(الصفحة 288)
واستقرب السيّد في الملحقات بناء المسألة على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج حال الملك لا حال المعارضة ، قال: وهي وإن كانت حادثة متأخّرة عن بيّنة المدّعي إلاّ أنّها متعلّقة بالسابق ، وفي السابق كان المدّعي خارجاً; لكون العين في يد المدّعى عليه(1) .
والتحقيق: أن يقال: إنّه لا مجال للإشكال في حجّية بيّنة زيد في الدعوى الأُولى ، التي يكون هو مدّعياً فيها; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإنّ المستفاد منه تقديم بيّنة المدّعي على يمين المنكر فضلا عمّا إذا لم يحلف أصلا ، وبسبب حكم الحاكم فصلت الخصومة وارتفع النزاع ، ولا تكون حجّية بيّنة المدّعي مشروطة بما إذا لم يأت المدّعى عليه بيّنة ولو في الأزمنة اللاحقة ، وإلاّ لا يجوز للحاكم الحكم; لعدم إحراز الشرط ، نعم فيما إذا أقام المدّعى عليه بيّنة في مقابل المدّعي في نفس الدعوى الاُولى ، وقع الكلام في تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، ومقتضى ما ذكرنا هو تقديم بيّنة المدّعي ، وسيجيء هذا البحث .
لكن المقام لا يكون من مصاديق ذلك البحث ، ومع تمامية الحكم وانتزاع الحاكم العين من المدّعى عليه إلى المدّعي لا يبقى مجال للعود إلى الدعوى الاُولى ، ولا يكون المقام مثل ما إذا ادّعى المدّعى عليه بعد الحكم عليه فسق الشهود ، أو مثل حجّة الغائب بعد الحكم عليه حيث إنّه على حجّته كما تقدّم(2) ، ضرورة أنّه ادّعى في الصورة الاُولى بطلان الحكم نظراً إلى ادّعائه فسق الشهود ، وفي الصورة الثانية وهي الحكم على الغائب كان الحكم متزلزلا من أوّل الأمر لعدم حضور الغائب ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 127 ـ 128 مسألة 4 .
- (2) تقدّم في ص93 ـ 94.
(الصفحة 289)مسألة 6: لو تنازع الزوجان في متاع البيت سواء حال زوجيّتهما أو بعدها ففيه أقوال; أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرّجال فهو للرّجل كالسيف والسّلاح وألبسة الرجال ، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك ، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما . فإن ادّعى الرجل ما يكون للنّساء كانت المرأة مدّعى عليها ، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة . وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية ، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف ، وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما . هذا إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما ، وإلاّ فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس يحكم بملكية ذي اليد ، وعلى غيره البيّنة ، ولا يعتبر في ما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلاًّ منهما استعمل ماله أو انتفع به ، ولا إحراز أن يكون لكلٍّ منهما يد مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين . وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دار أحدهما من أهل العلم والفقه ، والثاني من أهل التجارة والكسب ، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجار للتاجر ، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه؟ وجهان ، لا يبعد الإلحاق1.
وامّا في المقام فالحكم الأوّل تامّ لا إشكال فيه أصلا ، وقد عرفت أنّ حجّية بيّنة زيد لا تكون مشروطة بعدم وجود البيّنة على خلافها ولو للتالي ، فالأقوى ما أفاده في المتن من نفي البعد عن عدم النقض .
1 ـ في هذه المسألة مقامان:
المقام الأوّل: في تنازع الزوجين في متاع البيت من دون فرق بين بقاء الزوجية
(الصفحة 290)
حال المنازعة أو عدمها وارتفاعها حالها ، فنقول: إنّ في المسألة أقوالا مختلفة:
الأوّل: ما جعله في المتن أرجحها ، ولعلّه المشهور(1) ، بل عن بعض الكتب الإجماع عليه(2) ، وحكاه في الشرائع عن خلاف الشيخ(3)، وقال صاحب الجواهر (قدس سره):وقد سبقه إلى ذلك الإسكافي(4) ، ولحقه ابنا حمزة(5) وإدريس(6) وجمع كثير(7)(8)، غاية الأمر التخصيص في كلام بعضهم بحال الطّلاق ، ويدلّ عليه روايات متعدّدة:
منها: صحيحة رفاعة النخّاس، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما ، قال: وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ولها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما(9) .
