الثالثة المتقدّمة في هذا الفصل ـ أنّه لابدّ
- (1) تحرير الأحكام : 2 / 181 ، جواهر الكلام : 22 / 333 وج40 / 377 .
- (2) حلية الأولياء : 4 / 139 ، تلخيص الحبير : 4 / 193 ح2105 ، المغني لابن قدامة : 11 / 444 .