( صفحه 109 )
تتمّة
قد عرفت(1) أنّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الإجماع، وتدلّ عليه الروايات الكثيرة، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده. وأمّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً، فالظاهر عدم اعتبار طهارته، والنصوص والفتاوى(2) متطابقتان على ذلك، وقد جمع نصوصها في الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب النجاسات، وهي كثيرة:
منها: موثقة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشيء، مثل القلنسوة والتكّة والجورب(3).
ومنها: مرسلة حمّاد بن عثمان، عمّن رواه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس(4).
ومنها: رواية زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول
- (1) في ص101.
- (2) الانتصار: 136، الخلاف 1: 479 ـ 480 مسألة 223، السرائر 1: 263 ـ 264، تذكرة الفقهاء 2: 482، مختلف الشيعة 1: 325 ـ 326 مسألة 242، مدارك الأحكام 2: 322، ذخيرة المعاد: 160 س31، مفتاح الكرامة 2: 122 ـ 123، جواهر الكلام 6: 206، العروة الوثقى 1: 74، الأمر الثالث.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 358 ح1482، وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب31 ح1.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 357 ح1479، وج1: 274 ح807 ، وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب31 ح2.
( صفحه 110 )
فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت، فقال: لا بأس(1).
ومنها: مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر، مثل القلنسوة والتكّة والجورب(2).
ومنها: مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة(3) في بحث المحمول.
فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه، وإنّما الكلام في المراد ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده، ويجري فيه احتمالات:
الأوّل: أن يكون المراد منه هو عدم تماميّة الصلاة فيه لأجل عدم كونه ساتراً للعورة بوجه، ولو مع تغيير هيئته وتبديل مكانه، بل ولو مع الاستعانة بخيط ونحوه.
الثاني: أن يكون المراد هو عدم تماميّة الصلاة فيه من دون تصرّف فيه بتغيير الهيئة وتبديل المكان أصلا.
الثالث: أن يكون المراد ذلك من دون تغيير للهيئة ولو مع تبديل المكان الذي جعل ذلك لباساً له.
والاحتمال الأوّل مستلزم لعدم كون كثير من الاُمور المذكورة في الروايات مثالا لما لا تتمّ، مصداقاً له أصلا; كالخفّ والجورب، بل التكّة في بعض
- (1) تهذيب الأحكام 2: 357 ح1480، وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب31 ح3.
- (2) تقدّمت في ص103.
- (3) في ص105.
( صفحه 111 )
الموارد والقلنسوة; ضرورة أنّ تغيير الهيئة في مثلها وتبديل مكانه يوجب أن يصير ساتراً للعورة.
كما أنّ الاحتمال الثاني مستلزم لعدم كون القميص القصير المتداول بين الأعاجم ـ الذي لا يكون ساتراً للعورة ـ داخلا فيما تعتبر طهارته; لعدم كونه ممّا تتمّ الصلاة فيه وحده بناءً على هذا الاحتمال; كما أنّه يوجب أن يكون الخفّ ممّا لا يتمّ دائماً، مع أنّ مرسلة حمّاد المتقدّمة تدلّ على أنّ الخفّ على قسمين: قسم تتمّ فيه الصلاة، وقسم لا تتمّ، مع أنّ الظاهر أنّ الخفّ لا يستر أزيد من الساق.
فيتعيّن الاحتمال الثالث، الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ الصلاة فيه وحده، هو ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعليّة ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له.
إنّما الإشكال في مثل العمّامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلّت، فقد صرّح الصدوق (قدس سره) في محكي كلامه بجواز الصلاة في العمّامة المتنجّسة، معلّلا بأنّه ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، ونقله عن أبيه(1)، ويدلّ عليه صريحاً رواية الفقه الرضوي(2).
ولكن في العروة(3) التصريح بعدم العفو إلاّ إذا خيطت بعد اللفّ بحيث
- (1) الفقيه 1: 42 ذ ح167، الهداية: 73، المقنع: 14، وحكى عنهما في مختلف الشيعة 1: 327 مسألة 243.
