(الصفحة 422)
قال : نعم تجوز شهادته ولا يؤمّ(1) . وفي كتاب قرب الاسناد زيادة : وليس لك إلاّ لها(2) ، كما أنّه روى في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : لا تجوز شهادته ولا يؤمّ(3) .
وكيف كان فلا يعلم أنّ الرواية تنفي الجواز أو تثبته ، وعلى التقدير الثاني فالشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ، مع ما يدلّ على المنع خصوصاً مع جريان احتمال التقية فيها ، بلحاظ أنّ أكثر العامة(4) قائلون بالجواز ، ومع أنّ عبدالله ابن الحسن لم يرد فيه توثيق بل ولا مدح .
ثانيتهما : الرواية المفصّلة التي أفتى على طبقها الشيخ في النهاية(5) ، وهي رواية عيسى بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لاتجوز إلاّ في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً(6) ، ويرد على الأخذ بها مضافاً إلى اشتراك عيسى بن عبدالله بين الثقة وغيرها ـ وان كان يظهر من بعض الأعلام(قدس سرهم)(7) أنّ عيسى بن عبدالله في الرواية هو عيسى بن عبدالله القمي الأشعري الذي ورد فيه
بسند صحيح مدح بليغ عن الصادق (عليه السلام)(8) ، وعليه فتكون الرواية معتبرة ـ وإلى إعراض المشهور عنها ، عدم دلالتها على ثبوت المعيار للشيء اليسير ، فانّ كلّ
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح7 .
- (2) قرب الإسناد : 298 ح1171 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح8 .
- (4) راجع المغني لابن قدامة : 12 / 73 ، والخلاف : 6 / 309 مسألة 57 .
- (5) النهاية : 326 .
- (6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح5 .
- (7) مباني تكملة المنهاج : 1 / 110 مسألة 94 .
- (8) راجع رجال الكشي : 333 ، الرقم 610 .
(الصفحة 423)
يسير غير يسير بالإضافة إلى ما دونه ويسير بالإضافة إلى ما فوقه; لأنه من الاُمور الإضافية المختلفة بحسب الأشياء والأشخاص والأزمنة والأمكنة .
ثم إنّ ولد الزنا ان علم كونه كذلك فالحكم ما ذكرنا ، وان جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش وكان فيه شرائط اللحوق الشرعي بفرد فلا إشكال في قبول شهادته ، ولا يقدح في ذلك انالته الألسن وحتى الشيوع غير المفيد للعلم والاطمئنان ، وان لم يكن ملحقاً بفراش ففي المتن إنّ في قبول شهادته اشكالا ، ولكن ذكر بعض الأعلام(قدس سره) أنّه يكفي في قبول شهادته العمومات والاطلاقات ، فانّ المخصص عنوان وجودي فيثبت عدمه عند الشك فيه بالأصل(2) .
هذا ، والظاهر عدم جريان مثل هذا الأصل على ما ذكرناه في استصحاب عدم قرشية المرأة من أنّ القضيّة المشكوكة سالبة بانتفاء المحمول ، والقضية المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع ولا اتحاد بين القضيتين ، والمقام من هذا القبيل ، فان ولد الزنا كذلك يكون مشكوكاً من حين انعقاد نطفته ، ولم يمض عليه زمان علم بعدم كونه من زنا حتى يستصحب العدم ، والعجب من الاستاد الماتن(قدس سره) انّه مع شدّة إنكاره جريان الأصل في مثل استصحاب عدم القرشية كيف استشكل في قبول شهادة المجهول حاله ، مع أنّ لازم انكاره عدم القبول ، ولا وجه للتمسك بالعمومات; لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فتدبّر ، والتحقيق الأزيد في محلّه .
ويمكن أن يكون وجه الإشكال في المتن أحد أمرين آخرين :
إحدهما : أنّ اعتبار طيب المولد هل يكون بنحو الشرطية أو كون الشاهد ولد
- (1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 111 مسألة 94 .
(الصفحة 424)السادس : ارتفاع التهمة ، لا مطلقاً بل الحاصلة من أسباب خاصّة ، وهي اُمور :
منها : أن يجرّ بشهادته نفعاً له عيناً أو منفعة أو حقّاً كالشريك فيما هو شريك فيه ، وأمّا في غيره فتقبل شهادته ، وصاحب الدّين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به بخلاف غير المحجور عليه ، وبخلاف مال لم يتعلق حجره به ، والوصي والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال ، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما ، وأمّا عدم القبول مطلقا منهما ففيه تأمّل ، وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة ، إلى غير ذلك من موارد جرّ النفع1.
