(الصفحة 427)
المتقدّمة إمّا باعتبار كون الخصومة موجبة لاداء الشهادة على غير ما هي عليه ، وامّا باعتبار كونه عطفاً تفسيرياً للمتهم ، ويؤيّده عدم ذكره مع المتّهم في الروايتين الأخيرتين ، هذا كلّه بالإضافة إلى أصل اعتبار هذا الأمر .
وأمّا بالإضافة إلى الشركة وشهادة الشريك فتدلّ على عدم قبول شهادة الشريك في شيء له فيه نصيب صحيحة أبان على نقل الصدوق ومرسلته على نقل الشيخ(قدس سرهما) قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب(1) .
لكن في مقابلها صحيحة عبد الرحمن قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد الإثنان ، قال : يجوز(2) . لكن في رواية اُخرى رواها أبان ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن (على خ ل) واحد ؟ قال : لا تجوز شهادتهما(3) .
والظاهر عدم كونهما روايتين وان عدّهما في الوسائل كذلك ، وعليه فلم تثبت أنّ الصادر من الإمام (عليه السلام) هو النفي أو الإثبات ، فاللازم الالتزام بعدم قبول شهادة الشريك في شيء له فيه نصيب لا في غيره ، وان كان الشاهد شريكاً .
وممّا ذكرنا يظهر انّ صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به لا
تكون شهادته مقبولة ، بخلاف غير المحجور عليه وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به ، فانّه لا مانع من قبول شهادته; لعدم الاتهام فيه أصلا .
وأما الوصي والوكيل فإذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال فلا تقبل شهادتهما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 370 ، كتاب الشهادات ب27 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 370 ، كتاب الشهادات ب27 ح4 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 369 ، كتاب الشهادات ب27 ح1 .
(الصفحة 428)
أصلا لجرّهما النفع بذلك ، وفي المتن «بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما» ، والظاهر أنّ الوجه في ذلك ظهور لزوم كون الشهود غير المدّعي ، كما هو المتفاهم عند العرف من قوله(صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من ادّعي عليه(1) ، لكن في مكاتبة الصفّار إلى أبي محمد (عليه السلام): هل تقبل شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين . وكتب : أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً ، وهو القابض للصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم ، وينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة . وكتب أوتقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين(2) ، وعن كشف اللّثام : ليس فيها إلاّ أنّ عليه الشهادة وامّا قبولها فلا(3) .
ولكنّه كما ترى خلاف لما هو المتفاهم عند العرف من الملازمة بين النهي عن كتمان الشهادة وبين قبولها ، كما لا يخفى ، وما في الجواهر من إمكان حملها على قبول شهادة الوصيّ إذا كان المدّعي للميت أحد ورثته; لأنّ كلّ واحد منهم يقوم مقام الميّت في ذلك ، فليس الوصي حينئذ مدّعياً بل الوارث ، وان كان بعد الثبوت يتعلّق به حقّ الوصاية ، وربما يشهد لذلك قوله (عليه السلام) : «فعلى المدّعي يمين» الظاهر في كون
المدّعي غيره ، قال : ولعلّ اليمين المزبورة استحباباً للاستظهار(4) . فهو ليس بحمل للرواية على خلاف معناها الظاهر منها ، بل حمل لها على ظاهرها . ويؤيّده قوله :
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 233 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب3 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب28 ح1 .
- (3) كشف اللثام : 2 / 375 .
- (4) جواهر الكلام : 41 / 68 .
(الصفحة 429)ومنها : ما إذا دفع بشهادته ضرراً عنه ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً ، وشهادة الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل ، والموصي في مثل الموردين المتقدّمين1.
«فعلى المدّعي يمين» وإلاّ لكان المناسب الاقتصار على الضمير كما في قوله : «إذا شهد معه» كما لا يخفى .
ومقتضى إطلاقها حينئذ أنّه لا فرق بين زيادة الأجرة بشهادته وبين عدمها ، لكن ينبغي ترك القبول في صورة الزيادة . وعليه فالنسبة بينها وبين الرواية الواردة في الشريك ، المتقدّمة المشتملة على استثناء شيء فيه نصيب ـ بناءً على استفادة شبه التعليل منها ـ هي العموم والخصوص من وجه ، ومادّة الإجتماع هو الوصي مع زيادة الاُجرة ، والترجيح بعد التعارض مع هذه الرواية المطابقة للعموم لو لم نقل بأظهرية الآخر ، فتدبّر .
