(الصفحة 99)
فصل في جواب المدّعى عليه
المدّعى عليه إمّا أن يسكت عن الجواب
أو يقرّ
أو ينكر
أو يقول : «لا أدري»
أو يقول : «أدّيت» ، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي1.
1 ـ في كون السكوت جواباً مسامحة واضحة بعد كونه سكوتاً عن الجواب ، والمراد معاملة المدّعى عليه في قبال ادّعاء المدّعي ، كما أنّ المفعول في مثل قوله : أدّيت هو الحقّ عيناً أو ديناً ، فيشمل كلتا الصورتين .
(الصفحة 100)
القول في الجواب بالإقرار
مسألة 1 : إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به ، وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه وغير ذلك . ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلاّ بإذن المقرّ له ، وجاز لغيره إلزامه ، بل وجب من باب الأمر بالمعروف . وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة ، وعدم جواز التصرّف إلاّ بإذن من قامت على حقّه ، نعم في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال; لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ، ولم تكن البيّنة عنده عادلة ، ومعه لا يجوز أمره ونهيه ، بخلاف الثبوت بالإقرار1.
1 ـ إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ الذي ادّعاه المدّعي عيناً أو ديناً ، وكان جامعاً لشرائط الإقرار المذكورة في كتاب الإقرار ، وفي قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، التي هي من القواعد الفقهيّة المبحوث عنها في محالّها ، فتارةً يحكم الحاكم
(الصفحة 101)
على طبقه واُخرى لا يحكم .
ففي صورة الحكم على طبق الإقرار ـ بناءً على القول بعدم اختصاص الحكم الذي هو إنشاء من القاضي لرفع التنازع وفصل الخصومة ، كما سيأتي بغير صورة الإقرار بناءًعلى اختصاصه بصورةوجودالمخاصمة، ومع الإقراربدعوى المدّعي لا مخاصمة، كما عرفت في الحكم على الغائب ـ يُلزم الحاكم المقرَّ بما أقرّ به وانفصلت الخصومة ، ويترتّب عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه ، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر ، وعدم جواز سماع حاكم آخر دعواه على تقدير الرفع ، وغير ذلك من لوازم الحكم .
وكيف كان لا فرق في صورة الحكم بين ما لو كان المنشأ هو البيّنة أو الإقرار أو غيرهما ، فإذا تحقّق إنشاء الحكم يترتّب عليه جميع آثاره .
وفي صورة عدم الحكم فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه لا فرق بين الإقرار والبيّنة من جهة ، وفرق بينهما من جهة اُخرى .
أمّا الجهة الاُولى : فهي أنّ المقرّ مأخوذ بإقراره ، فلا يجوز لأحد بعد الإقرار التصرّف في مال المقرّ ، الذي أقرّ له به إلاّ مع إذنه وإجازته; لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وهو لا يكون جائزاً ، كما أنّه مع قيام البيّنة يكون الحال هكذا ، فلا يجوز لأحد التصرّف في المال الّذي قامت البيّنة على كونه للمدّعي بدون إذنه ، وإن لم يتحقّق حكم الحاكم أصلا .
وأمّا الجهة الثانية : فهي أنّه يجوز بل يجب في صورة الإقرار منع الغير عن التصرّف بدون الإذن; لأنّه من مصاديق النهي عن المنكر . وأمّا في صورة البيّنة ، فقد استشكل في الجواز أو الوجوب في المتن ، نظراً إلى أنّه يمكن أن لا يكون الحقّ ثابتاً عنده ، أو لم تكن البيّنة عنده عادلة معتبرة ، وحكي عن المسالك في مقام الفرق بين البيّنة والإقرار : أنّ البيّنة منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها وردّها وهو
(الصفحة 102)
غير معلوم بخلاف الإقرار(1) ، وأورد عليه السيّد الطباطبائي بأنّه لا فرق بينهما لا من جهة فصل الخصومة وصحّة حكم الحاكم على طبق أحدهما ، ولا من جهة ثبوت الحقّ وعدمه ، وجواز المطالبة والإلزام وعدمه بناءً على عموم حجّية البيّنة .
