(الصفحة 457)
معرفتي أنّ اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب الشهادة عليّ حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب أو لم يكن؟ فكتب : لا تشهد(1) .
ورواية عليّ بن غياث ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك(2) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فانّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً(3) .
وقوله(صلى الله عليه وآله) وقد سُئل عن الشهادة: هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع(4).
لكن في مقابلها صحيحة عمر بن يزيد المروية في الكتب الأربعة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يشهدني على شهادة فأعرف خطّي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلا ولاكثيراً، قال: فقال لي: إذاكان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له(5).
فإن كان المراد حصول العلم من هذه الثلاثة التي هي عبارة عن خطّه وخاتمه وكون صاحبه ثقة والرجل الآخر الذي معه ثقة ، كما ربما يؤيّده التعبير بكون الشاهد الآخر ثقة ، نظراً إلى أنّ المراد من الوثاقة هي العدالة; لأنّها الشرط الرابع المعتبر في الشاهد كما عرفت ، وعليه يصير قرينة على أنّ المراد بكون الصاحب ثقة هي العدالة أيضاً ، فاجتماع عدلين مع وجود خطّه وخاتمه يفيد العلم غالباً ، وعليه فلا تعارض بين الطائفتين ، بل الجمع الدلالي العقلائي المخرج عن موضوع
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 322 ، كتاب الشهادات ب8 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 322 ، كتاب الشهادات ب8 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 323 ، كتاب الشهادات ب8 ح4 .
- (4) مستدرك الوسائل : 17 / 422 ، كتاب الشهادات ب15 ح2 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 321 ، كتاب الشهادات ب8 ح1 .
(الصفحة 458)
المتعارضين موجود ، فيخرج عن الاخبار العلاجية التي موضوعها المتعارضان عند العرف والعقلاء ، كما لايخفى .
وان لم يكن المراد خصوص صورة العلم بل أعمّ منها ومن صورة عدم العلم فتارة يقال : بأنّ الصحيحة معرَض عنها نظراً إلى أنّ اعتبار كون المدّعي أيضاً ثقة لم يقل به من الجماعة غير والد الصدوق رحمهما الله تعالى(1) ، فالعامل بها على هذا نادر كما أفاده في الرياض(2) ، واُخرى لا يقال بذلك ، لا إشكال على الأوّل في لزوم طرح الصحيحة; لأن اعراض المشهور عن رواية ولو كانت في عليا درجة الصحّة قادح في اعتبارها ، كما ذكرنا مراراً .
وامّا على الثاني يشكل الأمر نظراً إلى أنّ التعارض بينها وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على اعتبار العلم تعارض العموم من وجه; لاختصاص تلك الروايات بصورة العلم واختصاص هذه الصحيحة بما إذا كان المدّعي ثقة ويكون معه شاهد آخر كذلك ، ومورد الاجتماع صورة وجود هذين الشرطين وعدم تحقق العلم ، ولا مجال لدعوى تقدّم الروايات المتقدّمة لأجل الكثرة ، أو لأجل أنّ الشهرة بين المتأخّرين أرجح من الشهرة بين القدماء كما في الجواهر(3) ، وذلك لأنّ الكثرة لا تكون مرجّحة ، وأرجحيّة الشهرة المتأخّرة عن الشهرة المتقدّمة ممنوعة ، فاللازم أن يقال بعد عدم ثبوت الشهرة بين القدماء أصلا : بأنّ المرجّح حينئذ موافقة الكتاب التي أشار إليها المحقّق في عبارته المتقدّمة .
بقي في هذه المسألة أمران :
- (1) حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : 8 / 530 مسألة 92 .
- (2) رياض المسائل : 9 / 564 .
- (3) جواهر الكلام : 41 / 124 .
(الصفحة 459)مسألة 2 ـ التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم تجوز الشهادة بهما لا لمجرّد الاستفاضة بل لحصول العلم . وحينئذ لا ينحصر في اُمور خاصّة كالوقف والزوجيّة والنسب والولاء والولاية ونحوها ، بل تجوز في المبصرات والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعي ، وإن لم يفدا علماً وإنّما أفادا ظنّاً ولو متأخماً للعلم ، ولا تجوز الشهادة بالمسبب ، نعم تجوز الشهادة بالسّبب بأن يقول : إنّ هذا مشهور مستفيض ، أو إنّي أظنّ ذلك أو من الاستفاضة1.
أحدهما : ما أفاده في المتن من انّ المبصرات والمسموعات والمذوقات ومثلها إن ادركت بالحواس الظاهرة المرتبطة بها فلا إشكال في الاكتفاء به في مقام الشهادة; لأنّها القدر المتيقّن من صورة العلم وان ادركت بالحواس الظاهرة غير المرتبطة ، كما إذا سمع المبصر وهكذا ، ففي الاكتفاء به وجهان ، جعل في المتن الأشبه الثاني ، والوجه فيه أنّه بعد تحقّق العلم بالحواس الظاهرة لا مجال للخدشة في اعتباره وكفايته في الشهادة ، وان كان بسبب غير الحاسة المرتبطة ، وأمّا إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية كالجفر والرمل فهو وان كان حجّة بالنسبة إلى العالم; لعدم الفرق في حجّية القطع الطريقي بين سبب وسبب ، إلاّأنّ كفايته في مقام الشهادة مشكلة بل ممنوعة ; لانصراف الأدلّة إلى اعتبار العلم الحاصل من الاُمور العادية ، كالاكتفاء بذلك في مقام الافتاء ، كما لايخفى .
ثانيهما : انّا وإن ذكرنا مراراً أنّ العرف والعقلاء يعاملون مع الظنّ المتأخّم للعلم أي الاطمئنان معاملة القطع واليقين الذي هو حجّة عقلية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اعتباره في مقام الشهادة لظهور الأدلّة في خلافه .
1 ـ قال في محكي الدّروس : والضابط في تحمّل الشهادة العلم بالسّماع أو الرؤية
(الصفحة 460)
أو بهما ، فيكفي الاستفاضة في تسعة : النّسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والموت ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، والرقّ ، والمراد بها اخبار جماعة يتاخم قولهم العلم ، وقيل : يحصّله . وقيل : يكفي شاهدان بناء على اعتبار الظنّ(1) .
وحكي عن الإسكافي(2) الاقتصار فيه على النسب خاصّة ، وعن الاصباح(3)ثلاثة : النسب ، والموت ، والملك المطلق ، وفي النافع(4) والتبصرة(5) أربعة بحذف الموت وزيادة النكاح والوقف ، وفي محكي المبسوط(6) وجمع من الكتب الاُخرى(7)سبعة بزيادة العتق وولاية القاضي ، وعن جامع المقاصد(8) الولاء بدل الولاية ، وعن التحرير(9) ثمانية بزيادة الولاء ، وعن غيره(10) زيادة تاسع وهو الرّق ، وفي شرح الصيمري عشرة بزيادة العدالة ، بل قال: هذا هو المحقّق من فتاوى الأصحاب(11) ، بل قيل : بزيادة سبعة عشر إليها ، وهي العزل ، والرضاع ، وتضرّر الزوجة،والتعديل،والجرح، والإسلام، والكفر،والرشد،والسّفه،والحمل، والولادة، والوصاية، والحرّية ، واللوث ، والغصب ، والدين ، والإعسار . وكيف كان فقد اتّفق
- (1) الدروس الشرعية : 2 / 134 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 8 / 550 مسألة 109 .
- (3) إصباح الشيعة: 531 .
- (4) المختصر النافع : 289 .
- (5) تبصرة المتعلّمين : 183 .
- (6) المبسوط : 8 / 180 ـ 183 .
- (7) كالوسيلة : 233 ، وقواعد الأحكام: 2 / 240 ، وإرشاد الأذهان: 2 / 160 ، واللمعة الدمشقية: 54.
- (8) لم نعثر عليه ، ولكن حكى عنه في كشف اللثام : 2 / 381 ، وفي الوسيلة : 233 : «الولاء» بدل «الولاية» .
- (9) تحرير الأحكام : 2 / 211 .
- (10) كما في الدروس الشرعية على ما تقدّم من قوله .
- (11) غاية المرام : 4 / 289 ، وقال في تلخيص الخلاف : 3 / 374 : هو المشهور عند محققي أصحابنا .
(الصفحة 461)
الجميع على ثبوت النسب به(1) .
أقول : لا إشكال بمقتضى الروايات المتقدّمة في ذيل المسألة السابقة في أنّه مع حصول العلم منها تجوز الشهادة على طبقها ، لا لأجل تحقّق الاستفاضة بل لحصول العلم ، وقد عرفت أنّه لا فرق في حصول العلم بين سبب وسبب إلاّ بالإضافة إلى الاُمور غير العادية ، كالجفر ، والرمل ، والنوم ومثلها ، وامّا مع عدم حصول العلم بل إفادتها الظنّ وإن كان متاخماً للعلم ففي جواز الشهادة بها ولو في خصوص الاُمور التسعة المذكورة في عبارة الدروس إشكال بل منع; لعدم قيام الدليل عليه ، ومجرّد عدم إمكان حصول العلم اليقيني في تلك الاُمور نوعاً ـ فانّه كيف يمكن العلم بتحقّق النسب مع أنّه فرع الزوجية وشرائط اللحوق متعددة ، وكيف يمكن العلم بتحقق الزوجية وهو فرع تحقق العقد الصحيح ، وشرائط خاصة يحتمل عدم واحد منها أو أزيد ـ لا يوجب عدم اعتبار العلم في مقام الشهادة وكفاية مجرّد الاطمئنان بل الظنّ في ذلك ، وقد عرفت في ذيل المسألة السابقة عدم اعتبار الاطمئنان هنا وإن كان معتبراً عند العقلاء ، ويعامل معه معاملة العلم في كثير من الموارد .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ ما ذكره في الدروس من كفاية الاستفاضة الظاهرة في الاستفاضة غير الموجبة للعلم ، حيث جعلها في مقابل الضابط في مقام تحمّل الشهادة وهو العلم لا يساعده دليل . نعم تجوز له الشهادة بالسبب كالتعبيرات المذكورة في المتن للعلم به ، وإن لم يكن له علم بالمسبّب كما لايخفى .
- (1) قال في رياض المسائل : 9 / 535 : لا خلاف فيه بين الطائفة ، إلاّ من شيخنا في المسالك : 14 / 228 ، وبعض من تبعه .