(الصفحة 176)
أو المصالحة أو الهبة أو نحوها ممّا يوجب حصول الملكيّة الشرعيّة للميّت مع احتمال التحقّق بحسب الواقع ، والقدر المسلّم هو تقدّم البيّنة على اليد مع تعارضهما لا فيما هو المفروض .
وأمّا ما أفاده السيّد الطباطبائي من أنّ الاستصحاب في هذه الصّورة مقدّم على اليد الفعلية على الأقوى; لكونه موضوعيّاً ، فيكون حال العين في هذه الصورة حال الدين في الحاجة إلى اليمين; لدفع احتمال تجدّد اليد والنقل الجديد(1) ، فمدفوع بعدم التقدّم لحجّية مثبتات الأمارة ، مضافاً إلى لزوم عدم جواز التمسّك باليد في موارد كثيرة كما لايخفى ، ومنه يظهر أنّه لا يجوز للقاضي القضاء بنفع المدّعي حينئذ ، لا باستناد البيّنة ، لأنّها قائمة على كيفيّة اليد ، ولا باستناد الاستصحاب في مقابل يد المدّعى عليه كما لايخفى .
ثمّ إنّه نفى الإشكال في المتن عن لحوق العين بالدين فيما إذا تلفت قبل موته مضمونة عليه على فرض صدق المدّعي في دعواه . والظاهر أنّ منشأه هو الانتقال إلى القيمة في هذه الحالة لفرض التلف ، مع أنّه يرد عليه :
أوّلا : ما حقّق في محلّه من أنّ ظاهر دليل ضمان اليد وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(2) هو كون ما على اليد نفس العين المأخوذة حتى بعد التلف; ولذا يكون أحد الأقوال في ذلك الباب ، بل لعلّه يكون قولا قويّاً هو ثبوت قيمة يوم الدفع والأداء ، لا يوم التلف ولا يوم الغصب ولا أعلى القيم ، والتحقيق في موضعه .
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 80 .
- (2) عوالي اللآلي : 1 / 224 ح106 ، مستدرك الوسائل : 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .
(الصفحة 177)
وثانياً : أنّ العين يمكن أن لا تكون قيميّة بل مثليّة ، وفي هذه الصورة لا يتحقّق الانتقال إلى القيمة بوجه .
وثالثاً : أنّ حديث لحوق العين بالدين وعدم لحوقها به لا يكون له ارتباط بمسألة الانتقال إلى القيمة وعدمه; ولذا يكون الفرد الظاهر المفروض فيه صورة بقاء العين في يد الوارث مثلا ، فمع ثبوت الاختلاف في اللحوق وعدمه لا وجه لنفي الإشكال عن اللحوق في الصورة المفروضة . هذا ما إذا تلفت قبل موته .
وأمّا إذا تحقّق التلف بعد الموت في يد الوارث ، فتارة يبحث فيه من جهة أنّ له الدعوى على الحيّ الوارث أو على الميت أيضاً ، أو على كلّ واحد منهما بنحو التخيير ، كما يظهر من السيّد في الملحقات(1) ، واُخرى من جهة لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة أم لا ، ففي الجواهر : أما إذا فرض تلفها بعد موته وكانت مضمونة عليه ، فقد يقوى عدم اليمين عليه لقصور الخبرين عن تناول ذلك ، بل ظاهرهما غيره ، فيبقى هو حئينئذ على حجّية البيّنة ، والتعليل قد عرفت أنّه فيما قبل الموت ونحوها ، فتدبّر جيّداً(2) .
وأورد عليه السيّد بقوله قلت : قصور الخبرين عن الشمول ممنوع ، فحاله حال التلف قبل الموت(3) .
الجهة الرابعة : هل يلحق بالميّت الذي هو الموضوع للمسألة السابقة من هو مثله في عدم اللسان كالطفل والمجنون والغائب وأشباهه؟ قولان : عن الأكثر(4) بل
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81 .
- (2) جواهر الكلام : 40 / 200 ـ 201 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 81 .
- (4) مسالك الأفهام : 13 / 462 ، كفاية الأحكام : 268 .
(الصفحة 178)
المشهور(1) الأوّل . وجماعة على الثاني(2) ، بل هو المنسوب إلى أكثر متأخّري المتأخّرين(3) . وفرض الدين على الطفل الذي لا يمكن له حالة سابقة إلاّ الطفوليّة هو مثل ما إذا أتلف مال الغير بناءً على عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين وشمولها بالإضافة إلى غيرهم .
