(الصفحة 181)
التي أُقيمت على الحقّ لا دلالة لها إلاّ على أصل الاشتغال ، وهو لا ينافي السقوط بعده ، فلابدّ من ضم اليمين على بقائه إلى أن مات ، لتفيد اليمين مع البيّنة الاشتغال وبقاءَه . وهذه الجهة موجودة في المقام خصوصاً بملاحظة التعليل المذكور فيها ، وإن كان قد عرفت عدم الاختصاص بوفاء الدين ، بل الغرض هو المسقط سواء كان وفاءً أو إبراءً أو مصالحة ونحوها(1) ، واليمين على عدم السقوط مشكلة بالإضافة إلى الوارث; لعدم كفاية اليمين على نفي العلم ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن إلغاء الخصوصيّة مع إقامة البيّنة واليمين على أنّه مات والحقّ عليه ، ولم يتحقّق المسقط له مع العلم بذلك . وقد تحقّق ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّ اليمين اللازم في هذا الفرع إنّما هي اليمين على الميت لا على نفي العلم ; لدلالة الروايات على الأوّل .
ثانيهما: بطلان ما احتمله في الجواهر من الاعتماد في اليمين على مقتضى الاستصحاب(2); لأنّه لو كان الاستصحاب كافياً لم يحتج إلى يمين أصلا .
بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو كان الوارث متعدّداً ، وقد أفاد في المتن أنّه لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، وأنّه لو حلف بعض ونكل بعض يثبت حقّ الحالف ويسقط حقّ الناكل ، وعن الجواهر: عدم وجوب اليمين على كلّ واحد من الورثة ، بل يكفي يمين واحد من أحدهم; لأنّ مقتضى إطلاق النصّ اعتبار يمين واحدة في تمامية حجّية البيّنة ، التي قد عرفت ثبوت الموضوع بها لسائر الشركاء ، وإن أقامها أحدهم(3) . وأنت خبير بأنّ كلّ واحد من الورّاث لصاحب الحقّ يكون
- (1) في ص173 ـ 174 .
- (2 و 3) جواهر الكلام: 40 / 197 .
(الصفحة 182)الثاني: لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادةً ، فهل يجب ضمّ اليمين أو لا؟ وجهان: أوجههما وجوبه . وكذا كلّ مورد يعلم أنّه على فرض ثبوت الدّين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميت1.
في صورة الادعاء مدّعياً مستقلاًّ على الميت ، مشمولا لإطلاق النصّ أو محكوماً بحكم إلغاء الخصوصية .
لكن دعواه إنّما هي بالإضافة إلى مقدار حقّه لا أزيد ، ضرورة أنّها بالنسبة إلى الزائد لا يكون واجداً لشرائط سماع الدعوى مع عدم الوكالة والولاية ، والبيّنة التي أُقيمت إن كانت قائمة على مجموع الحقّ ، فمعناه أنّ الباقين يمكن لهم أن يستفيدوا من هذه البيّنة بضميمة يمين كلّ واحد منهم ، مضافاً إلى أنّه يمكن تحقّق الاستيفاء أو الإبراء بالإضافة إلى بعضهم ، فلا يجدي مجرّد البيّنة بدون ضمّ اليمين، كما لايخفى .
1 ـ في هذا الفرع قولان:
قول بعدم وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة كما عن جماعة(1) ، واختاره السيّد في الملحقات(2) وهو الأقوى .
وقول بالوجوب كما اختاره في محكي المستند ، وحكى أنّه قوّاه بعض الفضلاء من المعاصرين مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدّين(3) .
أقول: ولتحقيق الحال يقتضي تقديم مقال ، وهو أنّه قد اشتهر ، بل يكون من
- (1) مسالك الأفهام: 13 / 463 ، كفاية الاحكام: 269 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 84 .
- (3) مستند الشيعة: 2 / 562 (ط ق) .
(الصفحة 183)
الاُمور المسلّمة أنّ العلّة المنصوصة قد تقتضي توسعة دائرة الحكم وثبوته في جميع موارد العلّة ، وقد تقتضي التضييق واختصاص الحكم بمورد ثبوتها ، وقد تقتضي كليهما معاً ، فقوله: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض . كما أنّه يوجب عموم دائرة الحكم وشمولها لكلّ حامض وإن لم يكن رمّاناً ، كذلك يقتضي تقييد دائرة الحكم وتخصيصها بخصوص الحامض من الرمان ، وعدم شمولها للرمان غير الحامض بل الحلو . وقد سولك هذا المنهج في موارد متعدّدة متكثّرة ، منها باب الاستصحاب في علم الأصول ، حيث إنّ الدليل على جريانه في جميع موارد الشكّ واليقين ما ورد من صحاح زرارة في باب الوضوء وطهارة اللباس والشكّ في عدد ركعات الصلاة مشتملة على التعليل ، بأنّه «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً»(1) ، فإنّه قد استفيد منها حكم كلّي في باب الاستصحاب .
وينبغي أن يعلم أنّ العلل المنصوصة قد تكون كما هو الغالب أموراً واقعيّة تكوينية معلومة عند المخاطب ، وقد تكون أموراً تعبّدية لا يعرفها المخاطب بوجه. فقوله: «لا تشرب الخمر لأنّها مسكرة» إنّما يكون من قبيل الأوّل ، وما ورد في الاستصحاب من قوله (عليه السلام): «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» من قبيل الثاني; لعدم كون الاستصحاب أمارة عقلائيّة ولا أصلا كذلك .
وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين مقام التعليل ومقام الاستشهاد بالكتاب أو بقول الرسول مثلا ، فإنّه لابدّ في الثاني من أن يكون الكلام ظاهراً فيه عند العرف مع
- (1) التهذيب: 1 / 8 ح8 وص421 ح1335 وج2 / 186 ح740 ، الإستبصار: 1 / 183 ح641 وص373 ح1416 ، الكافي: 3 / 351 ح3 ، الوسائل: 1 / 245 ، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1. وج3 / 466 ، أبواب النجاسات ب37 ح1 وص477 ب41 ح1 وص482 ب44 ح1. وج8 / 216 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح3 .
(الصفحة 184)
قطع النظر عن الاستشهاد ، ولا يلزم في الأوّل ذلك على ما عرفت .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ قوله (عليه السلام) في مقام لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة في رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة: لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت(1) هل يكون بمنزلة التعليل الموجب للتوسعة والتضييق ، كما في قوله: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض على ما مرّ ، أو أنّه علّة ولا يكون الحكم دائراً مدارها؟ كما في المحكيّ عن مستند النراقي ، نظراً إلى أنّ العلل الشرعيّة معرّفات لا ينتفي المعلول بانتفائها، فإنّه قد يكون وجود العلّة في بعض الأفراد علّة للحكم في الجميع ، مع أنّ التعليل كما قيل يمكن أن يكون من باب إبداء النكتة والتمثيل ، فإنّ احتمال الإبراء أيضاً قائم ، وكذا احتمال نسيان المقرّ للايفاء وتذكّره لو كان حيّاً حين الدعوى ، ولذا قوّى بعض فضلائنا المعاصرين الضمّ لإطلاق النصّ ، وهو حسن ، إلاّ أنّ فيه: أنّ النصّ معارض بأخبار اُخر واردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدين كصحيحة منصور، عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً؟ فقال: إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له(2) .
وصحيحة أبي ولاّد، عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه؟ قال: يجوز ذلك (3) .
ورواية السكوني: في رجل أقرّ عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف
- (1) تقدّمت في ص169 .
- (2) الكافي: 7 / 41 ح2 ، التهذيب: 9 / 159 ح656 ، الاستبصار: 4 / 111 ح426 ، الفقيه: 4/170 ح594 ، الوسائل: 19/ 291 ، كتاب الوصايا ب16 ح1. وج23 / 183 ، كتاب الإقرار ب1 ح1 .
- (3) الكافي: 7 / 42 ح5 ، التهذيب: 9 / 160 ح660 ، الإستبصار: 4 / 112 ح430 ، الوسائل: 19/ 292 ، كتاب الوصايا ب16 ح4 .
(الصفحة 185)
درهم ، ثمّ مات على تلك الحال ، فقال: أيّهما أقام البيّنة فله المال ، وإن لم يقم واحد منهما البيّنة فالمال بينهما نصفان(1) .
ومكاتبة الصهباني: امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ـ إلى أن قال: ـ فكتب (عليه السلام) بخطّه: إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً ، فيخرج الدين من رأس المال(2) إلى غير ذلك ـ من الروايات الواردة في هذا المجال المذكورة في كتاب الإقرار وكتاب الوصايا من الوسائل ـ فإنّ هذه الأخبار شاملة لصورة عدم حلف المقرّ له أيضاً ، فيتعارض مع ما مرّ بالعموم من وجه ، وإذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة المتقدّمة المكتفية للمدّعي بالبيّنة ، وهو الأصحّ(3) ، انتهى .
ويرد عليه:
أوّلا: وضوح أنّ التعليل يقتضي التوسعة والتضييق ، ولم يقم دليل على أنّ العلل الشرعيّة معرّفات ، لا يكاد ينتفي المعلول بانتفائها ، وإلاّ لا يكون لذكر التعليل فائدة كما لايخفى .
وثانياً: أنّ المذكور في رواية عبدالرحمن المتقدّمة هو التعليل بلحاظ الاشتمال على كلمة لام التعليل ، واحتمال الإبراء وإن كان يقوم مقام احتمال الإيفاء ، إلاّ أنّ مرجع ذلك إلى التوسعة في دائرة العلّة بلحاظ المتفاهم العرفي ، وأنّ العلّة لا تكون خصوص احتمال الإيفاء ، بل الأعم منها ومن الإبراء وكلّ مسقط للدين ، ولا منافاة
- (1) الكافي: 7 / 58 ح5 ، الفقيه: 4 / 174 ح610 ، التهذيب: 9 / 162 ح666 ، الوسائل: 19/ 323 ، كتاب الوصايا ب25 ح1. وج23 / 184 ، كتاب الإقرار ب2 ح1 .
- (2) التهذيب: 9 / 161 ح664 ، الإستبصار: 4 / 113 ح433 ، الوسائل: 19/ 294 ، كتاب الوصايا ب16 ح10 .
- (3) مستند الشيعة: 2 / 562 (ط ق) .