وكذا شهادة الشريك بالإضافة إلى بيع الشقص الذي له فيه الشفعة ، وفي الشرائع وكذا لا تقبل شهادة من يستدفع بشهادته ضرراً ، كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية ، وكذا شهادة الوكيل والوصي بجرح شهود المدّعي على الموصي والموكّل(1); لأنّ المستفاد من الرواية الواردة في الشريك عدم كون الشهادة موجبة لجرّ النفع إلى الشاهد ، ومن الواضح أنّ استدفاع الضرر جرّ نفع عند العقلاء ، فلا تقبل الشهادة في مثل هذه الموارد .
1 ـ قد عرفت عبارة الشرائع في ذلك في ذيل المسألة السابقة مع استدلال له منّا ، ولكنه ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) في مقام الاستدلال قوله : ضرورة كون الجارح
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 914 .
(الصفحة 430)ومنها : أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه ، وتقبل شهادته له إذا لم يستلزم العداوة الفسق ، وأمّا ذو العداوة الدينيّة فلا تردّ شهادته له أو عليه حتى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك1.
في الجميع هو المدّعى عليه ، فلا وجه لقبول شهادته في دفع الدعوى عنه كما هو واضح(1) .
1 ـ لا خلاف في أنّ العداوة الدنيوية غير المستلزمة للفسق إذا كانت الشهادة على عدوّه كذلك تكون مانعة عن القبول ، كما إذا كانت مستلزمة للفسق بلا إشكال ، وذلك لما عرفت من اشتمال بعض الروايات المتقدّمة على عنوان الخصم في مقابل الظنين والمتّهم ، بناء على عدم كونه عطفاً تفسيريّاً وكونه عنواناً آخر ، كما أنّه قد فسّره بعضهم بالعدوّ ، والقدر المتيقّن منه هي العداوة الدنيوية والعرفية ، ولرواية إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه(عليهم السلام)قال : لا تقبل شهادة ذي شحناء ، أو ذي مخزية في الدين(2) .
والظاهر أنّ المعروف كما صرّح الشيخ في الفهرست(3) أنّ اسم أبي زياد مسلم ،
وحينئذ يشكل الأمر من جهة إحتمال وحدة هذه الرواية مع روايته السابقة(4)، المشتملة على «فحّاش» مكان «الشحناء» ; لاشتراكهما في عنوان ذي مخزية في الدين، وعليه فيحتمل أن يكون الصادر هو عنوان الفحاش لاالشحناء، كما لايخفى .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 69 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح5 .
- (3) الفهرست : 50 الرقم 38 .
- (4) تقدّمت في ص400 .
(الصفحة 431)
وفي رواية معاني الأخبار قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله) : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمز على أخيه ، ولا ظنين في ولاء ، ولا قرابة ، ولا القانع مع أهل البيت(1)وقد تقرّر في محلّه انّ هذا النحو من الإرسال الذي يسند مثل الصدوق مقول القول إلى النبي أو الإمام دون الرواية يكون معتبراً; لأنّه بمنزلة توثيق الوسائط بينه وبينه كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا كان مسنداً إلى الرواية مثل «روي عنه» .
ثم حكي عن الصدوق(قدس سره) أنّه قال : الغمز: الشحناء والعداوة ، والظنين: المتّهم في دينه ، والظنين في الولاء والقرابة : الذي يتّهم بالدعاء إلى غير أبيه ، والمتولّي غير مواليه ، والقانع من أهل البيت : الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه .
ثم إنّه يظهر من مناسبة الحكم والموضوع أنّ شهادة الخصم إذا لم تكن على عدوّه بل كان بنفع عدوّه لا مانع عن قبولها بوجه ، كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا انّ العداوة الدينية لا تكون مانعة عن قبول الشهادة بوجه ، كشهادة المسلم على الكافر أو له ، ويؤيّده انّ الشهود في باب موجبات الحدّ الشرعي لا تكون خالية عن هذه العداوة ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ المحقّق في الشرائع بعد أن ذكر أنّ العداوة الدنيوية تمنع ، سواء تضمّنت
فسقاً أو لم تتضمّن ، قال : وتتحقّق العداوة بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر والمساءة بسروره ، أو يقع بينهما تقاذف(2) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ العداوة قد تكون من جانب واحد لا من الطرفين ، ما
- (1) معاني الأخبار : 208 ح3 ، وسائل الشيعة: 27 / 379، كتاب الشهادات ب32 ح8 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .