(الصفحة 481)
وإلاّ تكون مخالفة للكتاب المصرّح ولو في الدين بأنّه
{فَإنْ لَم يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامرَأتانِ} الآية ، ولجملة من الروايات الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في الموارد الاُخر ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : نعم (2).
والروايات المتكثرة الاُخر الدالّة على قبول شهادتهنّ في النكاح ، وفي الرجم وفي غيرهما ، بل ظاهر بعض الروايات قبول شهادتهنّ وحدهنّ في القتل ، ففي صحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا يبطل دم امرىء مسلم(3) .
وبالجملة : لا مجال لاحتمال اختصاص قبول شهادتهنّ بالمنفوس والعذرة .
فانقدح صحّة ما هو المشهور ـ وتبعه المتن ـ وعدم تمامية ما استقربه بعض الأعلام(قدس سره) من عدم الثبوت في غير الدين .
ثمّ إنّه قد تقدّم في كتاب القضاء في بحث «القول في الشاهد واليمين» أنّه لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، وعدم الحكم والقضاء بهما في حقوق الله تعالى ، كثبوت الهلال وحدود الله ، وأنّ الماتن(قدس سره) جعل الأشبه الاختصاص بالديون من بين حقوق الناس ، وأنّه لا يشمل مطلق الأموال أو ما يقصد بها كذلك ، وذكر أنّ المراد بالدين كلّ حقّ ماليّ في الذمة بأيّ سبب كان ،
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 351 ، كتاب الشهادات ب24 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 350 ، كتاب الشهادات ب24 ح1 .
(الصفحة 482)
فيشمل ما استقرضه وثمن المبيع ومال الإجارة ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، وجوّز القضاء فيها بشهادة امرأتين مع اليمين(1) .
فالذي هاهنا يغاير ما هناك في أمرين :
أحدهما : قبول الشهادة مع اليمين في جميع حقوق الناس من الأموال أو ما يقصد به المال ، فانّك عرفت أنّه هناك جعل الأشبه الاختصاص بالديون بالمعنى الأعم ، وظاهره هنا عدم الاختصاص .
ثانيهما : الإكتفاء بشهادة المرأة الواحدة مع اليمين واستظهاره الثبوت بها هنا ، وإن كان في بعض نسخ التحرير ذكر المرأتين مكان المرأة في الجملة الأخيرة من هذه المسألة(2) ، ولكن سياق العبارة يناسب مع ما هنا . مع أنّه لم يتقدّم منه ذلك ، بل ظاهره العدم كما لايخفى .
أقول : امّا بالإضافة إلى الأمر الأوّل فقد عرفت أنّ مورد آية الدين الدالّة على قيام المرأتين مقام الرجل وإن كان هو القرض إلى أجل مسمّى إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص حكمها بالدين ولو بالمعنى الأعمّ; لأنه لو لم نقل بالتعدّي وإلغاء الخصوصية لكان اللازم التخصيص بما ذكر من القرض إلى أجل مسمّى ، ولم يقل به أحد لا المشهور ولا غيره ، وعليه فالحكم المذكور في آية الدين يشمل جميع الحقوق المالية من الدين وغيره .
وامّا في مسألة الاكتفاء بالشهادة واليمين فانّه وإن لم يمكن استفادة حكمها من الآية الشريفة; لدلالتها على قيام المرأتين مقام الرجل في مطلق الحقوق المالية ، ولم
- (1) كتاب القضاء من تفصيل الشريعة : 189 .
- (2) تحرير الوسيلة: 2/403 ـ 404 مسألة 4 ، ط : مؤسسة النشر الإسلامي بقم ، وكذا ط : مطبعة الآداب في النجف الأشرف ، 1387هـ .
(الصفحة 483)
يقم دليل على اتّحاد مورده مع مورد الشاهد واليمين ، إلاّ أنّك عرفت في كتاب القضاء في باب الشاهد واليمين أنّ مقتضى التحقيق بعد ملاحظة الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في هذا المجال الحكم بجريان الشاهد واليمين في جميع حقوق الناس المالية وغيرها ، وإن كان الاحتياط يقتضي الاقتصار على خصوص الأولى ، كما أنّه قد تقدّم في ذلك الباب أنّه يثبت الحقّ بشهادة امرأتين مع اليمين(1); لدلالة صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين ، يحلف بالله أنّ حقّه لحقّ(2) . ومرسلة منصور بن حازم قال : حدّثني الثقة ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز(3) .
والظاهر أنّ المراد هو الحق المالي لقبوله المطالبة ، وعليه فالمراد بالدين هو الأعمّ من العين ، كما في الآية الشريفة على ما عرفت .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام(قدس سره) أنّ المراد بشهادة النساء في صحيحة الحلبي هي شهادة المرأتين ، فانّها هي التي كانت جزء البيّنة والجزء الآخر شهادة رجل واحد ، وإذا لم يكن رجل واحد كانت يمين المدّعي بمنزلته ، وبها يقيّد إطلاق صحيحته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء في الدين
وليس معهنّ رجل(4) بما إذا كانت معهنّ يمين الطالب(5) .