نعم على القول الآخر وهو عدم حجّية البيّنة إلاّ للحاكم يكون الفرق بينهما ثابتاً ، ضرورة أنّه على هذا القول لا يثبت الحقّ إلاّ بعد حكمه يعني إذا كان منشأه البيّنة ، ثم قال ما ملخّصه : أنّه يمكن الفرق على القول بالعموم أيضاً ، نظراً إلى أنّ تحقّق الإقرار لا يحتاج إلى مؤنة واجتهاد غالباً ، فإنّ حجّيته معلومة ، والشرح لا يكون له تأسيس في ذلك ، ودلالة الألفاظ على الإقرار واضحة غالباً بخلاف البيّنة في كلتا الجهتين ، ويمكن أن يكون نظر صاحب المسالك في الفرق إلى الغالب(2) .
أقول : الظاهر أنّ النزاع في عموميّة حجّية البيّنة وعدمها ، فيما إذا لم تكن البيّنة قائمة على أمر يتعلّق بعموم المكلّفين ، كما إذا قامت البيّنة على نجاسة مائع خارجيّ مخصوص ، فإنّه لا شبهة في حجّيتها بالإضافة إلى عموم من قامت عنده ولا اختصاص لها بما إذا كان في حضور الحاكم ، مثاله : ما إذا كانت البيّنة قائمة على أنّ الدار مثلا التي في يد عمرو المدعى عليه لزيد المدّعي ، فإنّه في مثله وقع الكلام في حجّيته المطلقة وعدمها; لأنّ البيّنة حينئذ لا ترتبط بالعموم; لأنّ أمر الدار مردّد بين أن يكون لزيد أو عمرو ، ولا ارتباط له بشخص ثالث ، والتحقيق في محلّه .
وكيف كان فمع كون المفروض قيام البيّنة وحضور الحاكم في المقام لا يكون فرق بين الإقرار والبيّنة ، كما أفاده السيّد (قدس سره) .
- (1) مسالك الأفهام : 13 / 442 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 48 ـ 49 .
(الصفحة 103)مسألة 2 : بعد إقرار المدّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلاّ بعد طلب المدّعي ، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقّف استيفاء حقّه عليه على الأقوى ، ومع عدم التوقّف على الأحوط بل لا يخلو من وجه ، وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ، ففي فصل الخصومة به تردّد1.
1 ـ في مفروض المسألة أربع صور :
الاُولى : ما إذا طلب المدّعي ـ بعد إقرار المدّعى عليه ـ من الحاكم الحكم ، ويكون استيفاء حقّه منه متوقّفاً عليه ، وبدونه لا يصل إلى حقّه الثابت بالإقرار كما هو المفروض ، وفي هذه الصورة يجب على الحاكم الحكم; لأن يصل إلى حقّه كما هي حكمة جعل القضاء ، الذي هو على خلاف الأصل .
الثانية: الصورة المفروضة مع عدم كون استيفاء حقّه من المدّعى عليه متوقّفاً على حكم الحاكم ، وقد احتاط في المتن وجوباً بالحكم ، بل نفى خلوّه عن وجه ، والوجه فيه : أنّه وإن كان أصل الحق ثابتاً بالإقرار ، والاستيفاء غير متوقّف على الحكم ، إلاّ أنّه حيث كان المدّعي مطالباً له ، وفصل الخصومة الذي تترتّب عليه الأحكام المذكورة المتقدّمة لا يحصل إلاّ به ، يجب عليه ذلك ، خصوصاً فيما إذا احتمل المدّعي رجوع المدّعى عليه عن إقراره ، والرجوع إلى حاكم آخر ، وربّما تكون نتيجة الحكم عائدة إلى المدّعى عليه ، ففي هذه الصورة أيضاً يجب الحكم على الحاكم .
الثالثة والرابعة : صورتا عدم الطلب أو طلب العدم ، وفي هاتين الصورتين هل يجب على الحاكم الحكم؟ وهل يتحقّق فصل الخصومة ؟
فقدتردّد فيه الماتن (قدس سره)، ومنشأه ماحكي عن الشيخ في المبسوط من أنّه لا يجوز(1);
- (1) المبسوط : 8 / 157 ـ 158 .