(الصفحة 259)
جريان استصحاب عدم القرشية وعدم تحقّق الزوجية ، بناءً على ما هو الحقّ من عدم جريان الاستصحاب المزبور ، وهكذا .
وبالجملة لا محيص عن الالتزام بعدم كون المورد من موارد التطبيق ، بل في مقام التنظير والتمثيل ، وإن كان الالتزام بذلك في نفسه مشكلا .
ثمّ إنّ في الرواية دلالة على أمر آخر ـ وإن كان غير مربوط بالمقام ـ وهي الدلالة على ثبوت اصطلاح خاصّ للشارع في عنوان البيّنة ، لعطفها على الاستبانة الدالّ على المغايرة ، فتدبّر جيّداً .
وقد تحصّل من جميع الطوائف من الروايات الواردة في اليد: أنّه لابدّ من الأخذ بمقتضى الطائفة الاُولى الظاهرة في الاعتبار والحجية بنحو الكاشفية والأمارية ، لأنّه لا معارض لتلك الطائفة ; لعدم كون الطائفة الثانية دالّة على الأمارية والأصلية فلاتنافي الطائفة الاُولى ، وعدم دلالة الطائفة الثالثة على الأصلية كما عرفت ، فاللازم الأخذ بالطائفة الاُولى المتعرّضة لجهتين: الحجية وكونها أمارة ، كما هو الأمر كذلك عند العقلاء على ما تقدّم .
ويؤيّد أمارية اليد أنّها لو كانت أصلا شرعياً معتبراً لم يكن وجه لتقدّمها على الاستصحاب المخالف الجاري في أكثر مواردها; لأنّ كليهما حينئذ من الاُصول التنزيلية ، كما عرفت من المحقّق البجنوردي (قدس سره)(1) ، ولو كانت أمارة معتبرة ، لا مجال للمناقشة في تقدّمها على الاستصحاب; لأنّ الأمارة حاكمة على الأصل الموافق أو المخالف ، كما قرّر في محلّه .
(الصفحة 260)
الأمر الثالث: في مقدار حجّية القاعدة وموارد جريانها ، فإنّه قد وقع الاختلاف في جملة من الموارد ، وهي كثيرة:
منها: المنافع ، فإنّه قد وقع الإشكال في جريان قاعدة اليد فيها ، ولكنّ الظاهر هو الجريان; لإطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة يونس المتقدّمة: «مَن استولى على شيء منه فهو له»(1) فإنّ الضمير في منه وإن كان يرجع إلى المتاع المردّد بين الزوج والزوجة ، إلاّ أنّ المستفاد منه أنّ الموجب للحكم بالملكية هو الاستيلاء الكاشف عنها ، فالضابطة الكلية تجري بالإضافة إلى جميع الأشياء . ومن الواضح أنّ المنافع من جملة الأشياء ، فإذا استولى على سكونة دار يكشف ذلك عن كونه مالكاً لمنفعة الدار ، امّا مع ملك العين أو بدونه .
هذا ، مضافاً إلى ظاهر الرواية المتقدّمة الواردة في الرحى ، الذي كانت لرجل على نهر قرية والقرية لرجل ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر(2) المستلزم ذلك لتعطيل الرحى; لتقوّمها بماء هذا النهر ، حيث إنّه حكم (عليه السلام)بوجوب اتقاء الله والعمل بالمعروف وعدم إضرار أخيه المؤمن ، فالمنافع إنّما تكون كالأعيان من هذه الجهة .
هذا ، وقد صرّح المحقّق النراقي (قدس سره) في العوائد بعدم الشمول للمنافع ، بل مقتضى ذيل كلامه عدم تحقّق اليد والاستيلاء موضوعاً بالنسبة إلى المنافع ، فإنّه بعد الاستدلال لعدم الشمول بالأصل ، وعدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان ، واختصاص الأخبار بها على اختلافها من حيث ظهورها في خصوص الأعيان أو
- (1) الوسائل: 26 / 216، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
- (2) الوسائل: 25 / 431، كتاب إحياء الموات ب15 ح1
(الصفحة 261)
إجمالها ، أو عدم دلالتها على ما هو المطلوب من الأمارية ، وبعد دعوى اختصاص صدق اليد حقيقة بالأعيان ; لأنّها المتبادر عرفاً من لفظ اليد والاستيلاء ، قال: بل هنا كلام آخر وهو: أنّ اليد والاستيلاء إنّما هو في الأشياء الموجودة في الخارج القارّة . وأمّا الاُمور التدريجية الوجود غير القارة كالمنافع ، فلو سلّم صدق اليد والاستيلاء عليها فإنّما هو فيما تحقّق ومضى ، لا في المنافع المستقبلة التي هي المراد هنا(1) .
وأجبنا عنه في «القواعد الفقهية» بما يرجع تارةً إلى النقض بأصل الملكية; فإنّه لو لم تكن المنفعة التي وجودها تدريجي قابلة لأن يتعلّق بها الاستيلاء ، وتقع مورداً للسلطة واليد باعتبار كون وجودها غير قار ، لم تكن قابلة لأن تقع مملوكة أيضاً; لعدم الفرق بين الملكية والاستيلاء من هذه الجهة أصلا ، مع أنّ تعلّق الملك بها مضافاً إلى بداهته لا يلتزم القائل باستحالته كما هو ظاهر . ونزيد هنا أنّ لازم ذلك عدم إمكان تحقّق غصب المنافع الخالي عن غصب الأعيان; لما عرفت من أنّ حقيقة الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً ، مع أنّ تعلّق الغصب بخصوص المنافع ممكن .