- (1) كتاب القضاء من تفصيل الشريعة : 196 ـ 198.
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح4 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 356 ، كتاب الشهادات ب24 ح20 .
- (5) مباني تكملة المنهاج : 1 / 128 مسألة 101 .
(الصفحة 484)
أقول : وإن كانت المرسلة المتقدّمة يؤيّده في أنّ المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ولا تشمل شهادة الواحدة ، إلاّ أنّ الالتزام بتعدّد صحيحتي الحلبي وأنهما روايتان في كمال الصعوبة والاشكال خصوصاً مع وحدة السند ، فانّه في كلتيهما روى عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ; وعليه يكون الحاكي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) هو الإمام (عليه السلام) ، وغرضه من الحكاية بيان الحكم بهذه الكيفية ، ففي إحداهما ذكر يمين المدّعى وفي الأُخرى قد وصفت شهادة النساء بأنّه ليس معهنّ رجل ، ويمكن أن يكون المراد شهادة أربع نسوة مكان شاهدين ذكرين ، أو شاهد وامرأتين ، أو شاهد ويمين ، ولأجله يشكل الحكم بقبول شهادة المرأتين مع اليمين فضلا عن المرأة الواحدة ; لأنّها فاقدة للدليل المعتبر .
امّا الصحيحة فلأنّها مردّدة ، وامّا المرسلة فلأنّها غير معتبرة على ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره)(1) ، أضف إلى ذلك ما دلّ بعمومه على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً إلاّ فيما ثبت بدليل .
هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ استناد المشهور إلى المرسلة جابر لضعفها بالإرسال ، إذ لا يوجد ظاهراً رواية دالّة على اعتبار شهادة امرأتين بانضمام اليمين غير هذه الرواية ، أو يقال : بأنّه قد روى صاحب الوسائل الرواية في نفس الباب عن
الصدوق باسناده إلى منصور بن حازم(2) ، فليراجع .
ثم إنّه لو بني على تعدّد صحيحتي الحلبي أمكن أن يقال بعد تقييد إطلاق كلّ
- (1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 128 مسألة 102 .
- (2) وسائل الشيعة : 27 / 271 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب15 ح1 .
(الصفحة 485)
منهما بقيد الآخر : بالدلالة على قبول شهادة المرأة الواحدة مع اليمين; لعدم تماميّة ما أفاده بعض الأعلام(قدس سره) من كون المراد بشهادة النساء هي شهادة المرأتين ، بل ظهورها في مطلق النساء ولو كانت واحدة ، ولا يكون ذكر المرأتين في المرسلة قرينة على كون المراد من الصحيحة أيضاً ذلك . أو يقال : بأنّه يمكن الاستناد إليهما بالإضافة إلى القدر المتيقن منهما ، وهي شهادة المرأتين في الدين بانضمام اليمين فيما إذا لا يكون رجل معهنّ ، فتدبّر واغتنم ما ذكر في هذا المجال . هذا كلّه في غير النكاح .
وامّا النكاح فالمذكور في المتن انّه تقبل شهادتهنّ إذا كان معهنّ رجل ، وحكي ذلك عن الصدوقين(2) والإسكافي والعماني(3) والحلبي(4) وغيرهم(5) . بل نسب ذلك إلى أكثر المتأخّرين(6) ، بل حكي عن الغنية الإجماع عليه(7) ، لكن عن جماعة من
القدماء(7) بل المنسوب إلى المشهور عدم القبول(8) في هذه الصورة أيضاً ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال; لأنّها على طوائف مختلفة :
- (1) المقنع : 402 ، وحكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 474 و480 مسألة 74 .
- (2) حكى عنهما في مختلف الشيعة : 8 / 480 مسألة 74 .
- (3) الكافي في الفقه : 439 .
- (4) كالشيخ في المبسوط : 8 / 172 والتهذيب : 6 / 280 والإستبصار : 3/25 ، والمحقق في شرائع الإسلام : 4/921 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2 / 238 ـ 239 وإرشاد الأذهان : 2 / 159 ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد : 4 / 432 ، والشهيد الأوّل في الدروس الشرعية : 2 / 137 .
- (5) رياض المسائل : 9 / 510 .
- (6) غنية النزوع : 439 .
- (7) كالشيخ المفيد في المقنعة : 727 ، والشيخ الطوسي في الخلاف : 6 / 252 مسألة 4 ، وسلاّر في المراسم : 234 ، وابن حمزة في الوسيلة : 222 ، وابن إدريس في السرائر : 2 / 115 .
- (8) غاية المرام : 4 / 295 .