زنا بنحو المانعية ، فعلى الأوّل لابدّ من الاحتراز دون الثاني ، وفيه أنّ الفرق بين الشرط والمانع بهذا النحو غير صحيح ، بل لابدّ في المانع أيضاً من احراز العدم ولو بالأصل .
ثانيهما : أنّه يمكن أن يستظهر من الأدلّة الواردة في المقام أنّه لا تعتبر شهادة من أحرز كونه ولد الزنا لا ولد الزنا الواقعي ، وفيه منع واضح .
وقد انقدح من جميع ذلك أنّ الظاهر بمقتضى الأدلّة عدم قبول شهادة المشكوك كمشكوك العدالة مع عدم احرازها وجوداً أو عدماً بالأصل .
1 ـ ويدلّ عليه موثقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم(1).
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح3 .
(الصفحة 425)
وصحيحة عبيدالله بن علي الحلبي قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّا يردّ من الشهود؟ فقال : الظنين ، والمتّهم ، والخصم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ فقال : هذا يدخل في الظنين(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : مايردّ من الشهود؟ قال : فقال : الظنين ، والمتهم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : ذلك يدخل في الظنين(2) .
وهنا شيء وهو أنّ جعل العنوان في إعتبار هذا الأمر «إرتفاع التهمة» في الجملة لا ينطبق على هذه الروايات المذكور فيها عنوان المتهم من دون قيد ، وكأنـّه تبع في ذلك المحقق في الشرائع ، حيث جعل الشرط الخامس إرتفاع التهمة ، ثم قال : ويتحقّق المقصود ببيان مسائل(3) وأفاد صاحب الجواهر(قدس سره)(4) أنّ المقصود حصر التهمة المانعة بها لإستفاضة الأخبار بأنّ التهمة غير مانعة مطلقا ، كالصديق بالإضافة إلى صديقه ، والزوج بالنسبة إلى زوجته وبالعكس ، وهكذا .
ومن هنا استظهر بعض الأعلام(قدس سره) أنّ المراد بالمتهم في هذه الروايات من لم تثبت عدالته ، وكانت شهادته في معرض شهادة الزور في قبال من كان عفيفاً صائناً ثابت العدالة ، فانّ ذلك هو المتفاهم العرفي من لفظ المتهم ، كما يستفاد ذلك من رواية يحيى بن خالد الصيرفي ، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : كتبت إليه في رجل مات وله اُمّ ولد ، وقد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته ثم مات ، فكتب (عليه السلام) : لها ما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 374 ، كتاب الشهادات ب30 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 373 ، كتاب الشهادات ب30 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام : 4 / 914 .
- (4) جواهر الكلام : 41 / 61 .
(الصفحة 426)
أثابها به سيّدها في حياته معروف لها ذلك ، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتّهمين(1) (2) .
فانّ الظاهر قبول شهادة هؤلاء مع إحراز عدالتهم دون المتّهمين الذين لم تثبت عدالتهم ، وعليه فيدخل في اعتبار العدالة في الشاهد على ما عرفت ، ويؤيّد هذا الاستظهار عطف المتهم من دون قيد على مثل الخصم والظنين وغيرهما ، مع أنّهما داخلان في الإتهام بقول مطلق ، وعليه فاللازم ملاحظة الأسباب الخاصة .
ثم إنّه حكى في مجمع البحرين عن بعض ما خلاصته : انّ كلمة الظنّ تقع لمعان أربعة ، منها : معنيان متضادّان ، أحدهما الشك والآخر اليقين الذي لا شك فيه ، ومنها : معنيان غير متضادّين ، أحدهما الكذب والآخر التهمة ، واستُشهد لكلّ واحد من المعاني الأربعة ببعض الآيات والاستعمالات(3) ، ولابدّ في المقام من ملاحظة معنى الظنين خصوصاً مع وقوعه في مقابل المتّهم في الصحيحتين ، وخصوصاً مع دخول الفاسق القطعي والخائن كذلك في معناه على ما دلّتا عليه ، ومن العجيب استدلال بعض للمقام بآية
{وَمَا هُوَ عَلَى الغَيبِ بِضَنِين}(4) مع أنّ الظنين هناك يكون بالضاد ـ أي بخيل ـ لا بالظاء أخت الطاء ، ولا يرتبط بالمقام أصلا ، فالظاهر أنّ الظنين من يجري فيه ظنّ التهمة بالظن الذي يكون متأخماً للعلم ، ولذا يدخل فيه الفاسق القطعي والخائن كذلك ، والمتهم من يجري فيه شبهة الإتّهام من الشكّ في العدالة أو مطلقا ، وعطف الخصم عليهما في صحيحة الحلبي
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 364 ، كتاب الشهادات ب24 ح47 .
- (2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 92 ـ 93 .
- (3) مجمع البحرين : 2 / 1143 .
- (4) التكوير 81 : 24 .