والدليل على اللحوق التعليل المذكور في رواية عبدالرحمن المتقدّمة ، وإن كان موردها صورة الموت; لقوله (عليه السلام) : «وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات» وهو قوله : «لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه...»، نظراً إلى أنّه لا خصوصية لاحتمال الوفاء والإبقاء، بل احتمال عدم ثبوت الدين ولو بالإبراء مثلا، فالبيّنة كافية لإثبات أصل الاشتغال، واليمين لازمة لإثبات البقاء ، وعدم تخلّل السقوط بعد الاشتغال . ولا فرق بين الميّت وبين الأفراد المعدودين في عدم اللسان وعدم القدرة على الدّفاع .
والدليل على عدم اللّحوق كما قيل : كون الحكم على خلاف القاعدة ـ فلابدّ من الاقتصار على القدر المعلوم ، وأنت خبير بأنّ البيّنة إنّما تكون شاهدة على أصل الاشتغال ، واليمين متعلّقة ببقاء الحقّ إلى أن مات ، وأنّه لو فرض كون البيّنة شاهدة على الاشتغال إلى حين الموت ، لا يحتاج إلى اليمين في الميّت أيضاً ، فلا يكون الحكم على خلاف القاعدة ـ وكون المشابهة في عدم اللسان ممنوعاً; لأنّ الميت لا يكون له لسان مطلقاً ، حيث إنّه لا أمد له يرتقب بخلاف الصغير الذي ينقلب كبيراً لا محالة
- (1) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : 4 : 233 ، المبسوط : 8 / 129 ، إرشاد الأذهان : 145 ، قواعد الأحكام : 210 ، اللمعة الدمشقيّة : 52 .
- (2) كفاية الأحكام : 269 ، شرائع الإسلام 4 : 874 .
- (3) مسالك الأفهام : 13 / 462 ـ 463 ، الروضة البهيّة : 3 / 104 ـ 105 ، رياض المسائل : 9 / 316 ، مستند الشيعة : 2 / 561 (ط ق) ، جواهر الكلام : 40 / 201 .
(الصفحة 179)
نوعاً ، والمجنون الذي يمكن ارتفاع جنونه وتبدّله إلى العاقل ، والغائب الذي تزول غيبته إلى الحضور كذلك ، مع أنّ طرف الدعوى في الصبي والمجنون إنّما هو الولي . وقد وردت في الغائب روايات كثيرة مشتملة على أنّه يقضى عليه ، وأنّه على حجّته إذا قدم . وقد مرّ البحث فيه سابقاً فراجع(1) ، فالأقوى هو عدم اللّحوق كما في المتن ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 180)
فروع
الأوّل: لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ ، فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة ، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ . وإن كان الوارث متعدّداً لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حق النّاكل1.
1 ـ المهم في هذا الفرع ملاحظة أنّ الخبرين المتقدّمين الواردين في أصل المسألة وهي الدعوى على الميّت ، هل لهما إطلاق لفظي يشمل ما لو كان المدّعي على الميت وارث صاحب الحقّ أم لا ، الظاهر نعم فإنّه لا إشعار في شيء منهما بالاختصاص ، فإنّ قوله (عليه السلام) في رواية عبدالرحمن المتقدّمة: «وإن كان المطلوب بالحق قد مات ، فأقيمت عليه البيّنة . . .» لا يختصّ لفظاً بما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ الأوّلي ، وإن كان هو الفرد الظاهر منه ، إلاّ أنّه غير خفي أنّ التمسّك بالاطلاقات إنّما هو بالإضافة إلى الأفراد غير الواضحة ، وثبوت القدر المتيقّن في عدم جواز التمسك بالإطلاق على تقديره إنّما هو القدر المتيقّن في مقام التخاطب، لا مطلق القدر المتيقّن، وإلاّ فكلّ مطلق له الأفراد الظاهرة الواضحة التي هي القدر المتيقّن منها ، كما لايخفى .
وكذا السؤال في صحيحة الصفّار المتقدّمة: «أوتقبل شهادة الوصي على الميّت» فإنّ إطلاقه يشمل المقام .
ثمّ لو فرض عدم ثبوت الإطلاق فالفهم العرفي يساعد على إلغاء الخصوصيّة ، وأنّ الملاك في لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة عدم العلم بسقوط الدين ، نظراً إلى أنّ البيّنة