(الصفحة 212)
وأنت خبير بأنّه إن كان المراد أنّ من شرائط سماع الدعوى ـ التي تقدّم البحث فيها سابقاً(1) ـ أن لا يجب المدّعى عليه بقوله: «لا أدري» في صورة عدم إقامة المدّعي البيّنة ، فمضافاً إلى أنّه لم يتقدّم شرطية هذا الأمر في ضمن الشرائط المتعدّدة المتكثّرة; أنّه لا مجال لأن يقال: بأنّه في صورة إقامة المدّعي البيّنة تكون دعواه واجدة لشرائط السماع ، وفي صورة العدم لا تكون كذلك، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ البيّنة والحلف متفرّعان على سماع الدعوى ومتأخّران عنه، كما لا يخفى .
وبعد ملاحظة أنّه لا يمكن أن يقال: بوصول الحاكم إلى صورة لا تكون قابلة للفصل ، مع أنّه المعدّ لفصل الخصومة ورفع التنازع بين الناس ، ودعوى اختصاص ذيل الرواية بصورة الحيّ العالم ممنوعة جدّاً ، لاطلاقه في مقابل ما إذا كانت الدعوى على الميت . وقد عرفت أنّ قوله: «يردّ اليمين» بصيغة المبني للفاعل ، وكان مرجع الضمير المدّعى عليه الحيّ ، وإلاّ لكان اللازم أن يقول: وتردّ اليمين بصيغة المبني للمفعول ، وعلى التقدير الثاني أيضاً دليل على لزوم ردّ اليمين إلى المدّعي ، وإن كان لا دلالة له على لزوم ردّ المدّعى عليه ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه قداستدل السيّد (قدس سره) لعدم اعتبار دعوى المدّعي مع عدم إقامة البيّنة بالأخبار المتعدّدة الواردة في صورة تزويج الرجل المرأة ، ثمّ ادعاء رجل آخر أنّها تكون زوجة له من دون أن يكون له بيّنة على ذلك، من أنّه لا يعبأ بقوله في هذه الصّورة(2) .
وأنا أقول: هذه الأخبار وإن كانت متعدّدة وفيها الموثقة والحسنة ، لكن موردها
- (1) تقدّم في «القول في شروط سماع الدعوى» .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 105 .
(الصفحة 213)صورة عدم الترافع والتخاصم المنجرّ إلى الرجوع إلى القاضي لفصل مسألة 5: حلف المدّعى عليه بأنه لا يدري يسقط دعوى الدّراية ، فلا تسمع دعوى المدّعي ولا البيّنة منه عليها ، وأمّا حقّه الواقعي فلا يسقط به ، ولو أراد إقامة البيّنة عليه تقبل منه ، بل له المقاصة بمقدار حقّه ، نعم لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يده منتقلة إليه من ذي يد ، وقلنا: يجوز له الحلف استناداً إلى اليد على الواقع ، فحلف عليه سقطت الدعوى وذهب الحلف بحقّه ، ولا تسمع بيّنة منه ، ولا يجوز له المقاصّة1.
الخصومة بخلاف المقام ، ويؤيّده التفصيل في بعضها بين ما إذا كان المخبر بذلك ثقة أم لا ، مع أنّه لا يعتد بقول الثقة الواحد بل العدل الواحد في مقام القضاء أصلا ، فاستفادة حكم المقام من تلك الأخبار غير تامة جدّاً، فافهم وتأمّل .
الصورة الثانية: ما إذا لم يصدّقه المدّعي في قوله: «لا أدري» ومثله ، بل ادّعى بأنّه عالم بأنّه ذو حقّ وقوله مخالف للواقع ، وفي هذه الصّورة له عليه الحلف على عدم الدّراية ، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي بأنّه عالم ، ولكن تبقى الدعوى على أصل الحقّ بحالها ، كما سيصرّح به في المسألة الآتية .
وبعبارة أخرى يثبت بحلف المدّعى عليه عدم الدراية ، ومرجعه إلى عدم اشتغال ذمّته بالحقّ ظاهراً ، وأمّا عدم اشتغالها به واقعاً فلا مجال لثبوتها بهذا الحلف ، بل يكون على فرضه على حاله ، فيجوز له إقامة البيّنة عليه بعد ذلك ، كما أنّه تجوز المقاصة من ماله على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وإن ردّ الحلف على المدّعي فحلف على أنّه عالم بكونه ذا حقّ يثبت بذلك أصل الحقّ الواقعي; لأنّ ثبوت العلم بالحقّ لا يجتمع إلاّ مع ثبوت الحقّ ، وإلاّ فيلزم أن يكون العلم جهلا مركّباً ، والمفروض أنّه قد حلف على ثبوت علمه بالحقّ، كما لا يخفى .