واُخرى إلى الحلّ، وهو: أنّ المراد بالاستيلاء المساوق لليد ليس هو الاستيلاء الحقيقي حتى يمنع تعلّقه بالأمر غير الموجود ، بل الاستيلاء الاعتباري الذي يعتبره العقلاء في موارده ويستتبعه الإختصاص ، وهذا لا مانع من أن يتعلّق بالأمر الذي لا يكون موجوداً بالفعل ، كما أنّ الملكية المتعلّقة به أمر اعتباري ، ونسبة معتبرة عند العقلاء بين المالك والمملوك ، فالظاهر إمكان تحقّق الاستيلاء واليد بالإضافة
- (1) عوائد الأيّام : 745 ، الموضع السادس .
(الصفحة 262)
إلى المنافع، كما في الملكيّة . . .
وامّا ما قيل: من أنّ المراد باليد هي السيطرة والاستيلاء الخارجي ، سواء كان هناك معتبر في العالم أم لا; إذ اليد بالمعنى المذكور من الاُمور التكوينية الخارجية ، وليست من الاُمور الاعتبارية ، ولذلك تتحقّق اليد من الغاصب ، مع أنّه لا اعتبار لا من طرف الشارع ولا من طرف العقلاء ، والقول بأنّه باعتبار نفسه شطط من الكلام يدفعه أنّ الاعتبار المفقود في الغاصب هو اعتبار الملكية لا اعتبار كونه في يده وهو مستول عليه ، كيف وقد حكم الشارع بضمانه بقوله (صلى الله عليه وآله): «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1) فإنّه مع عدم اعتبار كونه مأخوذاً لليد وهي أخذته لا معنى للحكم بضمانه ، والإنصاف ـ كما عرفت في الأمر الأوّل ـ أنّها ليست من الاُمور التكوينية المتحقّقة مع قطع النظر عن الاعتبار ، بل أمر متحقّق به، كما تقدّم نظير الفوقية والتحتية .
نعم يبقى الإشكال في أنّ الاستيلاء المتعلّق بالمنافع هل هو استيلاء مستقلّ في قبال الاستيلاء المتعلّق بالأعيان ، بحيث يكون لمالك العين والمنفعة استيلاءآن يكشف كلّ منهما في عرض واحد عن ملكيّة المستولي بالنسبة إلى المستولى عليه ، الذي هو العين في أحدهما والمنفعة في الآخر، أو أنّ يد صاحب المنافع عليها تبعية في طول الاستيلاء المتعلق بالأعيان ، أو أنّه لا يكون هنا إلاّ استيلاء واحد متعلق بالأعيان ، غاية الأمر أنّه يكشف عن ملكية العين والمنفعة جميعاً ، أو أنّه لا يكشف إلاّ عن ملكية العين ، غاية الأمر أنّ ملكية العين تكشف عن ملكية المنافع ، فهي
- (1) سنن الترمذي: 3 / 566 ح1269، سنن ابن ماجة: 3 / 147 ح2400، سنن أبي داود: 3 /526 ح3561، مستدرك الوسائل: 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .
(الصفحة 263)
مكشوفة لا بأصل الاستيلاء المتعلّق بالعين ، بل بالملكية المتعلّقة بالعين المنكشفة بسبب الاستيلاء المتعلّق بها؟ وجوه واحتمالات متصوّرة بحسب التصور الابتدائي والنظر البدوي .
ولكنّ الظاهر هو الاحتمال الثاني; لابتناء الأخيرين على عدم تعلّق الاستيلاء بالمنافع ، وقد عرفت وقوعه فضلا عن إمكانه ، وأمّا الاحتمال الأوّل فهو أيضاً خلاف ما هو المعتبر عند العقلاء ، فإنّهم لا يعتبرون الاستيلاء بالنسبة إلى المنافع إلاّ تبعاً للاستيلاء المتعلق بالأعيان(1) .
هذا، ويمكن دعوى استقلال الاستيلائين فيما إذا كان للعين مالك وللمنفعة مالك آخر ، كالعين المستأجرة ، فإذا كانت العين الكذائية تحت استيلاء زيد مثلا ومنفعتها تحت يد عمرو ، كذلك يكون هناك استيلاءآن ، ويكشف كلّ استيلاء عن ملكية صاحبه ، بخلاف ما إذا كان هناك مالك واحد ، فإنّه ليس هناك إلاّ استيلاء واحد والآخر تبع .
هذا، وقد فصل المحقّق البجنوردي في كتابه القواعد الفقهية المشتمل على سبعة مجلّدات في المنافع بما يرجع إلى أنّه تارة يكون المدّعي هو المالك باعتراف ذي اليد ، بأن يقول مثلا: يازيد المدّعي هذه الدار التي في يدي ملكك ، ولكنّها في إجارتي إلى سنة مثلا ، واُخرى يكون المدّعي أجنبيّاً أي ليس بمالك ، مثل أن يدّعي شخص آخر ويقول: في إجارتي لا إجارتك ، ففي الثاني تكون اليد حجّة في مقابل الأجنبي دون الأوّل أي في مقابل المالك ، نظراً إلى أنّ المدّعي لو كان هو المالك فحيث إنّ ذا اليد معترف بأنّ يده أمانية ومن قبل المالك ففي الحقيقة يده يد المالك ،
- (1) القواعد الفقهيّة: 1 / 372 ـ 374 .