(الصفحة 283)
بنفوذه ومضيّه .
وأوردنا عليه هناك بأنّ قاعدة الإقرار يكون مقتضاها الاقتصار على النفوذ ، والمضيّ في خصوص المقدار الذي بضرره والجهة التي تكون عليه . وأمّا الإقرار بنفع الغير فلا يستفاد من القاعدة المذكورة جوازه ونفوذه ، والإقرار المذكور له جهتان: جهة سلبية وهي عدم كونه له ، وجهة إيجابية وهي كونه لأحد المتداعيين بالخصوص ، والمستفاد من دليل القاعدة هو النفوذ بالإضافة إلى الجهة الاُولى دون الجهة الثانية ، وهذا من دون فرق بين أن يكون الظرف متعلّقاً بالإقرار ، وبين أن يكون متعلّقاً بجائز ، كما لايخفى .
ثانيها: أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة: «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» نظراً إلى أنّ ذا اليد مالك لأن يملك غيره ببيع أو صلح أو هبة أو غيرها، فيملك الإقرار بأنّه له .
وأوردنا عليه هناك بأنّ الذي يملكه هو تمليك الغير المقرّ له فيملك الإقرار به ، والمفروض في المقام أنّه لم يقرّ به ، بل أقرّ بكون المقرّ له مالكاً وأنّه له ، والمقرّ لا يكون مالكاً لهذه الجهة حتى يملك الإقرار به ، ففي هذا الوجه خلط .
ثالثها: ما حكي عن المحقّق العراقي من أنّ اليد أمارة على ملكية ذي اليد بالدلالة المطابقية ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزامية، وهاتان الأمارتان تسقطان بسبب الإقرار للغير ، وأمّا بالنسبة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي الملكية عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له ، ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك .
وبعبارة اُخرى: أنّ هذا المال إمّا للمقرّ له أو لغيره يقيناً ، فإذا ثبت بواسطة إقرار ذي اليد أنّه ليس لغير المقرّ له فلابدّ وأن يكون له ، فيكون هو المنكر وطرفه
(الصفحة 284)
المدّعي; بناءً على ما هو التحقيق من أنّ المدّعي من يكون قوله مخالفاً للحجّة الفعلية ، والمنكر من يكون قوله موافقاً للحجّة الفعلية(1) .
وأوردنا عليه هناك ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تشخيص عنواني المدّعي والمنكر إنّما هو موكول بنظر العرف، كسائر العناوين المأخوذة موضوعاً للأحكام ـ أنّه لابدّ من ملاحظة أنّ بناء العقلاء على اعتبار الإقرار هل يختصّ بما إذا لم يكن في مقابل المدّعي مدّع آخر ، أو يعمّ صورة وجود مدّع آخر أيضاً؟ فعلى الأوّل لا يبقى مجال لما أفاده ، وعلى الثاني يكون المقرّ له كنفس المقرّ ويقوم مقامه .
هذا ، ولا يبعد ترجيح الاحتمال الثاني(2) ، فتدبّر .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال باعتبار التسالم المذكور وإن لم يعرف وجهه ، وعليه فمن صدّقه ذو اليد من المتنازعين يكون بمنزلة ذي اليد منكراً والآخر مدّعياً ، كما في المتن .
الصورة الثانية: ما لو صدّق ذو اليد كلا المتنازعين ، وقال: بأنّه لهما ، وقد فرض لها في المتن فرضين:
أحدهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّ تمام العين لكلٍّ منهما ، وقد أفاد في هذا الفرض أنّه يلغى تصديقه ، ويكون المورد ممّا لا يد لأحدهما ، والوجه في اللغوية ما عرفت من عدم إمكان اجتماع مالكين بالإضافة إلى شيء واحد، خلافاً لما عرفت من السيّد (قدس سره)في الملحقات ، فإنّه بعد استحالة الاجتماع المزبور وعدم ترجيح لأحدهما على الآخر ، يصير التصديق المزبور لغواً لا يترتّب عليه أثر; لعدم ثبوت
- (1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 137 نقلا عن استاذه العراقي (قدس سرهما).
- (2) القواعد الفقهيّة: 1 / 398 ـ 400 .
(الصفحة 285)
اليد بالنسبة إلى أحدهما ولا ما هو بمنزلة اليد ، فاللاّزم الحكم بكون المورد ممّا لا يد لأحدهما عليه .
ثانيهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّها لهما بمعنى اشتراكهما فيها ، وفي هذا الفرض يكون بمنزلة ما تكون في يدهما; بناءً على ما عرفت من التسالم المذكور فيما لو أقرّ ذو اليد بكون ما في يده ملكاً لغيره المدّعي .
الصورة الثالثة: ما لو صدّق أحدهما لا بعينه ، ونفى في المتن البعد عن الرجوع إلى القرعة ، وأنّ من خرجت له القرعة حلف .
أقول: أمّا الرجوع إلى القرعة; فلأنّها لكلّ أمر مشكل بالإضافة إلى حقوق الناس ، كما حقّقناه في بحث القرعة ، وهنا لا طريق لتشخيص الأحد المقرّ له غير القرعة . وأمّا لزوم الحلف بالإضافة إلى من خرجت له القرعة; فلأنّ من خرجت له القرعة يصير مقرّاً له متعيّناً ، وقد عرفت أنّ المقرّ له في هذه الصورة يصير منكراً حسب تسالم الأصحاب ، والمنكر عليه اليمين . وفي الحقيقة القرعة طريق للوصول إلى تشخيص المنكر لا المالك الواقعي ، فاللاّزم الحلف على من خرجت له القرعة .