- (2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) : 95، وعنه مستدرك الوسائل 3: 208، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب14 ح3382.
- (3) العروة الوثقى 1: 74، الأمر الثالث.
( صفحه 112 )
تصير مثل القلنسوة، ووجهه ـ بعد عدم حجّية الفقه الرضوي ـ عدم دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الصلاة في العمّامة المتنجّسة; لعدم كونها ممّا لا تتمّ; لأنّ العمّامة المتعارفة في حدّ ذاتها ثوب تجوز فيه الصلاة; سواء لفّت على الرأس ليصدق عليه العمّامة، أم لم تلفّ بل شدّ على الوسط ليصدق عليه اسم الإزار والمئزر، والفلّ والفكّ لا تخرجان العمّامة عن موضوع اللباس.
وبهذا تفترق عن التكّة والجورب ونحوهما، حيث لا تتمّ فيه الصلاة إلاّ بالعلاج بالخياطة أو غيرها ممّا يخرجهما عن عنوان التكّة والجورب.
هذا، ولا يبعد أن يقال ـ بناءً على الاحتمال الثالث المتقدّم في معنى ما لا تتمّ ـ بأنّ العمّامة أيضاً من مصاديق ما لا تتمّ; لأنّها عنوان للثوب الملفوف بالكيفيّة الخاصّة; ضرورة أنّ الثوب قبل اللفّ لا يصدق عليه العمّامة أصلا، فهي عبارة عن الهيئة المخصوصة; وهي مع عدم تغييرها لا تكون ساترة للعورة نوعاً، وسهولة تغيير الهيئة وكذا إيجادها لا توجب الفرق بينها، وبين القلنسوة أو العمّامة فيما إذا كانت مخيطة، كما أنّه لا استبعاد في الفرق بينها، وبين الثوب قبل اللفّ في جواز الصلاة فيها متنجّسة وعدمه، كما لا يخفى.
ولكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحّة الصلاة لا يختصّ بالثوب، بل يجري في المحمول أيضاً بناءً على اعتبار طهارته; سواء كان المستند فيه مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة(1)، المصرّحة
( صفحه 113 )
بالتفصيل في كلّ ما كان على الإنسان أو معه، أو كان المستند صحيحة زرارة المتقدّمة(1) باعتبار إسناد الإمام (عليه السلام) الطهارة إلى نفس المصلّي، أو كان المستند إلغاء العرف خصوصيّة الثوبيّة، أو كان المستند صدق عنوان الصلاة في النجس; لعدم الفرق في شيء من ذلك بين الثوب والمحمول أصلا.
هذا، مضافاً إلى أنّ موثقة زرارة المتقدّمة ـ الدالّة على أنّ كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشيء ـ عامّة تدلّ بعمومها على حكم المحمول أيضاً بعد صدق الصلاة فيه عليه أيضاً، كما عرفت، فالتفصيل لا يختصّ بالثوب.
نعم، يظهر من الحلّي في السرائر(2) الاختصاص، وأنّ المحمول لا تجوز الصلاة فيه مطلقاً إذا كان متنجّساً، مستدلاًّ بعدم ثبوت إجماع الفرقة على التفصيل فيه، ولكن هذا إنّما يتمّ على مبناه من عدم حجّية خبر الواحد مطلقاً(3). وأمّا بناءً على ما هو المشهور(4) من الحجّية فلا. فالمحمول أيضاً على قسمين.
نعم، لو قلنا بالاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة الجارية في معنى ما لا تتمّ، لكان المحمول مطلقاً ممّا لا تتمّ فيه الصلاة; لأنّ صفة المحموليّة لا تجتمع مع التماميّة، كما لا يخفى، ولكن عرفت عدم تماميّة هذا الاحتمال.
- (1) في ص101 ـ 102.
- (2) السرائر 1: 264.
- (3) السرائر 1: 50 ـ 51 و 82 ، وج2: 628 ـ 629، وج3: 289 ـ 293.
- (4) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 1: 238، كفاية الاُصول: 337، مصباح الاُصول، موسوعة الإمام الخوئي 47: 173.