(الصفحة 521)
الحكم ، فانّه لا يمنع ذلك عن الحكم بعد اجتماع الشرائط وجداناً أو بالبيّنة قبل حكم الحاكم ، واستناد الحكم إلى البيّنة الجامعة للشرائط ، بل نفى في المتن البُعد عن ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد شاهد الفرغ .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين حقوق الناس وبين حدود الله تبارك وتعالى في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فقد ذكر في المتن أنّه لا يثبت في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللّواط ، بل قال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(1) ، بل في المسالك اتّفاق الفريقين على ذلك(2) معلّلا له في الشرائع بأنّه مبنيّ على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(3) ، ولأجل ذلك يتحقّق الفرق بين الفسق والكفر وبين الجنون الذي يكون الظاهر اتفاقهم على عدم سقوط الحدّ فيه .
وامّا الحقوق المشتركة بينه تعالى وبين العباد ، كالقذف والسرقة بالإضافة إلى القطع فقد تردّد فيه الماتن(قدس سره) ، ولكنّ المحقّق في الشرائع جعل الأشبه الحكم لتعلّق حق الآدمي به ، مع أنّه لا فرق في الشبهة الدارئة للحدّ بين حق الله محضاً والحقّ المشترك . نعم في القصاص الذي هو من حقوق الآدميين محضاً ـ ولأجله يسقط بالإسقاط مطلقا أو مع الدّية في صورة رضا الجاني ـ الظاهر الثبوت ، ولا مجال لإحتمال كونه من الحدود ، كما لا يخفى .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
- (2) حكاه عنه في جواهر الكلام : 41 / 219 ، لكن لم نجد هذه العبارة في مسالك الأفهام ، بل قال في ج14 / 295 : اتفق القائلان ، وفي الطبعة الحجرية منه ج2 / 419 : اتّفق القائلون ، ويمكن أن يراد من «الفريقين» القائلون بقولين السابقين في أصل المسألة .
- (3 و 4) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
(الصفحة 522)مسألة 7 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الارث ، والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك1.
1 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) ، بل عن المسالك اتّفاق الجميع عليه(2) معلّلين له باقتضاء ذلك الحكم لهما بشهادتهما ، مع أنّ مقتضى القاعدة خلاف ذلك ، فانّ مقتضاها وجدان الشرائط حين إقامة الشهادة وادائها ، والمفروض أنّه كذلك ، والموت قبل الحكم أمر لا يطّلع عليه الشاهدان نوعاً ، فإن ثبت إجماع فهو وإلاّ فهو محلّ إشكال ، ولذا تردّد فيه الماتن(قدس سره)واستشكل ، وأشدّ إشكالا ما قيل كما في محكيّ قواعد الفاضل : من أنّه لا يحكم لهما ولا لشركائهما في الميراث بشهادتهما(3) ، وان احتمل في المسالك(4) وكشف اللثام(5) القبول في حصّة الشريك ، لكن في الجواهر لم نجد به قائلا كما اعترف به في المسالك(6) ، لكنّ الماتن(قدس سره)قد استوجهه ، ولعلّه لما ذكرنا من أنّ مقتضى القاعدة ثبوت حقّهما فضلا عن الشريك ، فتدبّر جيّداً .
- (1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
- (2) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
- (3) قواعد الأحكام : 2 / 247 .
- (4) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
- (5) كشف اللثام : 2 / 390 .
- (6) جواهر الكلام : 41 / 220 .
(الصفحة 523)مسألة 8 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة لم يحكم بها ولا غرم ، فان اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما؟ فيه إشكال ، فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : أوهمنا فلا حدّ على الأقوى1.
1 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة والاداء لم يحكم بسبب هذه الشهادة ولا غرم; لأنّ المفروض عدم الحكم ، كما أنّ عدم الحكم لأجل وضوح اعتبار عدم الرجوع قبل الحكم وبعد الإقامة ، ومجرّد الحدوث لا يكفي في صحّة الحكم ، وقوله(صلى الله عليه وآله): انّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان(1) يكون المنسبق إلى الأذهان منه البيّنات الباقية على الشهادة التي أقاموها إلى زمان الحكم وانشائه ، ولا يقاس الرجوع بالموت قبل الحكم ، حيث إنّك عرفت جواز الحكم بالشهادة في مثل الثاني ، فانّ الموت لا ينافي الشهادة بخلاف الرجوع .
