(الصفحة 460)
أو بهما ، فيكفي الاستفاضة في تسعة : النّسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والموت ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، والرقّ ، والمراد بها اخبار جماعة يتاخم قولهم العلم ، وقيل : يحصّله . وقيل : يكفي شاهدان بناء على اعتبار الظنّ(1) .
وحكي عن الإسكافي(2) الاقتصار فيه على النسب خاصّة ، وعن الاصباح(3)ثلاثة : النسب ، والموت ، والملك المطلق ، وفي النافع(4) والتبصرة(5) أربعة بحذف الموت وزيادة النكاح والوقف ، وفي محكي المبسوط(6) وجمع من الكتب الاُخرى(7)سبعة بزيادة العتق وولاية القاضي ، وعن جامع المقاصد(8) الولاء بدل الولاية ، وعن التحرير(9) ثمانية بزيادة الولاء ، وعن غيره(10) زيادة تاسع وهو الرّق ، وفي شرح الصيمري عشرة بزيادة العدالة ، بل قال: هذا هو المحقّق من فتاوى الأصحاب(11) ، بل قيل : بزيادة سبعة عشر إليها ، وهي العزل ، والرضاع ، وتضرّر الزوجة،والتعديل،والجرح، والإسلام، والكفر،والرشد،والسّفه،والحمل، والولادة، والوصاية، والحرّية ، واللوث ، والغصب ، والدين ، والإعسار . وكيف كان فقد اتّفق
- (1) الدروس الشرعية : 2 / 134 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 8 / 550 مسألة 109 .
- (3) إصباح الشيعة: 531 .
- (4) المختصر النافع : 289 .
- (5) تبصرة المتعلّمين : 183 .
- (6) المبسوط : 8 / 180 ـ 183 .
- (7) كالوسيلة : 233 ، وقواعد الأحكام: 2 / 240 ، وإرشاد الأذهان: 2 / 160 ، واللمعة الدمشقية: 54.
- (8) لم نعثر عليه ، ولكن حكى عنه في كشف اللثام : 2 / 381 ، وفي الوسيلة : 233 : «الولاء» بدل «الولاية» .
- (9) تحرير الأحكام : 2 / 211 .
- (10) كما في الدروس الشرعية على ما تقدّم من قوله .
- (11) غاية المرام : 4 / 289 ، وقال في تلخيص الخلاف : 3 / 374 : هو المشهور عند محققي أصحابنا .
(الصفحة 461)
الجميع على ثبوت النسب به(1) .
أقول : لا إشكال بمقتضى الروايات المتقدّمة في ذيل المسألة السابقة في أنّه مع حصول العلم منها تجوز الشهادة على طبقها ، لا لأجل تحقّق الاستفاضة بل لحصول العلم ، وقد عرفت أنّه لا فرق في حصول العلم بين سبب وسبب إلاّ بالإضافة إلى الاُمور غير العادية ، كالجفر ، والرمل ، والنوم ومثلها ، وامّا مع عدم حصول العلم بل إفادتها الظنّ وإن كان متاخماً للعلم ففي جواز الشهادة بها ولو في خصوص الاُمور التسعة المذكورة في عبارة الدروس إشكال بل منع; لعدم قيام الدليل عليه ، ومجرّد عدم إمكان حصول العلم اليقيني في تلك الاُمور نوعاً ـ فانّه كيف يمكن العلم بتحقّق النسب مع أنّه فرع الزوجية وشرائط اللحوق متعددة ، وكيف يمكن العلم بتحقق الزوجية وهو فرع تحقق العقد الصحيح ، وشرائط خاصة يحتمل عدم واحد منها أو أزيد ـ لا يوجب عدم اعتبار العلم في مقام الشهادة وكفاية مجرّد الاطمئنان بل الظنّ في ذلك ، وقد عرفت في ذيل المسألة السابقة عدم اعتبار الاطمئنان هنا وإن كان معتبراً عند العقلاء ، ويعامل معه معاملة العلم في كثير من الموارد .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ ما ذكره في الدروس من كفاية الاستفاضة الظاهرة في الاستفاضة غير الموجبة للعلم ، حيث جعلها في مقابل الضابط في مقام تحمّل الشهادة وهو العلم لا يساعده دليل . نعم تجوز له الشهادة بالسبب كالتعبيرات المذكورة في المتن للعلم به ، وإن لم يكن له علم بالمسبّب كما لايخفى .
- (1) قال في رياض المسائل : 9 / 535 : لا خلاف فيه بين الطائفة ، إلاّ من شيخنا في المسالك : 14 / 228 ، وبعض من تبعه .
(الصفحة 462)
ثمّ الظاهر أنّ الشياع والتسامع والاستفاضة كلّها بمعنى واحد ، فعطف الاستفاضة على التسامع ثم إرجاع ضمير التثنية إليهما كما في المتن ممّا لا ينبغي ، وان اقتصر في مقام التعليل على ذكر الاستفاضة فقط .