الصورة الرابعة: ما لو كذّب من تكون العين بيده كلا المتنازعين وقال: هي لي ، وفي هذه الصورة يكون ذو اليد بنفسه منكراً وكلا المتنازعين مدّعيين ، ولكلّ منهما عليه الحلف بمقتضى قاعدة المدّعي والمنكر التي عرفتها .
الفرض الرابع: ما لو لم تكن العين المتنازع فيها في يد المتنازعين ولا في يد غيرهما ، كما إذا كانت العين في بَرّ مثلا ، ولم تكن هناك بيّنة لأحدهما ولا لغيرهما . استقرب في المتن الاقتراع بينهما أي من دون لزوم الحلف ، والوجه في الاقتراع ما عرفت من أنّه لا طريق لتشخيص المالك غير القرعة ، ولا يكون في دليلها إشعار إلى الحلف أصلا .
(الصفحة 286)مسألة 5: إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر ، وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم ، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أنّها له ، فإن ادّعى أنّها فعلا له وأقام البيّنة عليه تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني ، وإن ادّعى أنّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك ، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا؟ قولان ، ولا يبعد عدم النقض1.
نعم ، ربّما يقال بأنّ الرجوع إلى القرعة إنّما هو فيما إذا امتنعا جميعاً عن الحلف ، وإلاّ فاللاّزم أوّلا هو الحلف خصوصاً مع ملاحظة موثقة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ نبيّاً من الأنبياء شكى إلى ربّه فقال: ياربّ كيف أقضي فيما لم أر ولم أشهد؟ قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي ، فحلّفهم به . وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة (1) .
ولكن الظاهر عدم كون الرواية ناظرة إلى عدم إمكان تحقّق القضاء بغير البيّنة واليمين ، خصوصاً مع احتمال كون الاقتراع مذكوراً في كتابه تعالى في ذلك الزّمان ، فتأمّل .
وأمّا احتمال التنصيف نظراً إلى ما ورد في درهم الودعي ، فردّ عليه أنّه لا دليل على الغاء الخصوصيّة عن مورد الوديعة ، فالأقرب كما في المتن هو الاقتراع .
1 ـ أمّا انتزاع العين من زيد والردّ إلى المدّعي الثاني وهو عمرو; فلأجل أنّ الدعوى الثانية دعوى آخر ، ولا تعارض بين البيّنتين في هذه الصورة بعد ادّعاء المدّعي الثاني ثبوت الملكية له بالفعل; لإمكان انتقالها إليه بعد ما لم تكن ملكاً له، كما هو غير خفيّ .
- (1) الكافي: 7 / 415 ح4 ، التهذيب: 6 / 228 ح550 ، الوسائل: 27 / 229 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 .
(الصفحة 287)
وأمّا الاختلاف في الفرض الثاني; فلتعارض البيّنتين وعدم إمكان اجتماعهما ، واللاّزم تقديم إحداهما على الاُخرى ، فعن الشيخ الطوسي (قدس سره): أنّه ينقض الحكم الأوّل(1); نظراً إلى أنّ المدّعي الثاني تعارض بيّنته مع بيّنة اُخرى ، وحيث إنّه تكون بيّنته بيّنة الداخل ، تكون متقدّمة على بيّنة الخارج وهي بيّنة زيد; لأنّ المفروض أنّ المال كان في يد عمرو .
وعن المحقّق في الشرائع(2) بعد النقل عن الشيخ الانتقاض، بناءً على القضاء لصاحب اليد ، أنّ الأولى أنّه لا ينقض أي الحكم الأوّل ، وتبقى العين في يد زيد الذي انتزعها من يد عمرو بحكم الحاكم ، والوجه في عدم النقض إمّا تقديم بيّنة الخارج وإمّا ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره)(3) من أنّ بناء الحكم على الدّوام للأصل المؤيّد بالحكمة وظاهر الأدلّة ، وإمّا أنّه لو سمعت بيّنته يلزم إمكان الحيلة بعدم إقامة البيّنة إلى ما بعد الحكم حتى يصير خارجاً ، وتقدّم بيّنته بناءً على تقديم بيّنة الخارج ، وإمّا أنّ بيّنة عمرو بيّنة الداخل; لأنّه يدّعي أنّ الانتزاع منه كان ظلماً فكانت العين بعد في يده ، فتقديم بيّنته إنّما هي لأجل كونها بيّنة الداخل .
وفي محكيّ المسالك(4) بناء المسألة على تقديم الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج على حال الملك أو حال التعارض ، واختار نفسه النقض بناءً منه على تقديم بيّنة الخارج ، وأنّ المدار على حال التعارض وكون عمرو خارجاً حاله; لأنّ المفروض أنّ العين في يد زيد .
- (1) الخلاف: 3 / 130 مسألة 217 و ج6 / 329 مسألة 2 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 897 ـ 898 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 416 ـ 417 .
- (4) مسالك الأفهام: 14 / 82 ـ 85 .