1 ـ قد عرفت في ذيل المسألة السّابقة أنّ حلف المدّعى عليه على قوله: «لا
(الصفحة 214)
أدري» مع تكذيب المدّعي إيّاه في ذلك إنّما يوجب سقوط دعوى الدراية من المدّعي ، فلا تسمع دعواه إيّاها بعد ذلك في هذه الواقعة ، ولا البيّنة على هذه الدعوى ، وأمّا حقّه الواقعي الثابت على عهدته واقعاً على تقديره فلا يسقط بهذا الحلف ، بل يجوز له إقامة البيّنة على ذلك بعداً ، كما أنّه تجوز له المقاصّة بمقدار دينه وحقّه .
نعم لو كانت الدعوى متعلّقة بعين في يد المدّعى عليه ، فتارة تكون منتقلةً إليه من ذي يد آخر بالشراء أو الإرث أو الاتّهاب أو نحوها ، واُخرى لا يعلم الانتقال إليه كذلك ، بل تكون في يده من غير العلم بكونه ملكاً له أو لغيره .
وفي الفرض الأوّل: تارة يقال بجواز حلف ذي اليد على ما في يده استناداً إلى اليد على الواقع ، كما يدلّ عليه صريحاً بعض ما ورد في مسألة اليد من خبر حفص ابن غياث، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يد رجل هل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم ، قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): أفيحلّ الشراء منه؟ قال: نعم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز ذلك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق(1) .
فيجوز في المقام أن يحلف المدّعى عليه على الملكية الواقعية استناداً إلى اليد ، ويوجب سقوط دعوى المدّعي بالمرّة وذهاب الحلف بحقّه على تقديره ،
- (1) الكافي: 7 / 387 ح1 ، الفقيه: 3 / 31 ح92 ، التهذيب: 6 / 261 ح695 ، الوسائل: 27/ 292 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح2 .
(الصفحة 215)مسألة 6: لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه ، فحينئذ له إقامة الدعوى على المقرّ له ، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو ، وإلاّ له الدّعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة ، وله البدأة بالدعوى على المقرّ ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وله حينئذ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله ، فإن ثبت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ ، وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب .
وإن قال: «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم» فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه ، وإلاّ فعليه البيّنة ، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه . وإن قال: «إنّه ليس لك بل وقف» فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه ، وتتوجّه إليه لكونه مدّعى التولية ، فإن توجّه الحلف اليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدّعوى ، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم ، وكذا لو قال المدّعى عليه: «إنّه لصبي أو
فلا تسمع بيّنة منه بعد ذلك ، ولا يجوز له المقاصّة ، وإن كان معتقداً بثبوت الحقّ .
واُخرى يقال بعدم جواز الحلف على ما في يده ، فيرجع إلى مسألة الدين . وسيأتي التحقيق إن شاء الله تعالى .
وفي الفرض الثاني: ربّما يقال كما عن مستند النراقي (قدس سره)(1): بأنّه يقرع بينه وبين
المدّعي; لأنّه يشترط في دلالة اليد على الملكية عدم اعتراف ذيها بعدم علمه بأنّه له أولا ، وسيأتي التحقيق أيضاً إن شاء الله تعالى .
- (1) مستند الشيعة: 2 / 568 ـ 569 (ط ق) .
(الصفحة 216)مجنون» ونفى الولاية عن نفسه1.
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لأربعة أجوبة اُخرى متصوّرة بالنسبة إلى المدّعى عليه:
أحدها: ما إذا أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» وأقرّ بالعين المدّعى بها لشخص ثالث ، وفيه فرضان:
الفرض الأوّل: ما إذا أقرّ بها لشخص حاضر وصدّقه الحاضر في ذلك الإقرار وملكيّة المدّعى بها . وفي هذا الفرض يكون الحاضر المقرّ له هو المدّعى عليه . والوجه فيه ليس مجرّد الاقرار له، خصوصاً بعدما تقدّم في الجواب بالإقرار من أنّ الإقرار لا يؤثّر إلاّ في الجهة السلبية ، وهي عدم كون المقرّ مالكاً ، وأمّا ثبوت الملكيّة للمقرّ له فلا يتحقّق بمجرّد الإقرار ، خصوصاً مع احتمال التباني بينهما .
فالوجه في صيرورته مدّعى عليه هو: تصديق المقرّ له للمقرّ في أنّه المالك دون المدّعي كما هو غير خفي . فحينئذ له إقامة الدعوى عليه أي على المقرّ له ، فإن تمّت دعواه وصار ماله إليه ، فلا يستحقّ شيئاً آخر; لأنّه بعد وصول ماله إليه بعينه وخصوصيّته لا مجال لتوهّم استحقاق شيء آخر كالغرامة ونحوها .
هذا وإن لم يصل ماله إليه لأجل عدم تمامية دعواه ، فله الدعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة بإقراره مال المدّعى بادعائه للغير واعترافه بأنّه المالك دون المدّعي .
وفي المتن أنّه يجوز له البدأة بالدعوى على المقرّ فان ثبت حقّه أخذ الغرامة منه ، وظاهره الجواز مطلقاً ولو مع تمكّنه من المرافعة مع المقرّ له ، واحتمال إمكان إثبات حقّه; مع أنّه يجري في هذه الصورة وجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: الجواز، كما هو ظاهر المتن وهو الأقوى ، نظراً إلى أنّه حال بينه