أضف إلى ذلك دلالة مرسلة جميل ، عن أحدهما(عليهما السلام) ـ التي هي كالصحيح على ما في الجواهر(2) ، سيّما مع اعتضادها بالفتوى ـ في الشهود إذا [شهدوا على رجل ثم](3) رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ، ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت بشهادتهم ولم يغرّم الشهود شيئاً(4) .
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 41 / 220 .
- (3) هذه الزيادة من التهذيب : 6 / 259 ح685 .
- (4) وسائل الشيعة : 27 / 326 ، كتاب الشهادات ب10 ح1 .
(الصفحة 524)
ثمّ إن اعترفوا بأنّهم تعمّدوا الكذب فسقوا فلا يعبأ بشهادتهم بعد ذلك ما لم تتحقّق العدالة المعتبرة في الشاهد ، وإن كان يمكن أن يقال : بأنّ الاعتراف بأنّهم تعمّدوا الكذب لا ينافي قبول هذه الشهادة; لأنّ التعمّد بالكذب انّما يتحقّق بتمامية الشهادة ، ضرورة أنّ الصدق والكذب من عوارض الخبر ، وهو متقوّم بالنسبة أو الهوهوية ، وعليه فلا ينافي الاعتراف بالتعمّد مع قبول هذه الشهادة ، نعم له أثر بالإضافة إلى الشهادة بعداً .
وان اعترفوا بالخطأ والاشتباه فلا فسق ، وفي هذه الصورة إذا رجعوا عن الرجوع فهل تقبل فيها الشهادة منهم بعد كون المفروض عدم تحقق الفسق؟ فقد وردت فيها رواية محمد بن قيس الصحيحة ، عن الباقر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، انّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدّية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر(1) .
وقد أفتى بمضمونها في محكيّ القواعد(2) والمسالك(3) ، ولكن في محكي كشف اللثام القبول إذا كانا معروفين بالعدالة والضبط(4) ، ولكنّ الظاهر لزوم العمل على طبق الرواية وان كان على خلاف القاعدة والعمومات لصحتها ، كما عرفت .
ثمّ إنّه لو كان المشهود به هو مثل الزّنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف; لما
- (1) وسائل الشيعة : 27 / 332 ، كتاب الشهادات ب14 ح1 .
- (2) قواعد الأحكام : 2 / 244 .
- (3) مسالك الأفهام : 14 / 297 .
- (4) كشف اللثام : 2 / 387 .
(الصفحة 525)مسألة 9 ـ لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم وعليهما الغرم ، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فان كان من حدود الله تعالى نقض الحكم ، وكذا ما كان مشتركاً نحو حدّ القذف وحدّ السرقة ، والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ كحرمة أم الموطوء وأخته وبنته ، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة وقسمة مال المحكوم بالرّدة واعتداد زوجته ، ولا ينقض الحكم على الأقوى فيما عدا ما تقدّم من الحقوق ، ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقية
يأتي في كتاب الحدود(1) من أنّ شهود مثل الزنا إذا لم يكن جامعين لشرائط الشهادة عليه حدّوا جميعاً للقذف ، ولو قالوا : غلطنا فعن المبسوط(2) وجواهر القاضي(3)يحدّون أيضاً ، وفي محكيّ المسالك فيه وجهان : أحدهما : المنع لأن الغالط معذور ، وأظهرهماالوجوب لمافيه من التعيير، وكان من حقّهم التثبّت والاحتياط ، وعلى هذا تردّ شهادتهم،ولوقلنا: لاحدّفلاردّ(4)، ويؤيّده مرسلة ابن محبوب،عن أبي عبدالله (عليه السلام)في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثم رجع أحدهم بعدما قتل الرّجل ، قال : إن قال الرابع : أوهمت ضرب الحدّ واغرم الدّية ، وإن قال : تعمّدت قتل(5) ، لكن لا شبهة في أنّ الغالط الغافل معذور، ولا ينبغي الارتياب في سقوط الحدّ مع الشبهة، ولذا يكون مختار المتن عدم ثبوت الحدّ ، والمرسلة غير منجبرة ، فتدبّر جيّداً .
- (1) كتاب الحدود من تفصيل الشريعة : 105 .
- (2) المبسوط : 8 / 10 .
- (3) جواهر الفقه: 1 / 227 مسألة 782.
- (4) مسالك الأفهام : 14 / 297 .
- (5) وسائل الشيعة : 27 / 328 ، كتاب الشهادات ب12 ح1 .