(الصفحة 417)
فالإنصاف أنّه لا دليل على كراهة اللعب بالحمام بعنوانه ، إلاّ أن يقال : إنّ نفس السؤال في رواية العلاء المتقدمة دليل على مفروغيّة وجود حزازة ومنقصة فيه ، بناء على كون المراد باللعب بالحمام معناه الظاهر ، وإن كان يخالفه ما في الذيل من الاستشهاد بمسابقة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولكن يؤيده نفس السؤال; لأن اجراء الخيل واللعب به كان أمراً مستحسناً في الشرع ، فلا وجه لاحتمال كون شهادة اللاعب بالحمام غير مقبولة ، ويؤيّده أيضاً ما حكاه السائل عمّن قبله من أنّ الثاني قال : «هو شيطان» كما لا يخفى ، وكيف كان فالأمر سهل .
وامّا الثالث : فهو اللعب بالرهان ، ففي المتن انّه قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك ، وتفريع عدم قبول شهادته دليل على أنّ المراد هي الحرمة التكليفية القادح ارتكابها في ثبوت العدالة ، والوجه في التعرّض لذلك في المقام انّما هي التبعيّة للرواية المتقدّمة ، وإلاّ فلا يرى ارتباط بين اللعب بالحمام وبين حرمة اللعب بالرهان نظراً إلى انّه قمار حرام ، وقد خالف صاحب الجواهر(قدس سره)(1) في الحرمة التكليفية في الرهن على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار ، بل التزم بثبوت الحرمة الوضعيّة فقط ، بمعنى الفساد وعدم ملك العوض في غير الموارد المنصوصة في السبق والرماية .
والتحقيق ثبوت كلا الحكمين التكليفي والوضعي ، نظراً إلى دلالة العرف واللغة على أنّ القمار ما يكون فيه الرهان ، سواء كان بالآلات المعدّة أو بغيرها ، وتفسيرها
بخصوص الآلات المعدّة للقمار فيه دور واضح ، وعليه فالحظّ والنصيب ببطاقات اليانصيب المعبّر عنه في الفارسية في الزمان السابق بـ «بليط بخت آزمائي» كان
- (1) جواهر الكلام : 22 / 109 .
(الصفحة 418)
محرّماً من هذه الجهة ، ومثله في هذه الأزمنة ـ التي تكون الحكومة حكومة إسلامية شيعيّة ـ المسابقات المعمولة لأجل الاطّلاع على الكتب المفيدة المؤثرة في ازدياد الاطلاع أو غيره ، ولكن غرض المشتركين فيها الوصول إلى بعض الهدايا المنظورة بمراتبها المختلفة ، وتحصيل ثروة أو سفر زيارة من حج أو غيره في صورة إصابة القرعة إليهم ، ومثل هذه المسابقات كثيرة في زماننا هذا ، إلاّ أن يقال بعدم صدق القمار عليها بوجه ، إذ ليس الغرض الأصلي فيها المراهنة ، والهدايا انّما هي بصورة الجائزة الاختيارية ، ولكن مع ذلك يكون الأمر مشكلا .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) ذهب إلى الجواز التكليفي دون الوضعي ، وربما يستدلّ له بصحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في رجل أكل وأصحاب له شاة ، فقال : إن أكلتموها فهي لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه إنّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه وما كثر ، ومنع غرامته منه (فيه خ ل)(1) .
والظاهر أنّ السؤال فيه ومورده هي صحّة المؤاكلة وبطلانها ، وقوله : «أكل» ليس فعلا ماضياً ثلاثياً ولا اسم فاعل على وزن الفاعل ، بل هو فعل ماض من باب المفاعلة ، وكيفية المؤاكلة ما هو المذكور في الرواية من أنّ صاحب الشاة يقول : إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، والجواب ناظر إلى بطلان المؤاكلة ، ومنع الغرامة فيه إنّما هي بالإضافة إلى صورة أكل الجميع لتحقّق الإباحة
المالكية ، وامّا بالإضافة إلى صورة أكل البعض مع عدم القدرة على أكل الجميع فالغرامة فيها متحقّقة; لعدم صحّة عقد المؤاكلة وعدم تحقق الإباحة المالكية .
- (1) وسائل الشيعة : 23 / 192 ، كتاب الجعالة ب5 ح1 .
(الصفحة 419)مسألة 4 ـ لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة ، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص1.
