(الصفحة 452)
الفاسق غير مقبولة ـ لا تقبل شهادته بمجرّد التوبة ، بل لابُدّ أن يتحقّق فيه الملكة الرادعة والاستمرار على الصلاح بالإجتناب عن ترك الواجبات والإتيان بالمحرمات ، الذي يمنع عن تحقّق العدالة ، وحكى المحقّق في الشرائع(1) عن الشيخ أنّه قال : يجوز أن يقول ـ أي الحاكم للفاسق ـ : تب أقبل شهادتك(2) ، ولكن في الجواهر : إنّ التوبة لقبول الشهادة ليست توبة حقيقية ، بل يمكن أن تكون هي فسقاً آخر باعتبار منافاة ذلك للاخلاص المعتبر فيها(3) .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ المنافاة للاخلاص مانعة عن كونها هي التوبة المأمور بها ، ولا تستلزم كونها فسقاً إلاّ أن يقال : بأنّ لازم ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه وهو يستلزم ذلك ، فتدبّر جيّداً .
وكيف كان فمثل هذه التوبة لا يوجب قبول الشهادة ، ومقتضى الإطلاق عدم القبول ولو كانت الشهرة بالإضافة إلى فسق واحد ولو مرّة واحدة ، ومن الواضح عدم منافات بعض صوره لبقاء الملكة الرادعة ، إلاّ أن يقال : بأنّ المراد بالمشهور بالفسق من لا يكون فيه الملكة الرادعة لارتكابه معاصي متعدّدة ، أو المعصية الواحدة أزيد من مرّة ، كما يؤيّده عطف المرتكب للكبيرة عليه مرّة واحدة ، مع أنّ ارتكاب الكبيرة كذلك لا يوجب زوال الملكة على تقديرها ، وتتحقّق العدالة بمجرّد التوبة عنها حقيقة ، ويمكن أن يقال في وجه كلام الشيخ(قدس سره) : إنّ العدالة عنده كما تقدّم في البحث عن حقيقة العدالة لا تكون عبارة عن الملكة الراسخة المشهورة في معنى العدالة، بل أمر آخر يتحقّق بمجرّد التوبة، ولايكون كلامه مشعراً بأنّ الغاية
- (1) شرائع الإسلام : 4 / 917 .
- (2) المبسوط : 8 / 179 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 110 .
(الصفحة 453)
الحقيقية للتوبة هي قبول الشهادة ، خصوصاً مع أنّ قبول الشهادة مترتّب على التوبة الواقعية ، كالصلاة الإستيجارية التي يترتّب استحقاق الأجرة على الإتيان بالعمل المستأجر عليه ، وهي الصلاة مثلا بعنوان العبادة وقصد القربة ، وقد تكلّمنا في كتابنا «القواعد الفقهية»(1) في عدم المنافاة بين أخذ الاُجرة والإتيان بالواجب ، سواء كان الواجب هو الوفاء بعقد الإجارة أو عنوان العمل بنفسه .
وبالجملة : فقد ذكر في المتن : إنّ الميزان في قبول الشهادة هي العدالة المحرزة بظهور الصلاح ، مع انّك عرفت أنّ الشارع جعل حسن الظاهر في باب العدالة أمارة شرعية ، كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور(2) المشهورة في باب العدالة ، ومعنى كونها أمارة شرعية أنّه مع ثبوتها لا معنى للرجوع إلى استصحاب الفسق; لأنّه لا مجال للأصل مطلقاً مع وجود الأمارة ، كما أنّه لا تحتاج إلى حصول الظنّ الشخصي ، بل هي حجّة ولو مع الظن الشخصي بالخلاف .
وحينئذ فمراد المتن إن كان لزوم احراز العدالة الواقعية فيرد عليه أنّه لا دليل عليه ، وإن كان وجود ما يكشف عنها شرعاً فلا مانع منه ، كما لايخفى .
- (1) القواعد الفقهية : 1 / 590 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .
(الصفحة 454)
(الصفحة 455)
القول فيما به يصير الشاهد شاهداً
مسألة 1 ـ الضابط في ذلك العلم القطعي واليقين ، فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواس الظاهرة فيما يمكن كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا ، فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير المبادئ الحسيّة حتى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي لم يجز الشهادة ، أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب كالعلم الحاصل من التواتر والاشتهار؟ وجهان ، الأشبه الثاني ، نعم يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية ، كالجفر والرمل وان كان حجّة للعالم1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : والضابط العلم لقوله تعالى :
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(1) ، ومستندها امّا المشاهدة ، أو السماع ، أو هما إلى آخره(2) .
أقول : قبل ذكر الآيات والكتاب في هذا المجال ينبغي التعرّض لاُمور مرتبطة بهذا المقال ، وهي :
- (1) الإسراء 17 : 36 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 917 .
(الصفحة 456)
1 ـ انّ اصطلاح الشهيد والشاهد اصطلاح قرآني ، وإن كانت الروايتان المنقولتان عن النبي(صلى الله عليه وآله) مشتملتين على ذكر البيّنة ، مثل قوله(صلى الله عليه وآله) : انّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) وقوله(صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من ادّعي عليه(2) ، وامّا القرآن فهو مشتمل على مثل قوله تعالى :
{وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم}(3) ، وغيره ممّا وردت فيه هذه العبارة .
2 ـ انّ الشاهد مشتق من الشهود في مقابل الغيب ، والشاهد في مقابل الغائب ، والغيب المطلق هو البارئ تعالى ، فالشاهد من يكون حاضراً ولا يكون حاجز بينه وبين الواقعة إلاّ مثل الحواس الظاهرة بتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى .
3 ـ قد عرفت أنّ الاتصاف بالشهادة لا يتوقّف على الاشهاد ، بل يجتمع حتى مع النهي عن الشهادة .
إذا عرفت ذلك فاعلم انّه ذكر في المتن : إنّ الضابط في ذلك العلم القطعي واليقين للكتاب والسّنة، أمّاالكتاب فمثل قوله تعالى :
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، وقد استدلّ به في الاُصول في باب أنّ الأصل في المظنة عدم الحجّية وعدم الاعتبار ، وما خرج من هذا الأصل فانّماخرج بدليل قطعي، والتحقيق الزائد موكول الى ذلك العلم.
وامّا السنّة فروايات متعدّدة ، مثل :
رواية الحسين بن سعيد المضمرة قال : كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فأشهد لهم على
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 233 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب3 ح1 .
- (3) البقرة 2 : 282 .