ثم إنّا قد تكلّمنا في كتاب القضاء في حجّية الشياع وعدمها ، وذكرنا هناك أنّ عمدة الدليل على الحجّية قصة إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) ودفعه الدراهم لشارب الخمر(1) ، وناقشنا في الاستدلال بها عليها (2) ، ونضيف هنا أنّه يوجد في الروايات مرسلة اُخرى لعلّه يمكن أن يستفاد منها الحجّية ، وهي مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن البيّنة إذا أُقيمت على الحقّ ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ، والأنساب ، فإذا كان ظاهراً مأموناً جازت شهادته ، ولا يُسئل عن باطنه(3) .
ويرد عليها أوّلا: انّها مرسلة غير صالحة للحجّية ، وثانياً : انّها تدلّ على أنّ ثبوت الأمارة الشرعية على العدالة المعتبرة في الشاهد كافية ، ولا يعتبر العلم بالعدالة ، وكون ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً أمارة على ذلك ، كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور(4) المعروفة الواردة في بيان ماهيّة العدالة ، والأمارة التي اعتبرها الشارع على العدالة ، وقد مرّ بيان الأمرين فراجع(5) ، وفرق بين كفاية
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 82 ، كتاب الوديعة ب6 ح1 .
- (2) في ص51 ـ 52 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 392 ، كتاب الشهادات ب41 ح3 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .
- (5) راجع ص 407 .
(الصفحة 463)
الأمارة الشرعية وبين أنّ الشهادة مفتقرة إلى العلم بالمشهود به ، الذي هو محلّ البحث .
نعم هنا شيء وهو أنّه يظهر من صاحب الجواهر(1) الاتفاق على كون الشياع حجة في باب النسب; لاشتراك جميع الأقوال المتقدّمة بل ومرسلة يونس على ذلك ، فإن كان المراد ثبوت حجّيته في ذلك الباب بسبب الاجماع فبها ، وإلاّ فللنظر فيه مجال ، ويظهر من الشرائع خلاف ذلك ، حيث قال : وما يكفي فيه السماع فالنسب والموت والملك المطلق; لتعذّر الوقوف عليها مشاهدة في الأغلب ، ويتحقّق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا بضمّهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم . ثم قال : وفي هذا عندي تردّد(2) .
والظاهر أنّ مراده من السماع التسامع وهو غير السماع الذي عطفه على المشاهدة ، فانّ السماع في مقابلها ما يفيد العلم من طريق السماع ، كما أنّ المراد بالسّماع هنا التسامع والشياع ، كما أنّه ظهر من استدلاله عدم ثبوت الاجماع ولو في باب النّسب ، وتعذّر الوقوف عليه مشاهدة ـ مع أنّه تكفي الرؤية بالإضافة إلى النساء اللاتي تقبل شهادتهنّ في تلك الاُمور ـ انّما هو بالنسبة إلى النسب الشرعي المعتبر فيه شرائط اللّحوق من الدخول الحلال ، وعدم مضيّ أقصى الحمل ومضيّ أقلّه ، وامّا بالنسبة إلى النسب العرفي الذي يكفي في ترتّب كثير من أحكام النسب إلاّ مثل التوارث فلا تعذّر فيه أصلا .
وكيف كان فلا دليل على حجّية الشياع ولو في باب النسب ، كما هو ظاهر المتن .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 133 .
- (2) شرائع الإسلام : 4 / 918 .
(الصفحة 464)مسألة 3 ـ هل تجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعية ، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب ، كذلك تجوز الشهادة على الملكية . وبالجملة يجوز الاتكال على ما هو حجّة شرعية على الملك ظاهراً ، فيشهد بأنّه ملك مريداً به الملكيّة في ظاهر الشرع؟ وجهان ، أوجههما عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع . نعم ، تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية مع التصريح به بأن يقول : هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب لا بنحو الاطلاق ، ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب1.
1 ـ في جواز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب أو نحوها من الأمارات الشرعية وكذا الاُصول المعتبرة ، كجواز الشراء مع وجود شيء من هذه الأدلّة وجهان . ومحلّ البحث ما إذا أراد الشهادة على الملكية المطلقة ، وامّا بالملكية الظاهرية المستندة إلى حجّة شرعية فلا مانع لها; لوجود العلم بثبوت الحجّة الشرعية الظاهرية ، وإن لم يكن له علم بالملكية الواقعية التي ينصرف إليها الملك المطلق .
قد ذكر في المتن : أنّ أوجه الوجهين عدم الجواز إلاّ مع قيام قرائن قطعية توجب القطع ، ولعلّ الوجه في الأوجهية ما عرفت من أنّ الضابط فيما به يصير الشاهد شاهداً العلم لدلالة الكتاب والسّنة عليه ، مضافاً إلى أنّ الشاهد بمعنى الحاضر ، وقد تنزّلنا إلى كلّ من يعلم ولو من غير الحواسّ المرتبطة ، وامّا من لا يكون له علم فلا يصدق عليه الشاهد ، والاُمور المذكورة من اليد والبيّنة والاستصحاب وإن كانت معتبرة بعنوان الأمارة أو الأصل العملي إلاّ أنّها لا تفيد العلم ، بل لا يكون اعتبارها لأجل إفادة الظنّ الشخصي فضلا عن العلم . امّا الاستصحاب فواضح ،