والرواية وإن كانت واردة في مورد الطلاق ، إلاّ أنّ المقصود منه مطلق المفارقة ولو بالموت ، بل الظاهر عدم اختصاص الحكم بصورة المفارقة ، بل المراد ذلك وإن
- (1) بل ادّعاه الشهيد الأوّل في غاية المراد: 313 (مخطوط) .
- (2) كالشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر .
- (3) الخلاف: 1 / 352 ـ 354 مسألة 27 .
- (4) حكاه عنه الشهيد الأول في غاية المراد: 313 (ط ق) والشهيد الثاني في المسالك: 14/136 .
- (5) الوسيلة: 227 .
- (6) السرائر: 2 / 193 ـ 194 .
- (7) شرائع الإسلام: 4 / 907 ، المختصر النافع: 285 ، تحرير الاحكام: 2 / 200 ، إصباح الشيعة: 535 ، الدروس: 2 / 110 ـ 111 ، رياض المسائل: 9 / 395 .
- (8) جواهر الكلام: 40 / 494 .
- (9) التهذيب: 6 / 294 ح818 ، الإستبصار: 3 / 46 ح153 ، الفقيه: 3 / 65 ح215 ، الوسائل: 26/ 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح4 .
(الصفحة 291)
كانت الزوجية باقية بعد ، كما أنّ عدم التعرّض في صدر الرواية لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد ظهور الرواية في ذلك، خصوصاً بعد التعرّض في الذيل له ، كما هو واضح .
ومنها: موثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة ، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .
وعدم التعرّض أيضاً لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد وضوح استفادة حكمه من الرواية ، خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السلام) في الذيل: «ومن استولى على شيء منه فهو له» الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور فيها ، ومرجعه إلى أنّ ذا اليد في الأمتعة المختصّة من الرجل أو المرأة واضح ، فيختصّ به، وفي الأمتعة المشتركة هو لكلاهما .
هذا ، ويحتمل قويّاً أن يكون الضمير في قوله (عليه السلام): «منه» في التعليل راجعاً إلى متاع الرجال والنساء ، لا أن يكون المراد إفادة ضابطة كلّية بالإضافة إلى مطلق الاستيلاء ، والمراد منه حينئذ أنّ ما يكون تحت استيلاء خاصّ منهما فهو للمتولّي ، فيرجع إلى الاستدراك الذي أفاده في المتن من أنّه إذا كان المتاع في مثل الصندوق الخاصّ بأحدهما يكون صاحب الصندوق ذا اليد، وإن لم يكن المتاع من مختصّاته .
ومنها: مضمرة زرعة، عن سماعة قال: سألته عن رجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلده (2) .
- (1) التهذيب: 9 / 302 ح1079 ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3 .
- (2) التهذيب: 6 / 298 ح832 ، الوسائل: 26/ 215 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح2 .
(الصفحة 292)
قال في الجواهر: وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً ـ كما ذكره جماعة ـ غير ضائر بعد اعترافهم بالظهور(1) .
الثاني: ما أفتى به الشيخ أيضاً في المحكي عن استبصاره(2) ، وهو أنّ متاع البيت للمرأة; نظراً إلى أنّها تأتي بالمتاع من أهلها ، ويدلّ عليه رواية عبدالرحمن بن الحجاج المرويّة بعدّة طرق فيها الصحيح والموثق ، وهي أنّه قال: سألني أبو عبدالله (عليه السلام) هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها فادّعاه الرجل وادّعته المرأة بأربع قضايا ، فقال: وما ذاك؟ قلت: أمّا أوّلهنّ: فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال: إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً [يدّعيان جميعاً](3) بينهما نصفان .
ثمّ قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدّعية ، فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه(4): ماتت امرأة منّا ولها زوج وتركت متاعاً ، فرفعته إليه ، فقال: اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجال والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فهو لك ، فقال (عليه السلام) لي: فعلى أيّ
- (1) جواهر الكلام : 40 / 495 .
- (2) الإستبصار: 3 / 44 ـ 47 .
- (3) من الوسائل ، وفي التهذيب ج9: ممّا يدّعيان جميعاً ، وفي الإستبصار: ممّا يتركان .
- (4) في الكافي: لم أردّه عليه .