(الصفحة 72)
المرتضى والشيخ الطوسي (قدس سرهما) مثلا(1) .
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إذا تقدّمت مع خصم إلى وال أو إلى قاض فكن عن يمينه ـ يعني يمين الخصم ـ(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام(3) .
هذا ، ولكن دلالة الروايتين مخدوشة; لأنّ في الأولى ـ مضافاً إلى ذكر الوالي مع القاضي ، والظاهر كون القاضي من قضاة الجور ، وإلى عدم انطباقها على المدّعى; لأنـّه عبارة عن سماع القاضي دعوى من على يمين صاحبه ، والرواية آمرة بالكون عن يمينه ـ عدم وضوح كون الضمير في «يمينه» راجعاً إلى الخصم ، بل إلى الوالي أو القاضي . والتفسير المذكور ليس من الإمام (عليه السلام) ، أو لا يعلم كونه منه .
والرواية الثانية ـ مضافاً إلى الظهور في كون المراد يمين المتكلّم ـ لا دلالة لها على مسألة القضاء بوجه ، والإطلاق بحيث يشمل مجلس القاضي مشكل .
وكيف كان فلم ينهض دليل قويّ على ما أفاده في المتن ، وإن لم ينقل الخلاف فيه من أحد من علمائنا الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وإن كان يظهر من محكيّ المبسوط أنّ لهم فيه أقوالا مختلفة :
القول بالقرعة .
والقول بتقديم الحاكم من شاء .
- (1) الإنتصار : 495 ، النهاية : 338 .
- (2) الفقيه : 3 / 7 ح8 ، الإنتصار : 496 ، التهذيب : 6 / 227 ح548 ، الوسائل : 27 / 218 ، أبواب آداب القاضي ب5 ح1 .
- (3) الفقيه : 3 / 7 ح25 ، الإنتصار : 495 ، الوسائل : 27 / 218 ، أبواب آداب القاضي ب5 ح2 .
(الصفحة 73)
والقول بأنّه يصرفهما حتى يصطلحا .
والقول بأنّه يستحلف كلّ واحد منهما لصاحبه(1) .
بقي الكلام في أنّه لو اتّفق حاضر ومسافر ، فذكر في المتن أنّهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير فيقدّم دفعاً لضرره ، ثم قال : «وفيه تردّد» . والظاهر أنّ وجه التساوي عدم قيام الدليل على تقديم الحاضر بعنوانه أو المسافر كذلك . نعم في صورة تضرّر أحدهما بالتأخير يقدّم لقاعدة نفي الضرر والضرار ، وحيث إنّ مفادها مختلف بحسب الأنظار من جهة كونه حكماً حكوميّاً كما عليه الماتن ، أو دالاًّ على الحكم الشرعيّ الأوّلي ، مثل قوله تعالى :
{فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ}(2) ، أو دالاًّ على الحكم الشرعيّ الثانوي ، كما عليه الشيخ الأنصاريّ والمحقّق الخراسانيّ(3) ، وإن كان بينهما اختلاف في بعض الجهات; فلذا قد تردّد فيه . فتدبّر .
- (1) المبسوط : 8 / 153 ـ 154 .
- (2) سورة البقرة 2 : 197 .
- (3) القضاءوالشهادات (تراث الشيخ الأنصاري): 22/118، فرائدالاُصول: 2/535، كفاية الاُصول: 430 ـ 435.
(الصفحة 74)
(الصفحة 75)
القول في شروط سماع الدّعوى
وليعلم أنّ تشخيص المدعي والمنكر عرفيّ كسائر الموضوعات العرفيّة ، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما ، وقد عرِّف بتعاريف متقاربة ، والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد ، كقولهم : إنّه من لو تَرَكَ تُرِكَ ، أو يدّعي خلاف الأصل ، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره . والأولى الإيكال إلى العرف ، وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها ، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ1.
1 ـ قد عرِّف المدّعي بتعاريف :
أحدها : أنّه من لو ترك ترك ، والظاهر أنّ المراد تركه في تلك الدعوى لا مطلقاً ، فلو كان عنده مال للغير وادّعى الردّ يكون مدّعياً; لأنّه لو ترك هذه الدعوى ترك فيها ، فيكون المال باقياً عنده ، ولا ينافي عدم تركه من هذه الجهة .
ثانيها : أنّه من يدّعي خلاف الأصل ، والظاهر أنّ المراد منه أعمّ من الأصل العملي والأمارات المعتبرة شرعاً كاليد ونحوها ، فلو ادعّى داراً تكون في يد المنكر يكون هو مدّعياً; لأنّه يدّعي خلاف الأمارة المعتبرة وهي اليد . وأمّا أصالة عدم
(الصفحة 76)
الملكيّة فهي مشتركة بين المتخاصمين ، كما لايخفى .
ثالثها : من يدّعي خلاف الظاهر أو خلاف الأصل أو الظاهر ، والظاهر أنّ المراد بالظاهر هو الظاهر المعتبر ، فيرجع إلى ما قبله ، والظاهر غير المعتبر لا عبرة به أصلا .
رابعها : من يكون في مقام إثبات أمر على غيره ، وهنا تعاريف اُخر غير ما ذكرنا ، لكنّه ينبغي أن يعلم :
أوّلا : أنّ الشارع الأقدس لا يكون له بالإضافة إليهما اصطلاح خاصّ بصورة الحقيقة الشرعيّة أو المجاز الشرعي; لعدم كون معناهما مستحدثاً بوجه ، بل استعماله إنّما يكون كاستعمال الغير .
وثانياً : أنّ المراد من التعاريف بيان الموارد والمصاديق ، وإلاّ فاللفظان لا إشكال ولا شبهة فيهما من حيث المادّة والهيئة ، ولا اختلاف فيهما من حيث اللغة ، وليسا كلفظ الصعيد المذكور في آية التيمّم المردّد بين خصوص التراب الخالص أو مطلق وجه الأرض; لاختلاف اللغة في ذلك .
وثالثاً : أنّ المذكور في الروايات بالمقدار الذي تتبّعنا ـ على أنّ بعض الروايات الواردة في قصّة فدك المنقولة في الوسائل والمستدرك قد وردت فيها مادّة المنكر(1)فراجع ـ من ادّعي عليه بدل المنكر حتى في الرواية المعروفة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ففي صحيحة جميل وهشام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه(2) .
- (1) الوسائل: 27 / 293، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3، مستدرك الوسائل: 17 / 368، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح5.
- (2) الكافي : 7 / 415 ح1 ، التهذيب : 6 / 229 ح553 ، الوسائل : 27 / 233 ، أبواب كيفية الحكم ب3 ح1 .