الخامس: طيب المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلا . وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة؟ قيل : نعم والأشبه لا ، وأمّا لو جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن ، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال 2 .
نعم الغرامة المذكورة في عقد المؤاكلة الباطل غير ثابتة لفرض البطلان ، ولا ارتباط لهذا باللعب بالرهان المفروض في المقام ، والتحقيق أزيد من هذا موكول إلى مباحث المكاسب المحرّمة .
1 ـ لعدم ثبوت الفسق المانع عن قبول الشهادة في شيء من الموردين ، وكون بعض تلك الصنائع خلاف المروءة ـ بالإضافة إلى بعض الأشخاص أو في بعض الأحوال ـ إنّما يقتضي عدم ثبوت العدالة بناءً على اعتبار المروءة فيها على خلاف ما أشرنا إليه بالإضافة إلى ذلك البعض ، أو في تلك الحال لا مطلقا كما لا يخفى . وعدم ترتيب الأثر على فعل الأجذم والأبرص في بعض المقامات لا يلازم المقام .
2 ـ يدلّ على اعتبار هذا الأمر قبل الشهرة المحققة(1) بل الإجماع المدّعى في
(الصفحة 420)
كلمات جماعة(2) ـ وإن لم يكن محكوماً بالكفر بل كان متصفاً بالعدالة ـ الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، بل يظهر من بعضها أنّه من خصائص فقه أهل البيت(عليهم السلام)الذي نزل عليهم جبرئيل ، مثل :
رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ فقال : لا ، فقلت : إنَّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم:
{وَاِنَّه لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ}(3) ، وفي رواية الكشي زيادة فليذهب الحكم يميناً وشمالا ، فوالله لا يجد العلم إلاّ في أهل بيت نزل عليهم جبرئيل(4) .
وصحيحة أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تجوز شهادة ولد الزّنا(5) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعاً; لأنّه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس(6) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال :
لا ، ولا عبد(1) .
ورواية عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له
- (1) الإنتصار : 501 مسألة 275 ، المهذّب : 2 / 557 ، السرائر : 2 / 122 ، شرائع الإسلام : 4 / 917 ، قواعد الأحكام : 2 / 237 ، التنقيح الرائع : 4 / 303 ، مسالك الأفهام : 14 / 221 .
- (2) منهم السيد المرتضى في الانتصار : 501 مسألة 275 ، والشيخ في الخلاف : 6 / 309 مسألة 57 ، وابن زهرة في غنية النزوع : 440 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 374 ، كتاب الشهادات ب31 ح1 ، والآية في سورة الزخرف : 44 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح2 ، رجال الكشي : 209 الرقم 370 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 375 ، كتاب الشهادات ب31 ح3 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح4 .
(الصفحة 421)
شهادة ، ولا يؤمّ الناس ، لم يحمله نوح في السفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير(2) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب .
وعن المسالك المناقشة في سند الروايات إلاّ صحيحة الحلبي، ثم قال : ولكن دلالته لاتخلو عن قصور(3)، حكى عن ابن إدريس التعليل بالكفر(4)، وعن المرتضى الاستدلال بما ورد من أنّ ولد الزنا لا ينجب(5) . وعن ابن الجنيد أنّه شرّ الثلاثة(6) .
أقول : المناقشة في أدلّة الثلاثة واضحة ، والظاهر أنّ قصور دلالة الصحيحة باعتبار اشتمالها على قبول شهادة العبد مع أنها مقبولة مطلقاً أو في الجملة .
وفي الجواهر: لا حاجة إلى صحّة السند بعد الانجبار والاعتضاد بما عرفت ، مع أنّه أطنب بعض الأفاضل في فساد مناقشته في السّند ، فانّ كثيراً منها معتبر(7).
ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات روايتين آخرتين :
إحداهما : الرواية الدالّة على قبول شهادة ولد الزنا وهي رواية عبدالله بن الحسن ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح6 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح9 .
- (3) مسالك الأفهام : 14 / 222 .
- (4) السرائر : 2 / 122 .
- (5) هكذا حكى عنه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 223 ، ولكن الموجود في الإنتصار : 502 مسألة 275 «إنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيباً . . .» ولم نجد رواية بهذا اللفظ في جوامع الحديث ، والظاهر أنّه معقد إجماع ادّعاه السيّد المرتضى في الإنتصار .
- (6) مختلف الشيعة : 8 / 503 مسألة 80 .
- (7) جواهر الكلام : 41 / 119 .